عادت السويداء إلى الواجهة من جديد، وهذه المرّة من بوابة “التوتير” الأمني. إطلاق نار جرى على حافلة يستقلها دروز أدّى إلى مقتل شخصين على خط دمشق – السويداء. الحادثة تندرج ضمن سلسلة حوادث عنف متفرقة وقعت منذ اشتباكات تمّوز/يوليو الماضي، تؤشّر إلى أن واقع “التعقيد” ما زال على حاله واحتمالات عودة المعارك واردة في أي وقت.
مصادر ميدانية في السويداء تتحدّث لـ”المدن” عن الواقعة، وتقول إن المنطقة التي حصلت فيها الحادثة تتواجد فيها قوات الأمن العام التي من المفترض أنها تتحمّل مسؤولية الأمن.
وتكشف المصادر أن مجموعة مسلّحة ملثّمة لا ترتدي زياً أمنياً اقتربت من الحافلة وسألت الركّاب عن طائفتهم، وحينما جاء الجواب بانهم من الدروز، ابتعد المسلحون خطوات وأطلقوا النار بشكل عشوائي فأصابوا الركّاب.
أزمة ثقة
وتضيف المصادر أن ما حصل عمّق أزمة الثقة عند دروز السويداء، خصوصاً أن عناصر الأمن العام يتواجدون في المحيط. وتتخوّف المصادر من تكرار هذه الأحداث وحصول ردّات فعل تعيد المحافظة إلى اشتباكات تمّوز/يوليو.
وفي السياق، يطالب أهالي السويداء بتحرّك الأجهزة الأمنية السورية والإيفاء بالتزامات تأمين أمن طريق دمشق.
ضغط يولّد الانفجار
ما حصل في السويداء يفتح الباب على الضغط الاجتماعي والأمني والذي قد يؤدّي إلى انفجار جديد ما لم تعالج ذيوله.
لم تعالج السلطات السورية الثغرات الأمنية خارج السويداء، وعلى طريق دمشق بشكل حازم بعد، وفي الوقت نفسه، ثمّة غرف عمليات إسرائيلية في السويداء تؤجّج الفتنة وتزيد من الضغط على الدروز، فتعمّق الشرخ مع المكوّن السنّي السوري، وتفاقم المعاناة الاجتماعية.
ويتحدث الكاتب والصحافي السوري أيمن الشوفي لـ”المدن” عن الواقع داخل السويداء، قائلاً إن الوجود الإسرائيلي في المحافظة من خلال غرف عمليات مؤلفة من جماعات مقرّبة من الشيخ حكمت الهجري، تؤجّج الفتنة وتدفع باتجاه مشاريع الانفصال من خلال تعويم شخصيات مشبوهة تعمل إعلامياً واجتماعياً على نشر دعاية سياسية محدّدة.
ويعدّد الشوفي بعض الاجراءات غير المبرّرة التي بتقديره تصدر بقرار غرف العمليات الإسرائيلية وينفذها مقربون من الهجري والحرس الوطني، وهدفها زيادة منسوب “التوتير”، كتخزين المواد الغذائية، لا سيما القمح والأرز، وتلف كميات منها بسبب سوء ظروف التخزين، وحرمان الأهالي منها، إضافة إلى سرقة كميات كبيرة من المساعدات وإقفال المدارس وحرمان الطلاب من علمهم.
ممارسات مشبوهة
ويكشف الشوفي عن ممارسات مشبوهة تقوم بها مجموعات الهجري أيضاً، وبالتحديد جماعات ابنه سلمان الهجري. وعلى سبيل المثال لا الحصر، سيطر مسلحو الهجري على 3 آلاف شقة كانت تتبع في وقت سابق لأجهزة نظام المخلوع بشار الأسد الأمنية ومؤسساته الحكومية، لكن الهجري لم يخصّص هذه الشقق للنازحين الذين يعانون في مراكز الإيواء، بل لجماعته ومسلحيه وعناصر الحرس الوطني.
هذه الممارسات بمجملها تزيد من حجم الضغط الاجتماعي لدى دروز السويداء. وبتقدير الشوفي، فإن الهدف من خلالها توتير الأجواء ودفع أهالي المحافظة للعودة إلى سلاحهم وتوجه النازحين إلى قراهم في شمال السويداء وغربها لاستعادة منازلهم بالقوة، وبالتالي وقوع الاشتباكات التي تريدها إسرائيل. وبرأيه، طالما “السرطان” الإسرائيلي موجود، فالانفجار مرجّح.
الحل الأمثل هو العودة إلى خارطة الطريق التي اتفقت عليها السلطات السورية مع الأردن والولايات المتحدة، والتي تنص في إحدى بنودها على إبعاد البدو المسلحين عن السويداء وتأمين محيط المحافظة وطريقها إلى دمشق. برأي الشوفي، المطلوب إعادة تأهيل قرى الشمال والغرب وتقديم التعويضات لسكّان السويداء، وعودة الدروز والبدو إلى مناطقهم لكن من دون سلاح بضمانة أردنية.
تجاوزات الهجري
يعود الشوفي إلى الحديث عن داخل السويداء، ويتطرّق إلى الانقسامات الحاصلة والتي بدأت تطفو إلى الواجهة. سلمان الهجري عنوان التشرذم والتجاوزات الحاصلة، ووفق الشوفي، فإن الهجري الابن “لا يوفّر” عداءً مع الكثير من المكونات ضمن خط الهجري والحرس الوطني، وآخر الشخصيات التي اشتبك معها كان فادي بدرية أحد مؤسسي الحرس الوطني.
التجاوزات كثيرة في السويداء من قبل سلمان الهجري وجماعته، بينها عمليات خطف وسلب وتجارة مخدرات وسرقة مساعدات تسجّل داخل مناطق نفوذ الهجري والحرس الوطني. وفي هذا السياق، يتحدّث الشوفي عن مبالغ ضخمة وصلت إلى السويداء لم يصرفها الهجري، ومساعدات عبر الهلال الأحمر تمت سرقتها، بينها قمح ومحروقات وسلل غذائية ويوزعها على عناصره.
في المحصلة، فإن السلطات السورية تتحمّل مسؤولية تأمين الأمان في محيط السويداء وعلى الطريق التي تربط المحافظة بدمشق، وإبعاد مسلحي البدو عن الدروز لتفادي الاشتباك. لكن مسؤولية الهجري مضاعفة بوقف توتير المجتمع الدرزي والاتجاه نحو حلول الواقعية السياسية لتفادي التصعيد، وإلّا فإن الانفجار قد يكون مسألة وقت، وبنتائج كارثية.
- المدن





















