ربما بات العرب بحاجة الى، مايعتبرونه، حيوية الايرانيين واندفاعة الاتراك، عل ذلك يساعدهم في مزاوجة، ما يعتبرونه ايضا، امكاناتهم الكامنة (تجذرهم الحضاري)، والظاهرة (تعدادهم البشري، ونفطهم، واسواقهم)، بتلك الحيوية والاندفاعة، املا في إحداث كيمياء جديدة في اوضاعهم، تساعدهم على الخروج من الوضع المأزقي والمركب الذي يعايشونه (العجز، التخلف، والتراجع الدائم ابدا).
باستثناء ذلك، لاتمتلك دعوة الامين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، ايجاد رابطة جوارية تجمع العرب و(جيرانهم) الاتراك والايرانيون وبعض الافارقة، في اطار منتظم، او منتدى اقليمي واحد، مبررات كافية لشرعنتها، كما تفتقد للزخم الكافي لترجمتها الى واقع ملموس في الفضاء الشرق أوسطي.
وليست الاسباب هنا تقنية وحسب، اذ يدرك فقهاء التنظيم الدولي، ان هذا المجال، رغم قدمه النسبي، لا يزال يحتمل الكثير من الاجتهادات، ومن شأن الارتكان على البعد التقني توفير الكثير من المبررات للاطار المراد تأسيسه بين العرب وبعض جيرانهم، كما من شان الخبرة التاريخية، والتجربة العيانية، إثبات امكانية نجاح هذا الاطار قياسا على تجربة بعض المنظمات الاقليمية بهذا الخصوص .
لكن، لا الجانب الفني وصياغاته المحكمة والرصينة، ولا الواقع العولمي المتشابك، الذي اتاح هذا النمط العلائقي، قادران على ضمان تحقيق مثل هذه الفكرة في الفضاء الشرق اوسطي ذي الخصوصية المعقدة، وبمشهديته، الراهنة، واللانهائية، بصفته الجغرافية الرجراجة والمقسمة بخطوط من دم (اثنية، طوائفية، قبلية)، وبواقعها السيوسولوجي الموسوم بتصارع الهويات وتقاتلها.
ولا يكاد يشذ عن هذه القاعدة، الاجتماعان الإيراني والتركي، بالرغم من كونهما يصدران عن وحدة ظاهرية، سياسية وقانونية، تحيلهما في التعريف الدولي أمتين، ايرانية وتركية، الا انهما في واقعهما السيوسولوجي، ليستا اكثر من قوميات غالبة وقاهرة لقوميات اخرى تتحين فرصة الخلاص والتحرر.
هذا الواقع الشرق اوسطي، بصفته الفسيفسائية المتنافرة، والقابض، بشدة، على هويات مكوناته، لم تشكل الدولة فيه حتى اللحظة، الوعاء الجامع لتلك المكونات، بقدر ما تشكل واجهة لقومية او طائفة او قبيلة غالبة، وبالتالي فإنها (الدولة) ستبقى امرا مرفوضا، ربما الى حين توافق مختلف المكونات على صيغة (عقد) توافقية تضمن عيشهم المشترك، او ربما الى حين تكوين تلك المكونات دولها الخاصة بها .
ترى، الم تفشل الجامعة العربية (كمنظمة اقليمية) في تطوير ادائها وتحقيق درجة من الفعالية، تشابه نظيراتها الاقليمية في العالم، بسبب ضعف مكوناتها الاساسية (الدول العربية) ولا شرعيتها، وصيرورتها مزارع خاصة بعائلات، اكثر من كونها دولا بالحد الادنى !، وهل تحتاج الجامعة العربية لأعباء الواقعين الايراني والتركي لتزيد من حدة أزمتها الراهنة (بصفتها نظام إقليمي فاقد لديناميات التطور)؟.
ثم دع عنك هموم وشجون الشرعية والدولة في الشرق الاوسط، ولنبقى في اطار الاهداف والغايات، باعتبارها المبرر الاهم الذي قد تتلاقى عنده الاطراف الراغبة في تشكيل رابطة مشتركة تجمعها، ترى عند اي هدف تلتقي تلك الحزمة الواسعة من الدول التي تتربع على قوس يمتد من وسط اسيا، الى حواف اوروبا، الى افريقيا جنوب الصحراء ؟، ما المبادئ التي سيتم الالتزام بها ؟، وما الاهداف المراد تحقيقها؟، هل ستلتزم ايران، مثلا، بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهو المبدأ الاساس الذي تجمع عليه مختلف مواثيق المنظمات والروابط وسواها من الاطر التي تجمع الدول ؟، او كيف يمكن ان نجمع الامارات العربية والعراق مع ايران التي لاتزال تحتل جزءا من اراضيهما، ولا زال البلدان يطالبان بإعادة تلك الاراضي؟، او حتى كيف يمكن جمع اليمن ولبنان مع ايران، اللتان تشكوان، ايهما شكوى، من تدخلها الفاضح والعلني في شؤونهما الداخلية ! .
ثم ماذا عن الاهداف المراد تحقيقها، وهي (الاهداف) اساس التقاء الدول في اي تجمع، ما الاهداف التي ستتواضع عليها دول بتوجهات وطموحات مختلفة، ان لم تكن متناقضة، فما الهدف الذي يجمع تركيا الحالمة بالانضمام إلى أوروبا والساعية دوما لذلك، وما التفاتتها المشرقية الا محاولة لتثقيل اوراق تساومها تجاه الفضاء الاوروبي!، كذلك ما الاهداف التي تجمع دول العرب مع ايران السائرة باتجاه امتلاك السلاح النووي لتقبض، اولا، على رقبة العالم العربي، وبالتحديد دوله النفطية، لغايات باتت معروفة!.
من الواضح ان الدعوة العربية لتشكيل رابطة الجوار، ليس لها من أهداف واضحة وحقيقية، سوى توسل الجوار لاتقاء شره واعلان صريح عن عدم امكانية العرب خوض غمار التحدي المفروض عليهم من هذا الجوار الا بالإلتفاف على ضعفهم وتقديم قرابين الطاعة والرضوخ تحت شعارات الجوار والاخوة .
“ المستقبل “