هل كان المجتمع الدولي بحاجة إلى برهان جديد على أن إسرائيل تمارس منذ عقود من الزمن إرهاب الدولة ، متجاهلة بغطرسة وازدراء القوانين والأعراف العالمية ، وضاربة عرض الحائط بالاتفاقيات والمعاهدات الناظمة للعلاقات بين الدول ، وقرارات المؤسسات الدولية المعتمدة بهذا الشأن ؟ !
وهل كان أصدقاء إسرائيل ، الذين ابتدعوا مفهوم " الدولة المارقة " ، وأشاعوه في العالم ، بحاجة إلى وقائع جديدة ، تثبت أن إسرائيل دولة مارقة بامتياز وبكل المعايير . وأن تأكيدهم المستمر على الالتزام بأمنها ، وجهدهم الدائم لتغطية تصرفاتها ، يساهم في تعزيز عدوانيتها ، ويضعها باستمرار خارج مطال العقاب والمساءلة القانونية والأخلاقية . نعني بهم أساساً الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، التي تهتم بإرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة في وقت تعمل فيه حليفتها المارقة بدأب وتصميم على الإطاحة بكل الجهود الدولية من أجل ذلك ؟ !
وهل كانت الدول العربية وجامعتها ( بمعتدليها وممانعيها ) تحتاج إلى برهان آخر لتصاعد عربدة إسرائيل في المنطقة إلى الحدود القصوى ، بعد امتلاكها أسباب القوة لصنع الحروب والعدوان ، ومصادرتها لمفاتيح التسوية فيها وإغلاقها أبواب السلام وكل النوافذ المطلة عليه ؟ !
وهل كانت الشعوب العربية تنتظر برهاناً آخر على عجز حكوماتها عن فعل شيء يذكر لحماية الشعب الفلسطيني الشقيق والدفاع عن حقه في العيش الكريم ، فما بالك إن جرى الحديث عن مصالحه الوطنية المشروعة ؟ !
وأي لزوم لأحداث جديدة ، تفضح النظام العربي ( بما يفعله وما لا يفعله ) على أيدي المتطوعين الأتراك واليونانيين وغيرهم من مواطني ثلاثين دولة أخرى من المنطقة والعالم ، من أجل فك الحصار الظالم والبربري عن قطاع غزة ؟ !
وكذلك لم تكن تنقص إسرائيل شهادة إضافية بالعنصرية والقتل والعدوان حتى في مواجهة مبادرات إنسانية سلمية كمبادرة " أسطول الحرية " لغوث المحاصرين في سجن غزة الكبير منذ أربع سنوات .
لكن ما حدث قد حدث لأسباب أخرى ، وفي إطار التعبير عن الواقع المر بصورة تراجيدية وجارحة ، ولوضع المخرز في عين من لا يريد أن يرى إسرائيل على حقيقتها ، ولا يريد أن يتبصر حقيقة التوازن المختل في المنطقة لصالح القهر والظلم والعدوان . في وقت يزدحم فيه الخطاب الدولي للقوى الكبرى – سياسياً وإعلامياً – بمفردات الحرية والديمقراطية والحق والعدل . . .
أكثر من ستمائة ناشط وطني وإنساني وحقوقي وإعلامي احتجزتهم إسرائيل . فقتلت بعضهم ، وأدمت بعضهم ، وسجنت الآخرين في معسكر اعتقال أعد خصيصاً على مهل وبدم بارد . حملة إنسانية سلمية ، واجهتها الآلة الحربية الإسرائيلية في عرض المياه الدولية ، كي تمنع الإنسان في هذا العصر من أن يكون إنساناً ، ويعبر قولاً وفعلاً عن إرادته ودوره في قضية عدالتها ساطعة كالشمس ، وبشاعتها وصلت إلى حد لا يوصف . وليس ما ورد في تقرير غولدستون إلا بعضاً من وجوه تلك البشاعة .
لقد استطاعت السفينة التركية " مرمرة " والدماء التي أريقت على متنها ، أن تكشف الجنون الإسرائيلي ، وتفضح تصرفات دولة إرهابية ( تشملها الرعاية الدولية ) ، أكثر مما فعلت جامعة العرب وهيئة الأمم وكل قراراتهما ومجالسهما .
شكراً لتركيا ( دولة وشعباً وقيادة ) ، التي تعطي دروساً في الاقتدار واللياقة والمسؤولية .
وشكراً للإعلاميين الذين ركبوا أمواج الخطر ، وكانوا الحدث هذه المرة ، وليس من يغطونه ، بديلاً عن عجز السياسة وقصور الدبلوماسية .
وبعد . . وعلى إيقاع ما يجري . .
أليس حرياً بالفلسطينيين أن ينهضوا بأعباء دورهم الأساس في مبادرات شجاعة ، توحد الموقف والرؤية ، وتبني على المشترك في العمل الوطني والسياسات المتوجبة . فيضعون حداً للانقسامات ، ويعيدون الألق لقضيتهم والحيوية لدورهم ، بعيداً عن التجاذبات والتدخلات الإقليمية والعربية والدولية ؟ !
أليس حرياً بالعرب شعوباً وحكومات ، أن تسعى في الممكن والمستحيل لرفع الحصار عن غزة ، وتوحيد الجهود والمواقف بين الضفة وغزة باتجاه الدولة المستقلة ؟ !
أليس حرياً بنا أن نقول مرة واحدة : كفى . .
1 / 6 / 2010
هيئة التحرير