تَطوّر التنافسُ على مناطق النفوذ بين الإدارة الذاتية الكردية والنظام السوري في شرق الفرات إلى توتر مباشر مع بداية العام الجديد (2021)، حيث تبادل الطرفان حصارَ مناطق تتبع للطرف الآخر، أو تخص البيئة المؤيدة له في محافظة الحسكة. ورغم توصل الطرفين، بوساطة روسية، إلى اتفاق في الثاني من فبراير الجاري لفك الحصار المتبادل عن مناطق كلٍّ منهما، إلا أن الاتفاق لا يمثل حلاً كاملاً ونهائياً للمشاكل العالقة بينهما، ما يُنذر بجولات نزاع جديدة.
تُسلط هذه الورقة الضوء على خلفيات الصراع الحاصل بين الإدارة الذاتية الكردية والنظام السوري في محافظة الحسكة، وأبعاده، ومستقبل العلاقة بينهما.
الوضع الميداني في محافظة الحسكة
تُسيطر القوات الكردية على الجزء الأكبر من محافظة الحسكة،* بما فيها أحياء ومداخل مدينة الحسكة (مركز المحافظة)، التي تقع جميعها تحت سيطرة قوات حماية الشعب الكردية والأسايش (الجهاز الأمني للإدارة الذاتية الكردية).
وفي المقابل، لا تتجاوز سيطرة قوات النظام في محافظة الحسكة 10% من مجموع مساحة المحافظة.1 وتسمى مناطق سيطرة النظام السوري في مدينتي الحسكة والقامشلي بـ”المربعات الأمنية” بسبب احتوائها على مقرات مراكز الأمن المتعددة. وتتوزع خريطة سيطرة قوات النظام على الشكل التالي:
- في مدينة الحسكة: تُسيطر قوات النظام على مركز المدينة، الذي يحوي أغلب دوائر الدولة في المحافظة، وقصر المحافظة (القصر العدلي)، والمقرات الأمنية. كما تسيطر على جبل كوكب الواقع شمال شرقي المدينة، حيث يوجد الفوج 153 قوات خاصة.2 إضافة إلى حي المساكن القريب من مركز المدينة، ويُعتبر منطقة تماس وتداخل بين سيطرة قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام والأسايش.
- في مدينة القامشلي: تسيطر قوات النظام على مركز المدينة، حيث المجمع الحكومي الذي يضم المحاكم ومديرية المنطقة والسجل المدني وباقي الدوائر الخدمية. كما تسيطر على شمال مدينة القامشلي، بالقرب من الحدود التركية، وهو مربع أمني يضم فروع أمن الدولة والأمن العسكري والأمن السياسي والمصرف التجاري؛ وعلى الجنوب الغربي للقامشلي، حيث يوجد المطار المدني الذي تحوّل إلى قاعدة عسكرية تضم فرعاً للمخابرات الجوية، وإلى الشرق منه بحوالي 200 متر توجد قاعدة روسية في منطقة الفيلات. ولجهة الشرق من المطار، وعلى بعد كيلومترين في قرية طرطب، يوجد الفوج 154 –قوات خاصة (فوج طرطب) الذي يتبع لجيش النظام. أما في حي طي، نسبة إلى قبيلة طي العربية، في جنوب المدينة، فتسيطر قوات الدفاع الوطني.
وتَميّز الصراعُ بين الطرفين بطبيعته الأمنية، حيث لم تنخرط قوات النظام في المنطقة ولا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية، في الصراع، الذي انحصر بين “الأشايس”، ذراع قسد الأمنية، وقوات الدفاع الوطني المؤلَّفة من أبناء العشائر العربية، والتي تقف خلفها أجهزة الأمن السورية والحرس الثوري الإيراني.
وعلى الصعيد العسكري، يميل ميزان القوى في محافظة الحسكة إلى مصلحة قوات “قسد”، سواء من ناحية العدد أو التسليح، وتحظى بدعم أمريكي مفتوح، وطرق إمداد للأسلحة من القواعد الأمريكية في كردستان العراق، بالإضافة لما تملكه هذه القوات من معدات وأسلحة هي حصيلة تسليح أمريكي على مدى سنوات طويلة. وفي أي صراع محتمل بين الطرفين يتوقع مشاركة القوات الأمريكية في شرق سوريا إلى جانب قوات” قسد”.
