حضور صيني متعدد الأشكال في الأمن الإقليمي… وواشنطن تكافح لاستعادة الثقة
عندما فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب العالم بخطته للسيطرة على قطاع غزة وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، مع توزيع سكانه على دول المنطقة، بعد أسبوعين فقط من عودته إلى البيت الأبيض، برز موقف صيني واضح برفض الخطة والدعوة إلى وقفٍ شاملٍ لإطلاق النار، وإعادة إعمار القطاع، مع التأكيد على مبدأ “حكم الفلسطينيين لفلسطين” وحلّ الدولتين. وقد علّق وزير الخارجية الصيني وانغ يي حينها قائلا إن “محاولة تحويل قطاع غزة عنوة لن تجلب سوى الفوضى”.
وبعد نحو ثمانية أشهر، أطلق خلالها الرئيس الأميركي يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ”إنهاء المهمة في غزة”، تراجع ترمب عن “خطة الريفييرا”، بما في ذلك فكرة تهجير الفلسطينيين، واستبدلها بخطة “العشرين بندا” التي حققت وقفا لإطلاق النار، وتهدف في سياقها الأوسع إلى إنهاء الحرب وإعادة إعمار القطاع، مع الإقرار بـ”طموح الفلسطينيين نحو الدولة”.
وفي حديث خاص، وصف دبلوماسي صيني يعمل في منطقة الخليج هذا التحوّل بأنه “اللحظة التي يعمد فيها من ارتكب الخطأ إلى تصحيحه بنفسه”، في تلخيص دقيق لموقف بكين الذي يعتبر أن الولايات المتحدة، ومنذ هجوم 7 أكتوبر 2023، كانت هي من ساعد إسرائيل في توسيع الحرب وأمدّها بالسلاح والدعم السياسي، وبالتالي فهي وحدها القادرة على وقف الحرب، إذ ليس من المنطقي أن تتولى دولة أخرى، ولا سيما الصين، تصحيح أخطاء الأميركيين.
مبادرات استباقية
هذه المواقف الصينية لم تكن حدثا عابرا، بل كانت جزءا من نهج مبدئي تاريخي اتّبعته بكين في مقاربتها للنزاع الفلسطيني–الإسرائيلي وحافظت عليه، في وقت كانت واشنطن تتراجع عن دور الوسيط النزيه في عملية السلام وتنزلق إلى انحياز بلا ضوابط لإسرائيل. سمحت تلك القراءة للصين ليس فقط أن تستشرف الانفجار الحتمي المقبل، بل أن تطلق مبادرات استباقية لتجنبه. فقبل خمسة أشهر من هجوم “حماس” على منطقة غلاف غزة، وتحديدا في أبريل/نيسان 2023، عرضت الصين، وساطتها لاستئناف عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، مستثمرة الزخم الدبلوماسي الذي حققته قبل شهر واحد فقط من خلال اتفاق بكين للمصالحة بين السعودية وإيران. غير أن مبادرتها تلك لم تلقَ أي صدى في إسرائيل التي كانت تركز حينها على مساعي إدارة الرئيس جو بايدن للتوصل إلى اتفاق شامل مع السعودية يتضمن في أحد جوانبه تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب وهو ما ربطته المملكة بإقامة دولة فلسطينية. وفي إصرار على تلك المبادرة، استضاف الرئيس الصيني شي جينبينغ رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في بكين، يونيو/حزيران من العام نفسه، مُجددا استعداد بلاده للدفع باتجاه تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية.
