تتواصل تداعيات الانسحاب الأميركي المرتقب من أفغانستان، إذ على الرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن حسم الجدل بشكل نهائي، بنيته سحب قوات بلاده من هناك بحلول الحادي عشر من أيلول القادم، وهو ما يعتبر تتويجاً لمفاوضات الدوحة التي جمعت بين واشنطن وطرفي الأزمة في أفغانستان، فإن هناك بعض الاستفسارات.
الإعلان الأميركي الصريح بالانسحاب، طرح تساؤلات كثيرة عن وجهة القوات الأميركية التي ستغادر أفغانستان، والمقدر عددها بنحو 2500 جندي، كجزء من مهمة حلف الناتو التي تضمّ 9600 جندي، أمام هذا الانسحاب المرتقب، وإعادة التموضع المحتملة، نشرت حسابات عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، صورا تظهر طائرات شحن أميركية وصلت تباعا إلى قواعد التحالف الدولي في شرقي الفرات.
واللافت فيما نشرته تلك الحسابات هو وصول طائرات الشحن العسكرية الأميركية إلى المنطقة، معلقة أنه سيتبع ذلك عمليات توسعة في مهابط الطائرات في قواعد الولايات المتحدة الأميركية في شمالي وشرقي سوريا، وتأتي التوسعة في مهابط الطائرات بالتزامن مع حركة نشطة للقوات الأميركية في شرقي الفرات لا سيما قاعدتي الشدادي ورميلان بريف الحسكة، الحسابات التابعة لقسد قالت إن التوسعة تدرج ضمن عمليات تأهيل لاستقبال القوات الأميركية التي ستغادر أفغانستان، الأمر الذي لم تفصح عنه إدارة بايدن بشكل رسمي.
زيادة الترسانة العسكرية الأميركية في شرقي الفرات
وتمتلك واشنطن مهابط للطائرات المروحية وطائرات الشحن في قواعدها شرقي الفرات، أبرزها قاعدة الشدادي العسكرية جنوبي الحسكة، والتي رصد موقع تلفزيون سوريا عدة مرات قيام التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية بعمليات توسعة منظمة، لتهيئتها لاستقبال طائرات الشحن، وطائرات الشحن تستخدمها القوات الأميركية في إرسال منظومات صاروخية كما جرى حين تم استقدام منظومة هيمارس الصاروخية إلى المنطقة.
وزادت القوات الأميركية في الأشهر الماضية من نوعية ترسانتها العسكرية في شرقي الفرات، وتمثل ذلك في وصول مدرعات برادلي المتطورة والتي تم نشرها في دير الزور والحسكة والتي تعتبر من أفضل المدرعات الأميركية، وما تلاه من منظومات صاروخية نشرت على مقربة من النفوذ الإيراني في غربي الفرات، لكن الترسانة العسكرية الأميركية في شرقي الفرات لم يتم تزويدها أو التقليل منها في عهد الرئيس جو بايدن، وإنما بقيت على حالها من ناحية النوعية والجودة.
“حفاظاً على التوازن”
الناطق باسم البنتاغون وفي الأيام الأولى لتسلّم بايدن سدة الحكم، قال إن وجود قواتهم في سوريا يأتي للحفاظ على التوازن، وهذا لا يختلف كثيرا عن نظرة الإدارة الأميركية السابقة، التي كانت ترى بوجودها العسكري في سوريا ورقة للضغط إلى الحل السياسي، وحرمان نظام بشار الأسد وحلفائه من الوصول إلى منابع الطاقة والنفط في شرقي الفرات.
وحيال هذا قال الدكتور رضوان زيادة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا: إن الإدارة الأميركية لم تصرح بشأن زيادة عدد قواتها في سوريا، وإن ما صدر عن الإدارة الأميركية هو إعادة تموضع في الدول القريبة من أفغانستان للتعامل مع أي طارئ.
علاقة إيران
وستكون وجهة القوات الأميركية التي ستغادر أفغانستان محط أنظار، إلا أن مسألة سحبها إلى سوريا قد تأخذ أبعاداً سياسية وعسكرية في ظل الوجود العسكري الروسي في المنطقة ذاتها، لكنه يبقى أقل كلفة من نشرها في الخليج، الذي قد يأخذ أبعادا أخرى من شأنها زعزعة مفاوضات فيينا التي تقترب شيئاً فشيئاً من الوصول إلى تفاهم بشأن برنامج إيران النووي، إذ عملت واشنطن على إرسال رسائل لإيران من بوابة الخليج، وهي رسائل طمأنة وتعزيز للثقة، والتي تمثلت بسحب منظومات باتريوت من عدد من الدول الخليجية، وهذا يعني أن واشنطن لا ترغب بوضع أي عائق أمام الدبلوماسية التي تنشدها إزاء طهران.
