(بارادوكس) يعني اللغز المحير الذي ليس له حل. وسأضرب مثلاً على ذلك. لو قال أحدهم: إن جميع سكان قريتي كذابون، فهذا هو "البارادوكس". فإذا كان القائل صادقاً، فهذا يعني أنه ليس جميع سكان قريته كذابين. أما إذا كان كاذباً، فهذا يعني ان جميع سكان قريته صادقون وهو الكاذب الوحيد بينهم. وسأنتقل من هذه المقدمة مباشرة إلى الموضوع الذي أريد مناقشته.
في كل مرة تعتقل السلطات الأمنية مواطناً يطالب بالحريات الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، توجه إليه تهمة "إضعاف الشعور القومي" وهذا ما حصل مع عارف دليلة ومشيل كيلو ورياض سيف وفداء حوراني ومهند الحسني وآخرين. إنها تهمة تشبه الطابع الذي يلصق على جميع المعاملات.
وأود هنا أن أناقش هذا البارادوكس. فالقاضي الذي حاكم هؤلاء الذين أضعفوا شعور المواطنين القومي، هل ضعف عنده الشعور القومي عندما سمع تصريحات هؤلاء؟ فإذا ضعف شعوره القومي فلا يحق له أن يعتلي منصة القضاء لأنه أصبح ناقص الأهلية، أما إذا لم يكن قد ضعف شعوره القومي رغم سماعه تصريحات هؤلاء، فمعنى ذلك أن تصريحاتهم لم تضعف الشعور القومي، وبالتالي لا تجوز محاكمتهم على تهمة لم يرتكبوها!!
واقتراحي هو أن "يبحبش" القضاة في قانون العقوبات، وهو كبير وفيه مواد كثيرة تؤدي إلى حبس المواطنين"طويلي اللسان" دون أن تشكل لهم إشكالات "بارودوكسية"؟!
-2-
وإليكم "بارادوكس" آخر. فقد جاء في افتتاحية جريدة "البعث" بتاريخ 4 شباط 2010 ما يلي: "نعيش في منطقة توتر سياسي وإيديولوجي سببها تحديات معروفة نجمت عن استمرار الاحتلال والعدوان واغتصاب الحقوق، بحيث لا تتوافر لدى صناع القرار فرصة ملائمة للاهتمام بالتنمية وتحسين الأوضاع المعيشية".
فعلاً إنه "بارادوكس" مدهش: لا وقت لدى "صناع القرار" للاهتمام بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين! فهم منهمكون بقضايا أخرى أهم بكثير! إنهم منهمكون بإزالة التوتر السياسي والإيديولوجي" في المنطقة، وعندما يزول التوتر وتحل جميع المشاكل العالقة ويزول الاحتلال وتعود فلسطين إلى أصحابها وكذلك الطنب الكبرى والصغرى وجزيرة أبو موسى وسبتة ومليلة…..عندها يندار "صناع القرار" للاهتمام بالقضايا المعيشية للمواطنين. ومن صبر أربعة عقود يستطيع أن يصبر أربعة عقودٍ أخرى بل وأربعة قرون ولماذا العجلة؟؟ بيد أن بقاء التوتر والاحتلال لم يمنع "صناع القرار" في الوقت الضائع أن يكدسوا الأموال الطائلة ويبنوا القصور الفاخرة ويفتحوا حسابات في المصارف الأجنبية لهم ولأبنائهم من بعدهم. ويجب على الشعب أن يفرح. فهم "صناع قراراتنا" ويجب أن نؤمن لهم ولأسرهم العيش الرغيد ليتفرغوا لإزالة التوتر وتحرير الأرض. ويجب ألا نلقي بالاً "للدساسين" الذين يزعمون أن التوتر في العلاقات الدولية سيبقى مادامت هنالك مصالح متضاربة بين الدول وأن "صناع القرار " في الدول الأجنبية يجدون الوقت الكافي، رغم التوتر، للاهتمام بتحسين مستوى معيشة مواطنيهم، وإننا إذا انتظرنا حتى يزول التوتر السياسي والإيديولوجي في المنطقة، فلربما يموت "صناع قرارنا" ولا يزول التوتر!!