لأسابيع عدة افتقد كثيرون الحضور السوري في موكب الانتفاضات الشعبية الجارية في المنطقة ، وتعم جميع الدول العربية بلا استثناء . وبعيداً عن الأحاديث السلطوية والمأجورة والخانعة عن ” الاستثناء السوري ” ، وخلافاً للتحليلات الباردة والتقولات المتجنية التي طالت المجتمع السوري ، ها هم السوريون يضعون بلدهم في قلب الصورة ، التي ترصد معترك التحركات والانتفاضات الشعبية من أجل استعادة الحقوق ، وفي تيار الثورة الديمقراطية في المنطقة ، التي أطلقت تونس شرارتها الأولى ، وأشعلت وقيدها الثورة المصرية . هذه الثورة التي اختطت طريقاً جديداً لمسار التاريخ ، يطوي صفحة الاستبداد والحكم الفاسد ، ويفتح صفحة جديدة لحضور الشعوب في تقرير شؤونها وبناء مؤسسات الحكم الرشيد .
كانت أحداث ” الحريقة ” في دمشق محطة اختبارية لدرجة الاحتقان الشعبي والاستعداد للتحرك من أجل الكرامة والحقوق . عبَّرت عن ذلك بوضوح الشعارات التي أطلقتها ، واضطرت وزير الداخلية للحضور والعمل شخصياً على نزع الفتيل ومنع التداعيات . ثم جاءت تظاهرة سوق الحميدية في الخامس عشر من آذار ، والتجمع التضامني مع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي ، الذي جرى في اليوم التالي أمام وزارة الداخلية وما نتج عنه من حملات اعتقال وتصرفات أمنية ، لتنهي زمن الصمت في الشارع السوري ، وتعلن حضور صوت السوريين المنطلق باتجاه الحرية والعدل ، توافقاً مع إخوتهم في مختلف الدول العربية من المغرب إلى البحرين .
أما الثامن عشر من آذار ، فسيؤرخ لبداية انتفاضة السوريين في العديد من المحافظات والمناطق ( حمص – دير الزور – بانياس – الجامع الأموي بدمشق – درعا ) ، ويبدد وهم ” الاستثناء ” و ” الوضع الخاص في سورية ” . تصرفات السلطة كانت متوقعة ، عبر اعتماد الحل الأمني فقط ، والإصرار على حرمان الشعب السوري من أي فسحة في فضاء وطنه وشوارع مدنه للتعبير عن همومه ومواجعه وطموحاته . فأرسلت زمر البلطجية وقوات القمع للتصدي للمتظاهرين بالاحتكاك الجسدي السافر . ومنعت حضور الصحافة ، وكسرت كاميرات التصوير ، واعتقلت العشرات من المتظاهرين والمتضامنين ، الذين يشاركون في مشهد الحرية البازغ . مثلما استدعت سياسياً وإعلامياً اسطوانة الخطاب الخشبي المشروخة بالحديث عن ” مندسين ” بين المتظاهرين ، يستغلون الظروف للتخريب وضرب الاستقرار . غير امتداد التظاهر لعدد كبير من المناطق ، وخروج آلاف من المتظاهرين – كما في مدينة درعا – إضافة إلى الشعارات الوطنية المرفوعة والسلوك السلمي الحضاري ، كان أعظم رد على تهم السلطة الجاهزة وتفسيراتها المتهالكة ، التي باتت تثير الامتعاض والسخرية .
ما حدث في درعا يفتح باب الانتفاضة السورية من أجل الخبز والحرية على مصراعيه . وهو بكل جدارة خطوة أساس على طريق الثورة الديمقراطية في بلادنا ، ما بعدها سيكون مختلفاً عما قبلها . فها هو الشعب السوري يجتاز عتبة الإرهاب والتخويف محطماً كل قيوده السابقة في توقه لتحصيل مكانته المرموقة في حاضر المنطقة ومستقبلها . إن دماء شهداء حوران الأربعة ستضيء الساحات السورية في جميع المحافظات . وتؤسس لولادة سورية جديدة وطناً حراً لكل أبنائها ، يكون فيها ” الشعب السوري ما بينذل ” قولاً وعملاً . والموقعة التي حصلت في الوادي الفاصل بين المحطة والبلدة القديمة في درعا ، فصلت فعلاً – بدم الشباب الغالي – بين نظام دموي يستسهل توجيه الرصاص الحي إلى صدور أبناء الشعب ، وبين شعب يريد أن يخرج من عقد الماضي وترسباته ، ويتحرك بأيد عزلاء وحناجر عالية النبرة تصدح بالحق ، ويتوجه إلى المستقبل لاستعادة دور مفقود ومصالح مضيَّعة وكرامة فردية ووطنية وإنسانية مهدورة .
تحية لقافلة الحرية الأولى في الانتفاضة السورية ، والمجد والخلود لأرواحهم الطاهرة .
تحية للشباب السورية الذي يعيد البهاء لوطنه ، ويضع بلده في دائرة الضوء ، ويحررها من القمع والتسلط والفساد .
تحية للشرفاء الذين يدعمون انتفاضة شعبنا من أجل التغيير الديمقراطي .
19 / 3 / 2011
هيئة التحرير