تموضع خلف العرب
وقد قرأت بكين هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من نفس المنظور الاستراتيجي، بوصفه تجسيدا حيا لفشل عملية السلام، وعجز المجتمع الدولي عن إنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم. في هذا السياق، وصف المحللون الاستراتيجيون الصينيون هجوم “حماس” كرد فعل متطرف على المنطق الاستراتيجي المتطرف الذي كان يتبعه نتنياهو، والذي يرى أن تحقيق السلام مع الفلسطينيين يأتي “أخيرا وليس أولا”، بعد أن يتمّ في البداية استكمال عملية التطبيع الإقليمي مع الدول العربية. وقد ارتبط هذا المنظور ارتباطا وثيقا بالاستراتيجية الأميركية الهادفة إلى دمج الشرق الأوسط ضمن شبكة نفوذ إقليمي متشابكة، مع تأجيل معالجة القضية الفلسطينية المعقدة إلى مرحلة لاحقة.
اعتبرت وكالة “شينخوا” الرسمية أن خطة ترمب تفتقر إلى التفاصيل التنفيذية وتغلب عليها النزعة الاستعراضية متسائلة إذا كانت واشنطن تستخدم قمة شرم الشيخ لاستعادة نفوذها بالمنطقة
ومع تصاعد الاستقطاب الدولي في حينها تحت عنوان “دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، والرد على الهجوم، اختارت الصين الاصطفاف خلف الموقف العربي، وجوهره أن استعادة الأمن تتطلب الذهاب باتجاه السلام، وأن ذلك يتطلب حل مشكلة الفلسطينيين المزمنة.
وقد تجلى هذا الاصطفاف في منتدى التعاون الصيني-العربي الذي عقد ببكين في مارس/آذار 2024، حيث أكد البيان الختامي للاجتماع على “التوافق الكامل بين الصين والدول العربية في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، والعمل المشترك لتحقيق السلام في المنطقة”، ودعا إلى وقف الأعمال القتالية في قطاع غزة بشكل فوري، والعمل الجاد لتحقيق حل الدولتين، كما رفض محاولات التهجير القسري.
رويترزالرئيس الأميركي دونالد ترمب في اجتماع ثنائي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال قمة قادة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان، 29 يونيو 2019.
وفي محاولة للمساهمة الجادة في تذليل العقبات التي تضعف الموقف الفلسطيني، نجحت الصين في إقناع 14 فصيلا فلسطينيا، من بينها “حماس” و”فتح” على توقيع “إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية” في يوليو/تموز 2024، الذي تضمن تشكيل حكومة وطنية مؤقتة، وإجراء انتخابات لمجلس وطني فلسطيني جديد، وإعلان الوحدة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
النقاط الثلاث بوجه خطة ترمب
ومع استمرار القتل الوحشي في غزة وتحوّل المواقف الدولية ضد إسرائيل، حافظت الصين على موقفها، حتى بعد موافقة “حماس” وإسرائيل على خطة ترمب لإنهاء الحرب. وتعليقا على الخطة، رحب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، بـ”كل الجهود التي تسعى لاستعادة السلام وإنقاذ الأرواح”، لكنه شدد على ثلاث نقاط رئيسة تسلط الضوء على ثغرات بنيوية في المقترح الأميركي، وهي: أولا، العمل المشترك على تحقيق وقف إطلاق نار شامل ودائم يخفف الأزمة الإنسانية بشكل فعّال ويعيد الاستقرار الإقليمي. ثانيا، تنفيذ مبدأ “الفلسطينيون يحكمون أنفسهم”، على أساس أن أي ترتيبات لمستقبل غزة يجب أن تحترم إرادة الشعب الفلسطيني. وثالثا، الالتزام بخيار حل الدولتين دون تراجع، فمن خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة وضمان الحقوق الوطنية للفلسطينيين يمكن إزالة الظلم التاريخي وجذور العنف، وتحقيق السلام والتعايش الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتعالج هذه النقاط مواطن الضعف في المقترح الأميركي، خصوصا الغموض المحيط بحدود التفويض الذي سيمنح لمجلس السلام الدولي، المفترض أن يشرف على إدارة القطاع، والقوة الدولية، المفترض أن تراقب وتحفظ وقف إطلاق النار الدائم.
