لا يوجد أدلة قاطعة لدى المجتمع الدولي السياسي أو العلمي على وجود نية لدى النظام السوري الجديد امتلاك أو تصنيع أسلحة غير تقليدية. إلا أن مواقع علمية أميركية أحيت خطر إعادة استخدام الأسلحة الكيماوية من خلال فتح شجون الذاكرة الغربية والعربية العالقة عند أحداث الضربات الكيماوية لحلب والغوطة على يد نظام الأسد عام 2013.
من الواضح أنه لا توجد أدلة قاطعة لدى المجتمع الدولي السياسي أو العلمي تثبت نية النظام السوري الجديد امتلاك أو تصنيع أسلحة غير تقليدية، لكن هاجس هجمات النظام السابق على المدنيين بالأسلحة الكيماوية عالق في ذاكرة العالمين الغربي والعربي على حد سواء. لذلك يستمر الجدل حول إمكان قيام النظام السوري الجديد بإعادة إنتاج الترسانة البيولوجية على مواقع إخبارية عالمية ومواقع علمية، وينقسم المشاركون في هذا النقاش بين مؤيد لوجود هذا الخطر وآخر يدعو إلى عدم التهويل.
سؤال لا يمكن تجاوزه
هناك سؤال لا تستطيع المجتمعات العلمية الأميركية التغاضي عنه، وهو: هل تمتلك سوريا الجديدة قدرات وأسلحة كيماوية؟ إذ غطت أهم مواقع علماء الذرة الأميركيين خطر إعادة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، من خلال إعادة فتح شجون الذاكرة الغربية العالقة حتى الآن عند أحداث الضربات الكيماوية لحلب والغوطة على يد نظام الأسد عام 2013. ويقول العلماء إن “انهيار نظام الأسد الوحشي في سوريا فتح فصلاً جديداً في تاريخ البلاد المحاصرة. ولطي صفحة فظائع الماضي ينبغي على قادة سوريا الحاليين التخلي عن الأسلحة الكيماوية، وعلى المجتمع الدولي إلزام أية حكومة سورية جديدة بتسليم جميع الأسلحة الكيماوية متبقية والسماح للمفتشين بالتحقق من تدميرها”.
الباعث الحقيقي لهذه الأسئلة
أما الباعث الحقيقي لكل هذه الأسئلة فهو الفوضى والاضطرابات التي تعانيها سوريا الجديدة، إذ وقعت “أحداث دموية وفظائع” ضمن الحرب الأهلية الأخيرة في سوريا، أحيت بدورها مخاوف الغرب من وقوع هذه الترسانة في أياد مجهولة.
وتواجه هذه الآراء التي نشر بعضها حديثاً في نشرة علماء الذرة الأميركيين من قبل طلاب دراسات عليا، بتهمة تهويل خطر الأسلحة البيولوجية في سوريا، إذ ورد في نشرة علماء الذرة ضمن هذا السياق على موقعها في 2024، مقالة بقلم طالب دراسات عليا في كلية فليتشر بجامعة تافتس الأميركية وهو “دونيور موتالوف” تحت عنوان استعراضي هو “رسالة إلى الثوار السوريين: تخلوا عن أسلحة الأسد الكيماوية وحاكموا من استخدمها”.
وفي رسالته الطويلة استعرض “موتالوف” المتخصص في المنظمات الدولية والدراسات القانونية الدولية، خطر إعادة استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا الجديدة بأسلوب لم يخل من التهويل وفق آراء متخصصين آخرين في هذا الشأن. يذكر أن “موتالوف” له اهتمامات أخرى تؤيد وجهة نظره، إذ تشمل اهتماماته البحثية مواضيع ضبط التسلح ومنع الانتشار النووي والقانون الدولي العام، كذلك فإنه تدرب سابقاً في جمعية ضبط التسلح، إذ عمل على منع الانتشار والسياسة النووية.
مصادر أخرى
من جهة ثانية ووفق وسائل إعلام عالمية كبرى فإن هذا الخطر ليس حقيقياً. ففي الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2013 تحدى وزير الخارجية الأميركي وقتها، جون كيري، رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد بتسليم الأسلحة الكيماوية السورية. وحينها جادلت مقالات نشرت في صحيفتي “واشنطن بوست” و”ناشيونال إنترست” بأن التركيز الحالي على الأسلحة الكيماوية السورية يصرف انتباه المجتمع الدولي عن تهديد أشد فتكاً وهو الأسلحة البيولوجية السورية.
وحذرت مصادر مقال “واشنطن بوست” تحديداً من أن نظام الأسد قد يستخدم أسلحته البيولوجية رداً على القوات الأجنبية أو حتى ضد شعبه. وأكد المقالان أن سوريا حافظت على برنامج “خامد” منذ آخر مرة شاركت فيها في تطوير أسلحة بيولوجية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مؤكدة أنه يمكنها بسهولة إعادة تنشيط برنامجها لإنتاج مخزون من الأسلحة غير التقليدية يمكن استخدامه للرد على أعدائها وفي غضون مهلة قصيرة.
تهديد حقيقي
لذلك ذهب الجدل وقتها إلى أن هذا التهديد “حقيقي”، وذلك لأن سوريا يمكن أن تستفيد من صناعاتها الدوائية والزراعية لدعم هذا الجهد، لذلك حذرت مقالات عدة من احتمال احتفاظ سوريا بسلالة من الجدري تفشت عام 1972، التي يمكن استخدامها لتطوير سلاح بيولوجي مدمر.
في 2021 علقت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حقوق سوريا وامتيازاتها، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، حقوق التصويت في المنظمة. وذلك في اجتماعها السنوي لعام 2023، إذ قررت الدول الأطراف في اتفاق الأسلحة الكيماوية، في ضوء استمرار انتهاكات سوريا للمعاهدة، منع بيع أو نقل المواد الكيماوية ذات الاستخدام المزدوج إلى سوريا.
وفي بيان نشر في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2024، غداة سقوط الأسد، جددت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تأكيد أن “إعلان سوريا الجديدة عن برنامجها للأسلحة الكيماوية لا يمكن اعتباره دقيقاً وكاملاً”، وتعهدت باستعدادها “للتواصل بشكل أكبر في شأن هذه المسائل مع السلطات السورية المعنية والشركاء الدوليين”.
ضمانات عدم استخدام السلاح
في مقالته الطويلة التي نشرت قبل رفع “هيئة تحرير الشام” من قوائم الإرهاب، يقول طالب الدراسات العليا المتخصص في المنظمات الدولية والدراسات القانونية الدولية موتالوف، “تقود ‘هيئة تحرير الشام’، التي صنفها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جماعة إرهابية، المتمردين الذين أطاحوا الأسد. وفي بيان نشر خلال الهجوم الخاطف على العاصمة السورية دمشق، أكد المتمردون عدم اهتمامهم بالأسلحة الكيماوية لنظام الأسد. وأعربوا عن استعدادهم للتنسيق مع الجهات المعنية لمراقبة الأسلحة والمواقع الحساسة في سوريا، وقدموا ضمانات بعدم استخدام أي سلاح محظور بموجب القانون الدولي، ولكن في الأيام المقبلة، على العالم أن يحكم على المتمردين بالأفعال لا بالأقوال”.
- إندبندنت