وفي المقابل، وبناءً على المعطيات الميدانية، لا يستطيع النظام الدخول بصدام عسكري واسع النطاق مع الأكراد في محافظة الحسكة؛ إذ لا يملك القوات الكافية لذلك. فالمربعات الأمنية ليس لها أهمية بالمعنى العسكري، وهي عبارة عن جُزر محاطة بالقوى الكردية، أما قواته الموجودة في معسكرات” كوكب” و”طرطب” فهي غير كافية لخوض صراع طويل، ولن يُغامر النظام في زجها بالصراع حتى لا يخسر وجوده الشكلي في المنطقة.3
ولا يضمن النظامُ تدخل القوات الروسية إلى جانبه في الصراع ضد الأكراد؛ لأن ذلك سيستدعي تدخلاً أمريكياً مقابلاً، وهو ما لن تُغامر به القوات الروسية.
أسباب وخلفيات النزاع
تكمُن الأسباب المباشرة للنزاع في ادعاء كل طرف أن الطرف الآخر يقوم بمحاصرة المناطق التابعة له. فقد قامت قوات الأشايس بمحاصرة المربعات الأمنية التابعة للنظام في مدينتي الحسكة والقامشلي، ومحاصرة حييْ “طي” و”حلكو”، ومنعت دخول الأغذية والوقود إليها. في حين قام النظام بمحاصرة حييْ “الشيخ مقصود” و”الأشرفية” في حلب حيث تقطنها غالبية كردية، بالإضافة إلى مناطق في ريف حلب الشمالي يقطنها الأكراد، مثل “تل رفعت” ومنطقة الشهباء التي تضم خمسة مخيمات أنشأتها الإدارة الذاتية لنازحي عفرين منذ بداية عام 2018.
أما الأسباب غير المباشرة للنزاع فتتجلى في الآتي:
- انعكاسٌ للصراع على مدينة عين عيسى؛ فالواضح أن الطرفين أرادا تحسين مواقفهما في التفاوض على مدينة عين عيسى في محافظة الرقة، عبر ضغط متبادل في مناطق سيطرتهما، حيث أراد نظام الأسد دفع “قسد” إلى تقديم تنازلات في عين عيسى، في حين كانت تهدف “قسد” إلى وقف الضغط عنها من قبل النظام وروسيا في عين عيسى.4
- قيام نظام الأسد باعتقال عدد من عناصر “قسد” وتحويلهم إلى دمشق بتهم جنائية، واعتقال “قسد” مؤخراً لبعض عناصر النظام الذين وصفتهم بأنهم مُكلَّفون بعمليات اغتيال من قبله، حيث تتهم “قسد” النظامَ باغتيال قادة لها في عمليات استخباراتية، وآخرهم كان حمزة تولهلدان.5
- قيام نظام الأسد بتأليب العشائر على الإدارة الذاتية الكردية، وهو ما يَعتبره الأكراد محاولةً للعبث بأمن مناطق شرق الفرات، ويتخوف الأكراد من قوات الدفاع الوطني التي ترتبط بعلاقة وثيقة بشخصيات عشائرية قريبة من النظام، ويسعى الأكراد إلى حل هذه القوات ليتسنى لها الاستفراد بالمنطقة.6
- رغبة الإدارة الذاتية في تحقيق مكاسب في حلب، من خلال الإشراف على المناطق التي يقطنها الأكراد هناك، سواء في ريف حلب الشمالي، أو في حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، والسماح لعناصرها بالعمل بشكل علني من دون ضغوط من قبل قوات النظام.7
- يُشكل النفط سبباً مهماً في النزاع الأخير، حيث يرغب النظام في الحصول على حصة من النفط الذي تسيطر عليه الإدارة الذاتية الكردية، ومنع تصديره إلى مناطق المعارضة في إدلب، التي أصبحت أحد أهم أسواق النفط الذي تُنتجه الإدارة الكردية.8