وفي مقابل الموقف الرسمي المتحفظ بتوازن، عكس الإعلام الصيني تشككا أكثر وضوحا بخطة ترمب. فقد وصفت صحيفة “الشعب” اليومية، الناطقة باسم “الحزب الشيوعي”، قمة شرم الشيخ بأنها “حدث رمزي أكثر منه جوهريا”، مشيرة إلى أن إسرائيل وحركة “حماس”، الطرفين الرئيسين في حرب غزة، لم يشاركا في القمة، معتبرة أن “أي مفاوضات تُقصي أصحاب الشأن المباشرين لا يمكن أن تؤدي إلى سلام دائم”، ومحذرة من أن تجاهل حل الدولتين يجعل “الهدن المؤقتة هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة”.
أ.ف.بالرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال قمة شرم الشيخ حول غزة في 13 أكتوبر2025
أما وكالة “شينخوا” الرسمية، فرأت أن وقف إطلاق النار “أشاع بصيص أمل”، لكنها أكدت أن خطة ترمب “تفتقر إلى التفاصيل التنفيذية وتغلب عليها النزعة الاستعراضية السياسية”، متسائلة ما إذا كانت واشنطن تستخدم القمة لاستعادة نفوذها في الشرق الأوسط أكثر من سعيها لبناء عملية سلام متوازنة.
القوة الدولية وإعادة الإعمار
التشكك الصيني في خطة ترمب لا يعني أن بكين ستعزل نفسها بشكل كامل عن مساراتها، خصوصا أن هناك مساع عربية لردم الثغرات الموجودة فيها.
في هذا السياق، رأى السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن “دعم الصين، بالطريقة التي تراها مناسبة، للمسار الذي اقترحته قمة شرم الشيخ، أمر مهم وضروري، خصوصا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أشار خلال كلمته إلى ضرورة تطبيق حل الدولتين، ودعا إلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لنشر قوات دولية في غزة، وهو ما يمنح أي خطوة من هذا النوع شرعية دولية، في خطوة توافق النهج الذي تفضله بكين”.
إذا كانت القوة الدولية من أجل غزة ستعمل بتفويض من الأمم المتحدة وباحترام سيادة فلسطين فقد تُبدي الصين تفهما أو دعما لها
وقال حجازي لـ”المجلة” إن مصر ستنسق مع الصين وباقي الدول الدائمة العضوية قبل طرح أي قرار يتعلق بالقوة الدولية في غزة، معبرا عن ثقته بأن بكين ستقدم الدعم للخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، التي يعتقد أنها ستصبح مرجعية المجتمع الدولي لإعادة إعمار القطاع في المرحلة المقبلة.
وفيما يشدد الكثير من الخبراء على أن النجاح في تشكيل قوة دولية قد يكون العنصر الأهم لتحديد مصير الخطة الأميركية، يعبر الكاتب والباحث الصيني في الشؤون الدولية، تشاو تشي جيون، عن حذر الصين الشديد تجاه هذه القوة. ويقول لـ”المجلة” إنه إذا كانت تلك القوة ستعمل بتفويض من الأمم المتحدة وباحترام سيادة فلسطين، فقد تُبدي الصين تفهما أو دعما لها، أما إذا كان المقترح مدفوعا من الجانب الأميركي ويفتقر إلى تفويض أممي، فستراه بكين أداة جديدة لتوسيع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
ورأى تشاو أن الصين لن تعارض تشكيل قوة بقيادة مصر، لكنها أيضا لن تبادر إلى إعلان دعم صريح، لافتا إلى أن رد الفعل الحذر لبكين يعكس رغبتها في ترك مساحة للتحرك في المستقبل، بما في ذلك أن تلعب دورا أكبر في مؤتمر القاهرة لإعادة الإعمار المزمع عقده في نوفمبر/تشرين الثاني.
