تزامن تصاعد وتيرة الإبادة، بالقتل والتجويع، في قطاع غزة، خلال الأسبوع الماضي، مع تصريحات إسرائيلية لم تتوقّف عن الحديث عن حصول اختراقات مهمة في مفاوضات وقف إطلاق النار، وسبقها إعلان من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عن توجيهه وفده المفاوض في الدوحة بعدم العودة حتى إقرار الاتفاق.
ما حصل بعد ذلك كان مفاجئا حتى للإسرائيليين كما يبدو، كون قطع المفاوضات ورفع سقف التهديدات لم يأت من قبلهم، مثل العادة، بل من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي أعلن أول أمس الخميس، انسحاب الوفد الأمريكي من المفاوضات حول غزة بعد وصول رد من حركة «حماس» لأنها، حسب قوله، «لا تبدي مرونة أو تعمل بحسن نيّة»، مضيفا إن واشنطن ستدرس الآن «خيارات أخرى لإعادة الرهائن» و«محاولة إيجاد بيئة أكثر استقرارا لسكان غزة»!
كرّر ترامب، كالعادة، تصريحات مبعوثه، بأن «حماس» لا تريد التوصّل لاتفاق وأنه سيتم «إسقاطها»، وأعاد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، بدوره، حكاية «دراسة بدائل لإعادة الرهائن»، كما لو أن ما يحصل في غزة لا علاقة له بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وبأن الفظاعات المأساوية التي تجري في قطاع غزة لا علاقة لها بالمفاوضات، وكما لو أن إسرائيل وأمريكا لم تجرّبا كل الوسائل الممكنة لإسقاط الحركة أو «إعادة الرهائن».
يذكّرنا موقف نتنياهو وشركائه اليوم، من تصريحات ويتكوف المستجدة، بطريقة تلقّي الحكومة الإسرائيلية لأفكار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجنونية، في شباط/فبراير الماضي، حول «امتلاك غزة وتحويلها إلى ريفييرا» والتي استغلها نتنياهو لرفع سقف القتل الجماعي للفلسطينيين، وبعد استنفاد جيش الاحتلال أهدافه من المباني والمشافي والجوامع والمدارس، صارت الغارات تستهدف خيام النازحين، ثم إلى إخضاع سكان القطاع بأكملهم لمجاعة همجية، واصطياد الجوعى اليائسين منهم في مراكز توزيع مساعدات باعتبارهم وجبات قتل يومية ليس بالقنص والأسلحة الأوتوماتيكية فحسب بل بالمدافع أيضا!
يجري هذا في ظل تخلخل في الموقف الغربيّ، عبّر عنه إعلان فرنسا عن موعد للاعتراف بدولة فلسطين، وكذلك في الضغوط التي تتعرّض لها بعض الحكومات الأوروبية التي تحاول التلاعب بضغط الشارع عبر «مسك العصا من الوسط»، كما تفعل بريطانيا، التي قادت إعلانا شاركت فيه 28 دولة للضغط على إسرائيل، ولكنّ حكومتها قامت أيضا بحظر منظمة «بالستاين أكشن»، مما أثار الكثير من الاستهجان والسخرية، وكذلك الحال مع ألمانيا، التي تحاول الابتعاد ما أمكن عن أي مواقف تناهض إسرائيل أو تضغط عليها.
لكننا، إذا جمعنا الموقف الأمريكي الأخير مع ما حصل منذ أيار/ مايو الماضي من تعاون أمريكي ـ إسرائيلي على «خصخصة» الإبادة الجماعية عبر «مؤسسة غزة الإنسانية» فسنقرأ غياب الفلسطينيين عن تصريحات ويتكوف ليس باعتبارهم «كمّاً» يمكن التخلّص منه عبر المشاريع الخلّبية لتهجيرهم إلى ليبيا أو سوريا أو دول افريقية، كما تداولت التسريبات، بل باعتبار عمليات الإبادة الجماعية والمجاعة المعممة («في سباق مع الزمن لمحو غزة وتهويدها» على حد قول وزير التراث عميحاي إلياهو) هي إحدى وسائل «التفاوض» مع «حماس».
- القدس العربي