اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير المسجد الأقصى، صباح أمس الأحد، وسط حراسة أمنية مشددة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، في ذكرى ما يسمى «خراب الهيكل»، وذكرت مصادر في دائرة الأوقاف الإسلامية أن 1251 مستوطنا اقتحموا الأقصى في ساعات الصباح الأولى، وأدت مجموعات منهم ما يُعرف بـ»صلاة بركة الكهنة»، متجاوزين المنطقة الشرقية التي كانت تقتصر عليها هذه الطقوس سابقا، وشهدت الاقتحامات ارتفاعًا في أعداد المستوطنين الذين تنافسوا على رفع أصواتهم أثناء أداء الطقوس، في حين سُمعت أصوات صلواتهم خارج أسوار المسجد، تحت غطاء أمني مكثف.
وشارك بن غفير ليلة أول أمس السبت في مسيرة للمستوطنين عند باب القطانين، أحد أبواب المسجد الأقصى، وأطلق تصريحات تحريضية قال فيها: «نحن لا نكتفي بالحداد، بل نفكر في بناء الهيكل، وفي بسط السيادة وفرض الحكم. لقد فعلنا ذلك في أماكن كثيرة، وسنفعل ذلك أيضا في غزة».
ليست عملية الاقتحام جديدة على سياق الإعلانات الفظة المتكرّرة لبن غفير شخصيا، ولتيّار «الصهيونية الدينية» الذي ينتمي إليه عدد من وزراء حكومة بنيامين نتنياهو الذين يتنافسون في أشكال الفعل العنصريّ، وأنواع التصريحات المؤيدة لإبادة غزة، وتأييد استمرار المجاعة، والتطهير العرقي وصولا إلى الاحتلال والاستيطان اليهودي الكامل لفلسطين التاريخية.
إضافة إلى كل ذلك فإن الاقتحام الأخير، الذي يحمل بصمات بن غفير، يحمل تحديا إضافيا لمجمل التحرّكات العالمية، التي كان آخرها تصريح لبابا الفاتيكان موجّه «لشبّان غزة»، واستمرار الفعاليات الشعبية العالمية المؤيدة للفلسطينيين، ومنها مظاهرة اشترك فيها عشرات الآلاف في مدينة سدني الأسترالية، وشارك فيها جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، وإعلان بريطانيا بعد فرنسا عزمها على الاعتراف بدولة فلسطين.
الحدث العالمي الأبرز الذي شكّل تطوّرا وازنا في موضوع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني كان «إعلان نيويورك»، الذي مثّل مؤشرا إيجابيا كبيرا على انتظام حشد دولي واسع، ضمّ كتلة مهمة من الدول الأوروبية والحلفاء التقليديين الداعمين لإسرائيل، يدفع باتجاه حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويرفض صراحة العدوان الإسرائيلي على غزة، والتهجير القسري، ويدين هجماتها على المدنيين، ويسعى لإيقاف الحرب، وإدخال المساعدات، ووقف المجاعة، ويطالب بإعادة الإعمار.
وضعت الفعالية الدولية الأخيرة أسسا يمكن تطبيقها للتسوية قدمت فيها اقتراحات يمكن قبولها غربيا وتستجيب لمطالب إسرائيل مثل نزع سلاح «حماس»، وتقديم مشروع لهيكلية أمنية لإدارة القطاع، وأن تكون الدولة الفلسطينية المأمولة «منزوعة السلاح»، ولكن «إعلان نيويورك» قدّم أيضا مسارا يوقف التغوّل الإرهابي الإسرائيلي في غزة والضفة، ويعارض خطط الإبادة والمجاعة والتطهير العرقي عبر العودة إلى مشروع «حل الدولتين»، ويحافظ على السلطة الفلسطينية، ويعطي قضية الفلسطينيين، زخما دوليا جديدا عبر انضمام أهم الدول الغربية الفاعلة، وكذلك بانخراط عربي وإقليمي يساهم في دعم هذا المسار.
أعادت إدارة حكومة نتنياهو، وشركائه المنفلتين من عقالهم، لحرب غزة، المشاهد الفظيعة التي خبرتها شعوب أوروبا خلال الحربين العالميتين، وهددت، برفضها وتحديها للقوانين الأممية والدولية، وللمنظومات التي أسسها العالم، بتقويض هذه الأسس الكبرى التي يقوم عليها العالم، وخلقت بذلك خيارين واضحين، إما الانسياق نحو الهمجية المطلقة، والقوة الوحشية من دون أي ضابط، أو إعادة ضبط هذه الدولة الخارجة عن القانون.
- القدس العربي