- أرادت “قسد” من الحصار إضعاف موقف روسيا في مناطق شرق الفرات، حيث تقوم روسيا بمحاولة التقرب من العشائر العربية وتحريضهم ضد الوجود الكردي في مناطقهم.9
وتعكس مواقف الطرفين أثناء المفاوضات، التي جرت بينهما بوساطة روسية، ميزانَ القوى على الأرض، حيث عكست مطالب الإدارة الذاتية الرغبةَ في تحقيق مكاسب استراتيجية بعيدة المدى على حساب سلطة نظام الأسد في مناطق شرق الفرات، في سياق ترسيخ سلطتها وتعزيز وضعية إقليم شرق الفرات، وقد شملت قائمة مطالبها: السماح لـ”قسد” بإنشاء مكتب خاص بها في مطار القامشلي، وخروج قوات النظام من الحي العسكري القريب من معبر نصيبين على الحدود مع تركيا، وفتح الطريق من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وصولاً إلى بلدة تلّ رفعت في ريف حلب الشمالي إلى حيّي الأشرفية والشيخ مقصود التابعين لـ”قسد” في مدينة حلب، ورفع القيود التي تفرضها قوات النظام على حي الشيخ مقصود الخاضع لسيطرة الوحدات الكردية داخل مدينة حلب، وعلى مدينة تل رفعت في ريفها، والكشف عن مصير نحو 700 معتقل من “حزب العمال الكردستاني” لدى النظام السوري وإطلاق سراحهم.
وفي المقابل، اقتصرت طلبات نظام الأسد على فك الحصار عن المربعات الأمنية، وإنهاء التضييق على الآليات والمارّة ممن يريدون الوصولَ إلى تلك المنطقة، ووقف التضييق المقصود على حركة عناصر جيش الأسد بين مدينتي الحسكة والقامشلي وبقية النقاط في منطقة تلّ تمر غرب الحسكة.10
ولم يطالب النظام بتفكيك الميليشيا الكردية، على الأقل في مناطق سيطرته في حلب، والتي باتت تملك سلطةً تفوق سلطته في تلك المناطق، كما لم يُطالب بتعزيز نفوذه في الحسكة، رغم وجود غالبية عربية فيها، ومطالبة عشائر “طي والجبور” بعودة سلطة النظام والتخلص من تسلّط الإدارة الذاتية الكردية، ويعكس ذلك مخاوف نظام الأسد من الاصطدام بالقوات الأمريكية، ورغبته في عدم خوض مواجهة غير مضمونة مع القوات الكردية.
وقد بدا العامل الأمريكي حاضراً بقوّة في النزاع الأخير بين الإدارة الذاتية ونظام الأسد، حيث لم تُخْفِ إدارة الرئيس جو بايدن تعاطفَها مع الأكراد والاهتمام بهم، وأكدت التعيينات التي أجراها بايدن في طاقم إدارته وجودَ أعضاء مهمين في الإدارة من مناصري الأكراد، وخاصة مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، المعروف بحماسه الشديد لتسليح الأكراد، وكذلك وزير الدفاع الجديد لويد أوستن، الذي كان قد أشرف على تأسيس “قسد”، و”زهرة هرجي بيل” التي جرى تعيينها كرئيسة لمكتب سوريا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وهؤلاء جميعهم عملوا مع الإدارة الذاتية الكردية بشكل مباشر.