“العودة” الأميركية والتنافس الجيوسياسي
من ناحية أخرى، وإلى جانب الثقة الصينية بمتانة موقفها من القضية الفلسطينية، فإنّ المراقبين والخبراء ينقسمون، في ضوء احتدام التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين، حول ما إذا كانت خطة ترمب لإنهاء حرب غزة وقمّة شرم الشيخ التي استُبعدت منها الصين، تمثّلان مصدر قلقٍ لبكين من ناحية إظهار محدودية قدرتها على التأثير الدبلوماسي والسياسي في منطقة تُعدّ محورا استراتيجيا في مبادرة “الحزام والطريق”، وقد استثمرت فيها الصين موارد اقتصادية وسياسية ضخمة على مدى الأعوام الماضية.
رويترزالرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الفلسطيني محمود عباس في قاعة الشعب الكبرى في بكين، الصين، 18 يوليو 2017.
ورأى بعض المحلّلين، قدرة ترمب على فرض الاتفاق ووقف النار والاعتراف العربي والدولي بدوره، تعبيرا عن “عودة أميركية قوية” إلى الشرق الأوسط، وإعادة تثبيتٍ لهيمنة واشنطن التقليدية وقدرتها على إعادة هندسة التوازنات الإقليمية وفقا لأولوياتها الاستراتيجية حتى من خلال مبادرات غامضة أو قابلة لتأويلات متعددة، في حين أن الصين بعيدة جدا عن امتلاك قدرات مماثلة.
في المقابل، اعتبر آخرون أن دعم ترمب غير المحدود لنتنياهو وتحول الرأي العام الدولي والأميركي لمصلحة الفلسطينيين بالإضافة إلى تزايد الشكوك بالمظلة الأمنية الأميركية لدول الخليج بعد القصف الإسرائيلي للدوحة، دفعا ترمب إلى محاولة غير مضمونة النتائج لتصحيح مواقفه واستعادة ثقة الدول العربية وأن المسار الذي اقترحه مجرد خطوة استعراضية وسينهار عاجلا أم آجلا تحت وطأة تناقض المصالح وعدم وجود رؤية أميركية واضحة للسلام في المنطقة.
توقيع السعودية اتفاقا دفاعيا مع باكستان في وقت تُعد فيه الصين المزوّد الرئيس لإسلام آباد بالسلاح يجعل بكين طرفا متزايد التأثير في الأمن الإقليمي
ومن أصحاب هذا الرأي الأخير الدكتور تانغ تشي تشاو، الباحث الأول في معهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا، ومدير قسم الدراسات السياسية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، الذي قال لـ”المجلة” إن “إطلاق ترمب لخطة السلام وعقد قمة شرم الشيخ شكّلا، إلى حدّ ما، محاولة لتغذية طموح الرئيس الأميركي في نيل جائزة نوبل للسلام، وكردّ فعلٍ سلبي على حالة الذعر والغضب التي عمّت دول المنطقة خصوصا دول الخليج العربي بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر”.
ويضيف تانغ، وهو كذلك نائب رئيس وأمين عام الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط، أن “الحديث عن كون خطة ترمب بداية لعودة الهيمنة الأميركية يبدو مشكوكا فيه للغاية. فالتحوّل المفاجئ لترمب من مروّج للحرب إلى من يقدّم نفسه كـصانع سلام يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية ومدى واقعية خطته”.
ويلفت تانغ إلى أن “ظهور ما يسمى بخطة إسرائيل الكبرى ومساعي تل ابيب لإعادة تشكيل النظام الإقليمي يعدان نتيجة مباشرة لدعم ترمب غير المحدود لإسرائيل، وهو نهجٌ لن يؤدي سوى إلى تآكل مكانة أميركا في المنطقة”، في مقابل ما يصفه دور الصين “كمروّج وبانٍ للأمن الإقليمي ومعاملتها للدول العربية كشركاء في السلام والتنمية ما جعل مصداقيتها ونفوذها السياسي والأمني في الشرق الأوسط يتصاعدان بشكل غير مسبوق”.
