في مساحة تقل عن ثلث سورية يسيطر عليها نظام الأسد بعد أن تسبّب تشبّث رأسه بالسلطة في وقوعها رهينة عدة احتلالات، يزمع بشار الأسد إجراء انتخابات رئاسية مستغلًا تخاذل المجتمع الدولي في محاسبته وأركان نظامه من جهة ودعم حليفيه الأساسيين الروسي والإيراني من جهة أخرى.
يمكن للمراقب أن يلفت نظره طول نفس بشار الأسد في مواجهة معارضيه، ويمكن له أن ينظر بدهشة إلى استعداد هذا الرجل لخلع سرواله والبقاء عاريًا بطلب من الجهات التي تحمي نظامه، وإصرار مؤيديه على القول إنه يرتدي حللًا جميلة مذكرًا بقصة الطفل الذي كان يشهد مرور موكب الملك العاري الذي فرض على الناس التغزل بأناقة ثيابه، فقال ببراءة الطفل: ولكن الملك عارٍ.
وبعيدًا عن الهزل السياسي الذي تمثله هذه الانتخابات المزمع عقدها، فإنها بالنسبة إليه وسيلته الوحيدة لتكريس شرعيته الزائفة من أجل البقاء، هذا البقاء الذي يمثل حبل النجاة الأخير بعد أن ارتكب جرائمه المتعددة، والتي تجعل فكرة الرحيل عن السلطة كابوسًا يقضّ مضجعه لأنه سيفقده آخرحصن يحميه من مساءلة أكيدة.
وهي بالنسبة إلى حليفيه الروسي والإيراني الوسيلة الوحيدة للحفاظ على مكتسبات حصلا عليها بدعمهم للنظام في ظل عجزهما وعدم رغبتهما في تقديم أي مساهمة في أي حلّسياسيّ جديّ.
فعلى الرغم من أن العالم كله ينظر بعين السخط إلى هذه الانتخابات التي تأتي في ظل الدستور الحالي، وليس في ظل دستور جديد عجزت ما تسمى بـ اللجنة الدستورية“ عن الوصول إليه؛ لأنها أثبتت أنها كانت ساحة لتقطيع الوقت من طرف النظام ومكانًا رحبًا للبقاء في الصورة من طرف معارضيه، على الرغم من هذه النظرة غير الراضية، فإنالنظام وحلفاءه لا يلقون بالًا لموقف المجتمع الدولي ويستمرون في محاولات كسب الوقت للفوز بولاية رئاسية جديدة يمكن بعدها لهم أن يقولوا للعالم كما عبر أحد المسؤولين الأمميين: لقد انتهت لعبة الانتخابات هاتوا شيكاتكم وافتحوا خزائنكم لإعادة بناء ما دمّرناه.
لم يكن ممكنًا لإيران أن تتمدد في المنطقة لو تمكّن الثوار السوريون من دحر نظام الاستبداد والاستبدال به نظامًا ديموقراطيًا، كما لم يكن ممكنًا لإسرائيل أن تصعّد كما نشهد اليوم في القدس وفي غزة لو تمكنت ثورة السوريين من قطف ثمارها التي منع قطافها الدانية انتهازية المجتمع الدولي وارتهان المعارضة السورية.
يصعّد الإسرائيليون ضد المدنيين في فجور لا نظير له بذرائع تقدمها لهم صنيعة إيران حماس، فتكون إيران هي المستفيدة الوحيدة مما يجري بتكريس أكذوبة قيادتها لمحور الممانعة الذي لم يحقق إلا مزيدًا من التشرذم في المنطقة وتمكين الملالي من التقدم في تحقيق مشروعهم الامبراطوري.
ويذهب بشار الأسد بعيدًا في استهتاره وغيّه، فتكون إيران أحد أكبر المستفيدين من غيّه واستهتاره، فهي في ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تستثمر جبن الدول العربية التي باعت القضية الفلسطينية وتزاود عليها بشعار الممانعة عبر تابعتها حماس، وفي ساحة الصراع السورية تستثمر في تابعها الأسد لكي تكرّس واقعها الاحتلالي في سورية.
إن المشهد اليوم لم يعد ضبابيًا وبات تبيّن ملامحه الرئيسة ممكنًا بقدر قليل من التأمل، فانتهازية المجتمع الدولي وارتهان المعارضة السورية وفشلها بسبب هذا الارتهان في إيجاد بديل، ومصالح الروسي والإيراني كلها متغيرات تدفع بسورية أكثر نحو المجهول، ورفع أنظمة عربية برقع الحياء ببيعها الصريح لقضية فلسطين، واستغلال إيران لهذا الموقف القبيح في تصعيد لا يأتي إلا بالوبال على أبرياء في فلسطين، وبتشتيت للأنظار عن بوادر انتفاضة فلسطينية جديدة ضد التجبر الإسرائيلي تضييع لفرصة انطلاق انتفاضة حقيقية جديدة في فلسطين.
إن ما ينبغي التنبه إليه الآن ليس عري الملك الذي أشرنا إليه في البداية، وإنما أن الثائرين من أجل الحرية في كل من سورية وفلسطين يتعرضون لمؤامرة كبرى يساهم فيها مجتمع دولي لم يرفّ له جفن بعد كل المآسي التي شاهدها في سورية وفلسطين، وأنظمة عربية تقلقها كلمة الحرية، ونظام ثيوقراطي في إيران يتاجر بشعار المقاومة لتحقيق أحلام امبراطورية، ونظام مافيات روسي يريد استعادة مجد ضائع بغض النظر عن الوسيلة، وعدو وجودي صهيوني لا يرى في محيطه ولا خلف هذا المحيط من يكبحه، وليس الملك العاري إلا أداة رخيصة لدى بعض هؤلاء.
فك الارتهان هو الخطوة الأولى الواجب اتخاذها بعد هذا التنبه، وإعادة تجميع القوى ببنية علاقات جديدة تفكك كل الخيوط المهترئة السابقة مع من تاجروا بمعركة الحرية في سورية وفلسطين، وتجدل خيوطًا متينة مع الأحرار في العالم بخطاب جديد وبممارسة سياسية جديدة صقلتها سنوات المأساة بكل ما اختلط بها من دم ودموع.