وتُعوّل الإدارة الذاتية على هؤلاء لتقوية موقفها شرق الفرات، وعدم السماح لروسيا أو للنظام أو لتركيا بتحقيق مكتسبات جديدة على حسابها، لذلك فإن إقدام الإدارة الذاتية على محاصرة المربعات الأمنية لنظام الأسد في الحسكة والقامشلي، يأتي في سياق محاولة الاستفادة من المتغير الأمريكي لتغيير المعادلات في مناطق شرق سوريا وفرض واقع جديد.11
ومن جهته يحاول نظام الأسد، الذي يتوقع تغييراً أمريكياً في مقاربته للملف السوري، فرضَ واقع جديد عبر توسيع سلطاته ومحاولة تغيير التوازنات بينه وبين الأكراد في حلب ومناطق شرق سوريا. وقد كشف رامي الشاعر، الدبلوماسي “الفلسطيني السوري” القريب من الكرملين، عن وجود رهانات لدى نظام الأسد على إدارة بايدن، بعد إعلان نيتها العودة إلى العمل بالاتفاق النووي مع إيران، وتقديرات دمشق أنها ستكون مشمولة بهذه التغيرات، وخاصة بعد ورود أنباء عن احتمال قيام إدارة بايدن بمراجعة الملف السوري، واتخاذ سياسات جديدة على ضوء هذه المراجعة.12 وقد نقلت مجلة” نيوزويك” في عددها الصادر في 7 فبراير 2020 عن البعثة الدائمة للنظام السوري في الأمم المتحدة أن سوريا مستعدة للتعامل مع إدارة جو بايدن إذا تراجعت عن سياسات أسلافها في سوريا.13
سياسات إدارة الأزمة
استغلت الإدارةُ الذاتية الكردية ضعفَ نظام الأسد وتوزعه بين ملفات عديدة، لتأكيد نفوذها في مناطق شرق سوريا، وكذلك إدراكها حدود قدرة روسيا على فرض سياساتها في منطقة نفوذ أمريكية. وعملت الإدارة الذاتية الكردية على زج ملفات قديمة على طاولة التفاوض لتحصيل مكاسب بشأنها. غير أن الأكراد كانوا حريصين على مراعاة أمرين مهمين: أولهما، عدم استفزاز المكون العربي بدرجة كبيرة، لذا تم حصر المشكلة مع قوات الدفاع الوطني، والتي وإن كانت تركيبتها من العشائر العربية، إلا أنها لا تحظى بشعبية كبيرة داخلها، نظراً لسلوكها السيئ. والأمر الثاني هو عدم إيصال النزاع إلى حد إخراج النظام السوري من الحسكة، وذلك خوفاً من تعرض مناطق في محافظة حلب تقع تحت سيطرة قوات “قسد” إلى خطر، منها أحياء داخل مدينة حلب، وتل رفعت، ومدينة منبج.14
أما بالنسبة إلى نظام الأسد، فانطلاقاً من إدراكه لضعف موقفه في النزاع لجأ إلى شيوخ ووجهاء العشائر والقبائل العربية في محافظة الحسكة لحشد موقف مضاد للجانب الكردي، وحاول عبر وسائل إعلامه تجييش القبائل العربية في المنطقة الشرقية. وقام في هذا الإطار بدعوة مؤيديه في الحسكة إلى الخروج في “وقفات احتجاجية” للضغط على القوات الكردية لفكّ الحصار عن مربعاته الأمنية في مدينتي الحسكة والقامشلي. وكان هدف النظام خلط الأوراق في وجه الإدارة الذاتية الكردية وداعمتها القوات الأمريكية، عبر التلويح باقتتال أهلي على أرضية قومية.15 لكن النظام لم يتحرك عسكرياً، لخشيته من خسارة وجوده في مناطق شرق الفرات، وهذه خسارة فادحة لا يستطيع النظام تحملها في ظروفه الراهنة.
وفي المقابل اتبعت روسيا سياسة الترغيب والترهيب في إدارتها للأزمة مع الجانب الكردي، فقد طرحت نفسها كوسيط بين الطرفين يحرص على توصلهما لتفاهمات تجنبهما الاقتتال، بما ينطوي عليه ذلك من اعتراف روسيا بالأكراد كطرف شرعي.16
لكنْ في الوقت نفسه، أقدمت روسيا على إجراء ترتيبات كان الهدف منها ردع الأكراد، فقد أرسلت أكثر من 250 جندياً روسياً لتعزيز قاعدتها بالقرب من القامشلي، وسمحت لـ”حزب الله” اللبناني بإرسال 150 عنصراً عبر مطار القامشلي، تمركزوا في مقر لقوات الدفاع الوطني التابعة للنظام قرب المطار. كما قامت القوات الروسية بتدريب عناصر من الفيلق الخامس على أجهزة الكشف والرادار المستخدمة في المدفعية.17
وقد استطاعت روسيا التوصل إلى تفاهم بين الطرفين في الثاني من شهر فبراير الجاري، وفك الحصارات المتبادلة بينهما، أي فك الأكراد الحصار عن المربعات الأمنية للنظام في مدينتي الحسكة والقامشلي، مقابل أن يرفع النظام الحصار عن عدة مناطق ذات غالبية كردية في حلب وريفها الشمالي، وتحديداً الشهباء والشيخ مقصود والأشرفية.
