ليس هو اسم الكنيس اليهودي الجديد الذي دشنته إسرائيل بمحاذاة جدار المسجد الأقصى فقط ، إنما في الوقت نفسه أقل ما يمكن أن توصف به نتائج حمى الاستيطان التي تشعلها حكومة المستوطنين المتطرفين باجتهادات بربرية وعنصرية غير مسبوقة ، تذكر بحمى الاستيطان التي سبقت تأسيس إسرائيل وتتفوق عليها . حتى لتبدو هذه الحكومة كثور هائج في المنطقة متفلت من أي قيود والتزامات ، تحذر هذا وتهدد ذاك ، وتمارس غطرسة قل نظيرها على شعب أعزل بقضم أرضه وممتلكاته ، والاعتداء على حرماته ومقدساته لفرض أمر واقع ، يزيف الحقيقة ويزور التاريخ ، ويتجاهل إرادة الشعوب ومصالحها في زمن يطمح فيه الإنسان لإظهار أبهى مراحل ارتقائه ومظاهرها .
صحيح أن إسرائيل بمعتدليها ومتطرفيها بعسكرها ومستوطنيها ، تستغل إلى أبعد الحدود حالة الانقسام الفلسطيني البغيض – الذي يغري القريب والبعيد بهذا الاستغلال – لتغيير الخريطة الجغرافية والسياسية والبشرية للأراضي المحتلة باتجاه الأوضاع التي تلائمها ، لتعيق تحقيق حل عادل ودائم وشامل للنزاع العربي الإسرائيلي ، وتحول دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة بالاستقلال الوطني على أرضه وموطن أهله وأجداده .
وصحيح أيضاً أنها تستثمر حالة التردي الكبير في الوضع العربي بعدما أنهكته سلطات النهب والقمع والاستبداد ، وقادته إلى ما يعانيه من انقسام وفوات وعطالة ، بجعل المنطقة والعرب كأمة وأرض ومستقبل رهناً بتقدم مشاريع الآخرين وعقابيلها ، التي تبنى على غياب دور العرب وعلى مكانتهم ووجودهم ومصالحهم ، في منطقة هم القاعدة العريضة لها في الفضاءات التاريخية والجغرافية والثقافية .
غير أن هذا النهج الإسرائيلي المغالي بنزعاته العدوانية وإجرامه ، لا يتناقض مع طموحات الشعب الفلسطيني وإرادة الأمة العربية ومصالح شعوب المنطقة فحسب، إنما يمتد – وللمرة الأولى بهذا الشكل السافر والبجح – ليصطدم بالإرادة الدولية ممثلة بقرارات الأمم المتحدة ومشاريع السلام ، التي يجتهد المجتمع الدولي في غير موقع لتسوية قضايا المنطقة عبرها . ويتمادى هذا النهج بما يرتبه من سلوك وسياسات في غيه إلى درجة الاحتكاك والمواجهة مع القوى الحليفة له استراتيجياً ، والتي عملت وما زالت تعمل على دعم إسرائيل بكل الوسائل ، وتوفير أسباب الحماية لها والتغطية على ممارساتها المتناقضة مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان .
إن هذا النهج العدواني المنفلت يواجه برفض شعبي كبير ، ويستولد مقاومة مشروعة له متعددة المنطلقات ومختلفة الأشكال . ويستحضر افتضاح حقيقة إسرائيل ودورها في المنطقة وفي العالم ، واستنكار الأوساط العالمية المسؤولة لعملية التدمير الممنهج التي تقوم بها بحق الأرض والإنسان والسلام العالمي . غير أن أخطر ما يمكن أن يقود إليه هذا التطرف العنصري الأعمى هو الردود العنفية من نفس النوع ، التي تثير في المنطقة وفي العالم أعمال عنف متبادل وإرهاب منفلت ومنعدم الحدود والقيود ، يكون وبالاً على شعوب المنطقة ومستقبلها .
فانتقال الفكر والسياسة الإسرائيليين من الصهيونية إلى اليهودية بالإصرار على يهودية الدولة وفرضها كأمر واقع يجري الاعتراف به لاحقاً ، وتحدي مشاعر العرب والمسلمين بالاعتداء على المقدسات الإسلامية ودور العبادة بمصادرتها والاستحواذ عليها كإرث ثقافي لليهود ، والسياسة المعتمدة والإجراءات اليومية لتهويد القدس وتشريد أهلها العرب تشكل حافزاً نشطاً لتوليد عنف أعمى مدمر ، يفتقر إلى العقلانية والأهداف ، ويخرج عن السيطرة ، ويثير الحروب الدينية التي توقظ الأحقاد التاريخية والأعمال الثأرية ، وتستحضر الأشكال البائدة للصراع ، مع ما يمكن أن تحمله دون شك من خراب حقيقي على جميع شعوب المنطقة ، وأولها الشعب اليهودي نفسه .
فهل ينذر " الخراب " الذي يدشن في شوارع القدس وعند جدران المسجد الأقصى بخراب يعم المنطقة ؟ !
16 / 3 / 2010
هيئة التحرير