الولايات المتحدة لم تترك أفغانستان ولكن تركت الحرب فيها
بينما اعتبر “صبغة الله صابر” مراسل صحيفة العربي الجديد في أفغانستان في تصريح خاص لموقع تلفزيون سوريا، أن احتمالية سحب جزء من القوات الأميركية من أفغانستان إلى سوريا ممكن جدا، لكون الإدارة الأميركية ليست مهتمة بملف أفغانستان، معتبراً أن واشنطن تركت حرب أفغانستان لكنها لن تترك أفغانستان، وإنما أنهت الحرب فيها، ورجح صابر أن يكون الانسحاب الأميركي بشكل كبير في دول الجوار، للتعامل مع أي طارئ قد يحدث فيها.
وأشار صابر إلى أن التقارير الأميركية ما زالت تؤكد وجود علاقة بين طالبان وتنظيم القاعدة، وأن هذا الخطر إن تجاهلته واشنطن سيعيد أفغانستان إلى عام 2001، وبالتالي سيعود مصدر خطر على الولايات المتحدة الأميركية، موضحاً أنه لا يمكن التخمين بمستقبل أفغانستان في الفترة التي ستلي الانسحاب الأميركي.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) قد قالت إن وزارة الدفاع الأميركية تدرس نشر قوة في طاجيكستان أو كازاخستان أو أوزبكستان منعا لإحداث فراغ في المنطقة، وللتعامل مع أي طارئ في أفغانستان عقب انسحاب القوات الأميركية من هناك.
واعتبر الدكتور زيادة في معرض تصريحه أن الانسحابات قد تكون إلى داخل أميركا أو في دول أوروبية كألمانيا، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة إن فكرت في نشر القوات المنسحبة في دول الخليج فهذا لا يقلق إيران وإنما إن أقدمت واشنطن على تدريبات في الخليج فإن ذاك ما تعتبره طهران رسالة عسكرية لها.
من جانبه بيّن سعد الشارع الباحث في مركز الشرق للدراسات في تصريح خاص لتلفزيون سوريا، أن قيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط ليس لها علاقة بملف أفغانستان، وأن استراتيجيات العمل في أفغانستان مغايرة لتلك التي تتم في سوريا، واستبعد الشارع أن يكون أي زيادة قوات في سوريا من خلفه رسائل للقوى الإقليمية، وإنما يدرج في سياق محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة.
وتنشر الولايات المتحدة الأميركية قوات عسكرية لها في منطقتين رئيسيتين من سوريا، هما شرقي الفرات والتنف، ويرجح عدد القوات الأميركية في تلك المنطقتين بنحو 900 جندي، ولم تنخرط تلك القوات في أيّة مواجهات مفتوحة مع القوى الإقليمية الموجودة في سوريا، وإنما اقتصرت على احتكاك عسكري لم يخلف أيّة توترات كبيرة.
وقال الشارع في تصريحه، إن الاستراتيجية الأميركية الجديدة لم تعد تولي أهمية للمشاكل الجزئية، وسوريا تعتبر ملفا جزئيا في السياسة الأميركية، موضحاً أن واشنطن تعتبر سوريا مشكلة روسية، وعلى موسكو حل تلك المشكلة بما يتناسب والقرارات الدولية، واستبعد الشارع أن يكون أيُّ تحرك أميركي في سوريا رسالة لإيران أو روسيا، لكون العدو مختلفا تماما بين سوريا وأفغانستان، مشيراً إلى أن عمليات التوسعة لا تخرج عن نطاق مواجهة الإرهاب في سوريا.
ووفق تتبع حركة القوات الأميركية في سوريا، فإنها تعتمد على المعابر الحدودية بين العراق وشرقي الفرات في إدخال القوات أو العتاد العسكري إلى تلك المنطقة، وتقتصر الحركة الأميركية على الأرتال وعمليات التبديل بسحب قوات إلى إقليم كردستان العراق، أو إرسال قوات لتعزيز القواعد في شرقي الفرات، بينما بالنظر إلى التحرك الأميركي في قاعدة التنف فهو على حاله نسبياً ولم تسجل أيّة تغييرات في الترسانة أو القوة البشرية
“تلفزيون سوريا”