لكنْ يتضح من خلال التصريحات التي أعقبت الاتفاق أنه اتفاق غير مضمون، حيث ألمح محافظُ الحسكة، غسان سليم، إلى أنه” لا يوجد هناك أي ضامن لهذا الاتفاق، حيث نتكلم عن ميليشيات تُنفذ ما يُملى عليها من المحتل الأمريكي”، وأكد أن الروس هم من عَقدوا الاتفاق وأنهم ليسوا طرفاً فيه، ولا يتوقعون التزام “قسد” ببنوده. 18
وقالت مصادر مقربة من الإدارة الذاتية الكردية إن الطرفين لم يحلّا بعُد الخلافات الرئيسة بينهما، واتهمت الإدارة الكردية النظامَ بعدم الموافقة على عدة مطالب، وطالبته بالاعتراف بالقوانين المعمول بها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، والتعليمات التي تُصدرها الإدارة الذاتية من نواح عسكرية وسياسية واقتصادية.19 وبدوره انتقد مظلوم عبدي، قائد قوات “قسد”، نظام الأسد لعدم قبوله أي تنازلات تساهم في زرع الثقة بين الطرفين.20
خلاصة واستنتاجات
يرتبط النزاعُ بين الإدارة الذاتية الكردية والنظام السوري في الحسكة، بمشهد الصراع الأوسع في سوريا الذي تتحكم أطراف دولية وإقليمية بمخرجاته، والنزاع هو تعبير عن حالة الاستعصاء التي تلف الوضع السوري، وعدم قدرة أطراف الصراع المحلية على تغيير دينامياته أو التأثير في المعادلات القائمة في مناطق شرق الفرات؛ فالنظام الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة يسعى إلى تحسين أوراقه التفاوضية من أجل الحصول على جزء من الثروة الموجودة في محافظة الحسكة (نفط وقمح ومياه)، في حين تُصر الإدارة الذاتية الكردية على الاستفادة من هذه الأوضاع بتحقيق مكاسب سياسية من النظام، وخاصة على صعيد الاعتراف بهياكل الإدارة الذاتية وحقها في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها على نمط إقليم كردستان العراق.
وقد ساهم تغيير الإدارة الأمريكية ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في تغيير توقعات الطرفين وتقديرهما للفرص الكامنة مع مجيء هذه الإدارة؛ فبالنسبة للإدارة الذاتية الكردية فإن أغلب الطاقم الذي عينه بايدن في مناصب مؤثرة يُعتبر صديقاً للأكراد ومتحمساً لمساعدتهم، في حين يتوقع نظام الأسد، ونتيجة لمؤشرات صادرة من واشنطن، تغييرَ إدارة بايدن لمقاربتها للملف السوري، وهو ما يمكن معه وضع النزاع بين الطرفين في سياق عملية جس نبض الإدارة الأمريكية الجديدة.
ويعكس الاتفاق “غير المكتمل” الذي توصل له الطرفان لفك الحصار المتبادل بينهما (الحسكة مقابل حلب)، انتظارهما توضّح السياسة الخارجية لإدارة بايدن وطبيعة تفاهمها مع روسيا وتركيا، إلا أنه في الوقت نفسه يُعد اتفاقاً هشاً لن يحل الخلاف بين الطرفين، ما يرجح معه احتمال تكرّر النزاع بينهما في المراحل المقبلة.
