يراهن النظام السوري وحليفتاه روسيا وإيران على إنجاح الاستحقاق الرئاسي الذي لم يعد يفصل عنه سوى أسابيع قليلة لتكريس بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة على أمل إعادة تعويمه دوليا، ويبدو التحدي الأبرز هو سبل إفشال دعوات المقاطعة التي تلقى صدى واسعا حتى داخل الحاضنة الشعبية للأسد، والتي لم تعد تخفي استياءها من استمرار تدهور الأوضاع المعيشية.
دمشق – يحمل التعاون الروسي – الإيراني المستجد في تأمين تدفق إمدادات النفط والقمح إضافة إلى مواد أساسية أخرى إلى مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد في هذا التوقيت أكثر من دلالة لجهة تزامنه مع تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا التي تقرر إجراؤها في مايو المقبل.
وتقول أوساط المعارضة السورية إن قيام سفن حربية روسية مؤخرا بحماية سفن إمداد إيرانية إلى مناطق سيطرة الحكومة، هي محاولة من موسكو منح جرعة أكسجين للأسد قبل الانتخابات، لاسيما في ظل مخاوف من نجاح دعوات المقاطعة.
ويعاني السوريون في مناطق سيطرة الحكومة من ظروف اقتصادية صعبة في ظل انهيار العملة المحلية الليرة مقابل الدولار وشح المواد الأساسية بسبب العقوبات الغربية وسوء الإدارة وتفشي مظاهر الفساد، الأمر الذي انعكس تململا وسخطا على النظام طالا حاضنته الشعبية.
وأطلق نشطاء سوريون منذ بداية العام الجاري حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحث على مقاطعة الانتخابات، ولاقت صدى واسعا بين السوريين في الداخل.
وترى الأوساط أن النظام وحليفتيه روسيا وإيران يراهنون على هذا الاستحقاق في سياق المحاولات الجارية لإعادة تعويم الأسد، وبالتالي فإن نجاح دعوات المقاطعة سيشكل ضربة قاسية لهذه الجهود وهو ما دفعهم للتحرك لاستيعاب حالة الغضب الشعبي، ومحاولة التسويق للمواطن السوري بأن الوضع الاقتصادي في الداخل يتجه نحو التحسن.
وتلفت إلى أن هذه الخطوات بدأت باتخاذ مصرف سوريا المركزي جملة من الخطوات لتقليص حجم التضخم والحد من تهاوي الليرة أمام الدولار، وهي خطوات لا تعدو كونها مجرد جرعات تسكينية.
وكشفت وسائل إعلام روسية مؤخرا عن اتفاق روسي – إيراني سوري يقضي بإنشاء غرفة عمليات مشتركة تهدف إلى تأمين تدفق مستقر لإمدادات النفط والقمح وبعض المواد الأخرى إلى الموانئ السورية.
وذكرت وكالة “سبوتنيك” أن اجتماعات مكثفة عقدت خلال الفترة الماضية ضمت ممثلين معنيين من روسيا وإيران وسوريا بهدف كسر الحصار الأميركي – الأوروبي المفروض على سوريا. ولفتت إلى أن الآلية المعتمدة تنص على مرافقة سفن حربية روسية لناقلات النفط الإيرانية القادمة إلى سوريا فور دخلوها البوابة المتوسطية لقناة السويس وحتى وصولها إٕلى المياه الإقليمية السورية.
وأدت العقوبات الغربية التي اشتدت بتفعيل قانون قيصر الأميركي إلى شل النظام السوري اقتصاديا، لكن مراقبين يرون أن الأزمة لا ترتبط فقط بتلك العقوبات بل وأيضا حالة الاستنزاف التي يعانيها النظام جراء الحرب، فضلا عن تداعيات الأزمة المالية في لبنان والتي نتج عنها حجب أموال المئات من المودعين السوريين في المصارف اللبنانية.
ونقلت الوكالة الروسية عن مصادر قولها إن توريد النفط سيستمر خلال الفترة المقبلة من خلال تجميع عدد من البواخر الإيرانية وإرسالها في اتجاه سوريا دفعة واحدة، على أن يتولى الأسطول البحري الروسي في البحر المتوسط ضمان سلامة وصولها إلى الموانئ السورية بشكل مستمر حتى نهاية العام الجاري على أقل تقدير.