أ.ف.بصورة قبل حفل افتتاح الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني – العربي في دار ضيافة الدولة دياويوتاي في بكين في 30 مايو 2024.
في المقابل، تقدم الدكتورة يو ماي أستاذة الدراسات العربية في كلية الدراسات الأجنبية في بكين، مقاربة مختلفة تماما، وهي ترى أن ربط خطة ترمب بعودة الدور الأميركي إلى الشرق الأوسط يبرز التمايز الجوهري بين نمطي المشاركة الإقليمية للصين والولايات المتحدة، ففي الوقت الذي تعتمد فيه واشنطن على التحالفات الأمنية التقليدية والتدخّل السياسي، تؤدي الصين دورا تكميليا من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والتعاون الإنمائي والدبلوماسية المميزة للقوى الكبرى.
وتضيف يو لـ”المجلة” أنه في المجالين الاقتصادي والأمني فإن دور الصين في المنطقة ليس محدودا بل يعيد تعريف الفعالية بطريقة تدريجية وعملية، معتبرة أن تقييم دور الصين في إطار نموذج الهيمنة الغربية يمثل خطأ في الإدراك، فالصين ترفض لعبة محصلتها صفر ويتجلى تأثيرها في استراتيجيتها طويلة الأجل التي تعزز الاستقرار من خلال التنمية وتزيل الخلافات من خلال الحوار وهذا بالضبط يمثل إضافة مهمة لنظام الحكومة الأمنية الإقليمية وليس بديلا عنه.
أما الخبيرة في الشؤون الصينية تمارا برو فتقول لـ”المجلة” إن الصين تدرك جيدا أن منطقة الشرق الأوسط هي ملعب للولايات المتحدة وأن دول المنطقة لن تتخلى أبدا عن واشنطن، وبالتالي فإن الصين لا تريد منافسة أميركا في المنطقة كما تجد نفسها غير معنية بإزعاج واشنطن نظرا لأهمية الشرق الأوسط بالنسبة لأمن الطاقة ومبادرة الحزام والطريق، وهي تركز بدل ذلك على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط والاكتفاء بحضور أمني وعسكري عبر المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة.
وقد جاءت الجولة الخليجية السياسية والاقتصادية لنائب الرئيس الصيني هان تشنغ والتي استهلّها من السعودية وتشمل الكويت وقطر في هذا التوقيت بعد قمة شرم الشيخ لتؤكد أن مسار التعاون الصيني–العربي وتحديدا مع دول الخليج هو مسار لا يمكن عكسه.
وبغض النظر عن إمكانية نجاح خطة ترمب في إعادة تشكيل شرق أوسط جديد وفق منظور المصالح الأميركية انطلاقا من غزة، يرى الكثير من الخبراء الصينيين تقييمات نظرائهم الغربيين للاستراتيجية الصينية في المنطقة ما زالت مقيدة بأطر تقليدية، تحصر دور بكين في خانة “الركوب المجاني الأمني” و”تقاسم الأدوار الاستراتيجية” مع واشنطن، أي ترك الإدارة الأمنية للأميركيين مقابل استثمار الصين في المكاسب الاقتصادية، غير أن هذه القراءات تغفل التحولات الجوهرية في أدوات القوة الصينية، التي امتدت لتشمل أبعادا أمنية غير مباشرة، من شأنها إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية. ويكفي مثالا على ذلك توقيع السعودية أخيرا اتفاقا للدفاع المشترك مع باكستان، في وقت تُعد فيه الصين المزوّد الرئيس لإسلام آباد بالسلاح وشريكها العسكري الأوثق، ما يجعل بكين، وإن بطرق غير مباشرة، طرفا متزايد التأثير في معادلة الأمن الإقليمي في حين تكافح الولايات المتحدة بشكل متزايد لإعادة الثقة بدورها الأمني التقليدي.
- المجلة

