ورغم ذلك، تبدو الحرب بين الطرفين مستبعدة، سواء عبر قواتهما بشكل مباشر أو من خلال اقتتال أهلي بين المكّونين العربي والكردي؛ فليس من مصلحة الروس أو الأمريكيين الوصول إلى هذه المرحلة، كما أن وجود قواتهما في الحسكة يشكل مانعاً لأي اقتتال أهلي يضعهما في مستنقع حرب ستنعكس عليهما حتماً.
الهوامش والمصادر
* محافظة الحسكة تقع في شمال شرقي سوريا، وتَحدها من الشرق الحدود العراقية ومن الشمال الحدود التركية. ومن أهم مدن المحافظة: مدينة الحسكة مركز المحافظة، والقامشلي (التي يسميها الأكراد قامشلو)، واليعربية، والشدادي، والمالكية، ورأس العين (التي يسميها الأكراد كوباني). ومعظم سكان المحافظة من العرب، مع وجود أقلية كردية كبيرة وأقلية سريانية أصغر في القامشلي ورأس العين. وتُعتبر المحافظة المورد الرئيس للنفط في سوريا، حيث توجد فيها حقول رميلان والهول والجبسة، إضافة إلى موردي القمح والماء.
- عبد الجبار العكيدي، “النظام السوري وقسد…الفراق المحتوم”، موقع المدن الإلكتروني، 2 فبراير 2021.
- أمين العاصي، “صدام النظام السوري والمسلحين الأكراد في الحسكة: حدوده وتداعياته”، العربي الجديد، 7 يناير 2021.
- عبد الجبار العكيدي، مصدر سابق.
- هبة محمد، “بعد فشل الوساطة الروسية: «قسد» تحاصر المربعات الأمنية للنظام السوري وتزيد الضغوط عليه في الحسكة”، القدس العربي، 20 يناير 2021.
- يحيى الحاج نعسان، “اتفاق غير مكتمل”، أورينت نت، 3 فبراير 2021.
- “شيوخ 5 عشائر «كبيرة» شرق سوريا يدعون أبناءهم للانشقاق عن قسد.. كيف ومع من سيحاربون؟” أورينت نت، 8 فبراير 2021.
- مصعب الحامدي، “مؤشرات خلاف جذري بين «قسد» والنظام”، موقع عين المدينة، 22 يناير 2021.
- يحيى الحاج نعسان، “اتفاق غير مكتمل”، مصدر سابق.
- عبد الجبار العكيدي، “النظام السوري وقسد.. الفراق المحتوم”، مصدر سابق.
- “حصار الحسكة يدخل أسبوعه الثاني..هذه أبرز بنود التفاوض بين الدولة و«قسد»”، أثر برس، 23 يناير 2021.
- مصعب الحامدي، “مؤشرات خلاف جذري بين “قسد” والنظام”، مصدر سابق.
- “زافترا: هل هناك من يراهن على دور أمريكي في دمشق؟” رأي اليوم، 8 فبراير 2021 (ترجمة مقال رامي الشاعر في صحيفة زافترا الروسية).
- Tom O’Conno, “Syria Open to Talks with Biden if US Pulls Troops, Leaves Oil, Ends Militia Support,” Newsweek, 3/2/2021.
- أمين العاصي، “الحسكة السورية..هل وصلت العلاقة بين الكرد والنظام إلى طريق مسدود؟”، العربي الجديد، 24 يناير 2021.
- أمين العاصي، “النظام السوري عاجز أمام «قسد» في الحسكة”، العربي الجديد، 1 فبراير 2021.
- “أزمة الحسكة والقامشلي.. ترهيب وترغيب روسي”، موقع المدن، 2 فبراير 2020.
- هبة محمد، “سوريا: القوات الكردية تواصل حصارها لقوات النظام في الحسكة والقامشلي”، القدس العربي، 1 فبراير 2020.
- يحيى الحاج نعسان، “اتفاق غير مكتمل”، مصدر سابق.
- أمين العاصي، “نزع فتيل أزمة الحسكة…والأكراد إلى جولة حوار جديدة”، العربي الجديد، 4 فبراير 2021.
- إبراهيم حميدي، “مظلوم عبدي: ذهنية إقصائية للنظام السوري تريد العودة إلى ما قبل 2011″، جريدة الشرق الأوسط، 5 فبراير 2021.