وأوضحت أن الآلية الجديدة أفضت خلال الأيام القليلة الماضية إلى ضمان الوصول الآمن إلى المصبات السورية لأربع ناقلات إيرانية كانت تحمل النفط الخام بالإضافة إلى الغاز الطبيعي ورافقتها سفن حربية روسية.
وذكرت المصادر أن التنسيق الثلاثي الأخير الذي أسفر عن تفاهمات إستراتيجية من شأنه أن يؤمن معظم حاجات السوق السورية من السلع والمواد الأساسية، مؤكدة أن هذا الأمر سوف ينعكس على أرض الواقع خلال الأيام القليلة المقبلة.
ولئن لم يعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن ترشحه للانتخابات الرئاسية إلا أن مراقبين يرون أن هذه المسألة شبه محسومة، وأنه من المرجح أن يقدم على هذه الخطوة خلال الأسبوع الجاري.
وبدأت المحكمة الدستورية العليا في سوريا الإثنين تسلّم طلبات الترشّح لانتخابات رئاسة الجمهورية غداة تحديد مجلس الشعب تاريخ 26 مايو موعداً للاستحقاق.
ولقبول الطلبات رسميا يتعيّن على كل مرشح أن ينال تأييد 35 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 250، والذي يتمتع حزب البعث الحاكم بأغلبية ساحقة فيه.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” أن رئاسة مجلس الشعب تبلغت من المحكمة الدستورية العليا تقدّم شخصين بطلب ترشحهما إلى منصب رئيس الجمهورية حتى الآن.
والمرشحان غير معروفان على نطاق واسع أحدهما عضو سابق في مجلس الشعب والآخر سبق أن قدم طلب ترشح مماثل خلال الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2014.
وبحسب الدستور السوري تواصل المحكمة الدستورية العليا استقبال الطلبات لمدة عشرة أيام بدءاً من الاثنين، أي حتى 28 من الشهر الحالي. ومن شروط التقدّم للانتخابات أن يكون المرشح قد أقام في سوريا بشكل متواصل خلال الأعوام العشرة الماضية ما يغلق الباب أمام احتمال ترشح أي من المعارضين المقيمين في الخارج.
وتُجرى الانتخابات الرئاسية مرة كل سبع سنوات، وتعد الانتخابات المقبلة الثانية منذ بدء النزاع عام 2011، وبعدما استعادت القوات الحكومية بدعم عسكري روسي وإيراني مساحات واسعة من البلاد. وتبقى المناطق الأخرى تحت نفوذ أطراف محلية مدعومة من قوى خارجية ولن تشملها الانتخابات.
وقال رئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري الاثنين إن “هذه الانتخابات بالنسبة إلينا هي مسرحية تعبر بشكل أساسي عن استمرار النظام في مخططاته منذ بداية الأوضاع في سوريا”.
وأضاف أن هذه المخططات هي “بالتعويل على الحل العسكري، وتنفيذ مسرحية انتخابية ليست لديها أي قيمة من الناحية القانونية والسياسية، ولا شرعية لهذا النظام ولا لانتخاباته”.
الأسد فاز في الانتخابات الأخيرة التي جرت في يونيو 2014 بنسبة تجاوزت 88 في المئة من الأصوات ونافسه أيضا مرشحان مغموران
وأكد أن “المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية أكيدة تجاه تمادي النظام وإصراره على نسف أي جهد للوصول إلى الحل السياسي، ويضرب بالجهود الأممية عرض الحائط”.
ولفت إلى أن النظام السوري “لا يجد نفسه مضطرا لأي تغيير في مخططاته في ظل غياب الضغوط الدولية المطلوبة، وفشل الأطراف الدولية في اتخاذ مواقف جادة لدعم الحل السياسي في سوريا”.
من جهته تساءل رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبدالرحمن مصطفى “عن أي انتخابات يتحدث النظام وحلفاؤه بينما نصف الشعب مهجر في بلاد الشتات والمخيمات، والنصف الآخر يرزح تحت حكمه ويعاني الجوع والفقر؟”.
وقال مصطفى “لا يختلف اثنان على أن الهدف الواضح من هذه المهزلة هو إعادة تعويم الأسد الذي يعيش في حالة عزلة منذ 10 سنوات دون اكتراث لمعاناة الشعب”.
وفاز الأسد في الانتخابات الأخيرة التي جرت في يونيو 2014 بنسبة تجاوزت 88 في المئة من الأصوات ونافسه أيضا مرشحان مغموران.
“العرب”