المستقبل: 24 شباط 2011
ما الذي يفسر ما تعرفه المجتمعات من استهتار بالحياة القانونية على مستوى الدولة والمجتمع معاً، وارتدادها نحو العصبية والتضامنات البدائية والاستسلام لغريزة الاقتتال والعنف؟
هذا السؤال السابق فاجأني به أحد مسؤولي منظمات حقوق الإنسان الدولية، في زيارته الأخيرة لباريس. وبالفعل لا يمكن للمراقب المحايد أن ينكر أن أكثر ما يسم وضع المجتمعات العربية الراهنة هو غياب احترام القانون وضعف الحوافز الأخلاقية، الى درجة يبدو فيها وكأن القوة وحدها هي التي تقوم فيها بترتيب العلاقات وأشكال الانتظام الفكرية والسياسية والاجتماعية، التي تمتد من العائلة الى الدولة. ولا يكاد سلوك أو جهد يقوم على أصول أو قواعد مرعية واضحة، وكل ما نقوم به، من التربية الفردية الى الحرب، يجري تقريباً خارج أي مثال أو أطر واضحة فقهية وعلمية وسياسية، كما لو أن التقاليد التي درجت النظم عليها، بما تمثله من خبرة مختزنة وثابتة مستمدة من التجربة الإنسانية الطويلة، قد ضاعت تماماً، ولم يعد هناك أي مرجعية واضحة يستند اليها الفرد أو الجماعة أو الدولة في أفعالهم أو ترتيب شؤونهم وحقول ممارستهم. لا يمكن لمثل هذا الوضع إلا أن يثير تساؤلات عديدة، خاصة عندما يتذكر المرء ما حفلت به الحضارة العربية من تراث فقهي وتعلق بالتقاليد واحترام شديد للشرعية والأصول المرعية.