دمشق – «القدس العربي»: أثار قرار أصدرته هيئة المنافذ البرية والبحرية في سوريا من دون الإعلان عنه رسميا، وتضمن عقوبات لمكافحة التهريب، جدلاً حول صلاحية الهيئة في إصدار مثل هكذا قرار، باعتبار أنه مخالف للقوانين النافذة، وأن فرض عقوبات جديدة يحتاج لتعديل قانون عقوبات الجمارك عبر مجلس الشعب.
وزاد حجم التهريب بشكل ملحوظ بعد سقوط نظام بشار الأسد، فارتفعت نسبة البضائع الداخلة إلى البلاد بطرق غير شرعية بحدود 70 % ما دفع السلطات المختصة إلى إجراء العديد من الحملات على أسواق التهريب، حسب مصادر مطلعة على تفاصيل هذا الملف.
القرار الذي حصلت «القدس العربي» على نسخة منه وأصدرته الهيئة منذ خمسة أشهر من دون الإعلان عنه وباشرت في تطبيقه، تضمن عقوبات شديدة بالنسبة لدفع الغرامات في حال تم ضبط المهرب أو التاجر أو السائق في تهريب بضائع من دون أن يدخلها عبر المعابر النظامية.
ونص القرار على أن الشخص الذي يقوم بتهريب البضائع بشكل مباشر أو لمصلحة غيره سواء استيراداً أم تصديراً، يعاقب في المرة الأولى بمصادرة البضاعة المهربة مؤقتا إلى أن يؤدي رسمها وفقا للتعرفة الجمركية النافذة مضروبا بثلاثة أمثال الرسم عدا الرسم الأساسي المفروض من قبل الدولة عند دخول البضائع نظامياً وخلال مدة أقصاها خمسة أيام من تاريخ صدور قرار اللجنة الجمركية بالتغريم، على أن يتحمل مسؤولية هلاك البضاعة أو تلفها في حال حدوث ذلك، باعتبار أنه لا يتم الإفراج عن البضاعة المصادرة إلا بعد دفع الرسم المترتب عليه.
وبينت الهيئة في قرارها أنه في حال كرر المهرب عمليات التهريب فإنه يغرّم بستة أمثال الرسم المفروض عند دخول البضائع على الحدود نظامياً عدا الرسم الأساسي، ولا يتم الإفراج عن البضائع إلا بعد دفع هذه الغرامة، مشيرة إلى أن هذه العقوبات تطبق أيضا على التاجر وهو صاحب البضاعة المهربة أو الشخص الذي توجد في مستودعاته أو في محله التجاري تمهيداً لبيعها في الأسواق.
وفرض القرار أيضاً عقوبات على السائقين الذين ينقلون البضائع المهربة من دون التأكد من الأوراق التي تثبيت دخول هذه البضائع بشكل شرعي إلى البلاد وذلك بحجز السيارة لمدة ثلاثة أشهر، وحرمان السائق أو المالك من دخول جميع المنافذ البرية والبحرية بشكل نهائي إلا لداعي السفر، إضافة إلى حرمان السيارة من دخول جميع المنافذ البرية والبحرية في سوريا.
عقوبات بحق المخلّصين الجمركيين
وتضمن القرار الذي جاء بمثابة تعليمات تنفيذية، عقوبات مشددة بحق المخلصين الجمركيين الذين يقومون بتخليص البضائع في حال ثبت تورطهم في تقديم بيانات للبضاعة مغايرة للحقيقة أو مزورة أو القيام بأي عمل آخر يكون من شأنه تغيير وصف البضاعة بغاية التهريب من الرسم الجمركي الصحيح، وعقوبة هؤلاء حرمانهم من ممارسة مهنة التخليص الجمركي بشكل نهائي دون الإخلال بمسؤوليتهم الجزائية عما يرتكبونه من أعمال من الممكن أن تشكل جريمة.
ومن العقوبات التي تضمنها القرار إيقاف عمل الشركة التي يتبع لها ذلك المخلص لمدة سنة كاملة ولا يعفيها من المسؤولية التذرع بعدم علمها بما قام به المخلص من أعمال مخالفة لشروط ممارسة المهنة أو لقوانين وأنظمة العمل الجمركي.
ولم يستثنِ القرار الموظف الذي يتواطأ مع المهرب أو المخلص الذي قدم بيانات مزورة أو مع التاجر ليتم فرض عقوبات مشددة بحقه وهي الطرد من الخدمة، إضافة إلى تقديمه إلى القضاء المختص.
مخالفة واضحة
ورغم أن القرار لم يعلن عنه بشكل رسمي من قبل الهيئة عند صدوره، إلا أن مصادر حقوقية اعتبرته «مخالفة واضحة للقانون النافذ»، لأن تعديل العقوبات يجب أن تكون وفق نص قانوني وليس بمجرد قرار يصدر من هيئة عملها أساساً ينحصر في كونها جهة تنفيذية للقرارات التي تصدر من الحكومة وتطبق القوانين التي يتم إقرارها من الجهات المعنية في ذلك.
وفي تصريح لـ «القدس العربي» بينت المصادر القضائية المختصة أن المحاكم الجمركية في البلاد تعمل وفق قانون الجمارك الحالي والعديد من دعاوى التهريب يتم عرضها على هذه المحاكم، بمعنى أن هذه الدعاوى لم تتوقف، ووصل القرار المشار إليه إلينا لنأخذ به، متسائلاً: كيف إذاً لجهة تنفيذية أن تصدر قراراً بتعديل قانون ما زال نافذا ويتم العمل به؟ مشددة على ضرورة أن يبقى الحال على ما هو عليه، أي بعدم تعديل بعض القوانين مثل قانون الجمارك حتى يتم تشكيل مجلس الشعب الذي يعد السلطة المخولة بإقرار وتعديل القوانين.
ومنذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، انتشرت البضائع المهربة في الأسواق بشكل كبير، واستغل المهربون الفراغ الذي حصل في بعض مؤسسات الدولة ومنها إدارة الجمارك، لتصبح شوارع دمشق على سبيل المثال مكتظة ببسطات البالة المهربة وبالمواد الأجنبية التي كانت محظورة في زمن النظام البائد، ما ساهم في تخفيض الكثير من المنتجات الاستهلاكية المهربة وخصوصا من تركيا وبعض الأسواق العربية، وإن انعكس ذلك إيجابا على المواطنين المستهلكين، إلا أنه كان بمثابة كارثة على المنتجات المحلية غير القادرة على المنافسة من حيث السعر، وإن كان الكثير منها ذا جودة أفضل من البضائع المهربة.
وخلال الفترة الأخيرة، قامت دوريات تابعة لمحافظة دمشق بحملة واسعة وما زالت مستمرة على أسواق التهريب، ومنها السوق المعروف في العاصمة في منطقة البرامكة وصادرت البضائع منه، علماً أنه في زمن نظام السابق لم يكن ذلك من اختصاص المحافظة بل من اختصاص عناصر الجمارك.
وحسب مصادر مطلعة في الجمارك، فقد انتشرت دوريات مكثفة تابعة لهيئة المنافذ البرية والبحرية على الطرق الرئيسية في البلاد كإجراء احترازي لمنع دخول البضائع المهربة، على الرغم أن هناك نقصا واضحا في عدد العناصر التي من الممكن ان تقوم بهذه المهمة.
- القدس العربي