هناك تحالف مبطن غير معلن، يجري مجرى التخاطر بين عقلين ورغبتين لا يعلم أحدهما عن الآخر شيئاً. وربما لم يسمع أحدهما بذلك الآخر؛ وذلك بين قوى أمر واقع ثلاث، هي من يمسك بالمشهد ويتصدره، ويتحرك تحرك الفاعل المؤثر فيه، ويقاتل بكل ما ملك من أسلحة، لكي يستمر هذا الواقع إلى الأبد. هذه القوى الثلاث هي:
ـ الأسدية ونظامها الطغياني المجرم.
ـ ثم التخلف التاريخي المستنقِع، الذي تفوح منه دوماً رائحة العطن والغباء والعفونة والجهالة المتجذرة.
ـ ثم أخيراً الطرف الانتهازي المتاجر بين الطرفين السالفين، والمستفيد من بقاء كليهما. والمتصدر المشهد، والمقتات على ديمومتهما، والذي ربط، وهو محق، مصيره بمصيرهما؛ بقاءً أو زوالاً.
واقع الحال ينطق بلا لبس، أن هذا الثالوث، هو واحدٌ متماهٍ في ثلاثة. حياة أحدهم يضمنها حياة الاثنين الآخرَين. وبدون أي ضلع من هذا المثلث (الثالوث)، لا مثلث ولا بقاء ولا استمرار ولا سيرورة..
هذا الثالوث الواحدي الحركة والمنزع والمصلحة، والمرتبط ببعضه ترابطاً حلولياً، هو النظام. ودون تفكيكه وإفراد تفاصيله عن بعضها، واستئصال كل قدرة له على مساندة بعضه، وقدرته على تعويض خليته الحية بنسغ من خلايا بعضه الآخر؛ دون الإجهاز عليه بالكلية، لا ثورة ولا تقدم ولا مستقبل.. بل إن الحديث عن أية ثورة يغدو ضرباً من النكتة المحزنة، وثرثرة متكلفة خالية من المضمون والمعنى. فالثورة حين تعلك عطب واقعها، ثمّ تعيد إنتاجه، بأسوأ مما كان عليه هذا الواقع، إنما هي ثورات مضادة، وحركات ردة، ومجرد ارتدادات عشوائية لها دوافع حيوانية غرائزية الطبيعة، وليست قياماً واعياً مدركاً، ولا انبعاثاً روحياً يستبق المستقبل، تصوراً وتصحيحاً.
هذا هو جوهر ومعنى الشعار: الشعب يريد إسقاط النظام.
فليس بزوال الأسد ودولة الأسد وحدها ينتصر السوريون؛ وهي قد سقطت اعتبارياً وواقعاً فعلياً، وإن تكن لما تزلْ مثل حشوة باهتة قائمة في الواقع، بلا دولة حقيقية. دولة قابلة للتعريف، وموجودة كمؤسسة سلطة في أذهاننا، وليس دولة أمر واقع بلا سلطة أو كيان سلطة، وإن يكن ما يزال لها أدواتها المشهرة في واقع الحال.
ويبذل طرفا هذا التحالف غير المقدس، كل ما يستطاع بذله، لإقناع الجميع بأن الأمر ليس كذلك.. بل إن الثورة، هدفاً وشعاراً وجوهراً ومضموناً، لا تتعدى منازلة الأسدية بكل الطرق السياسية أو التحالفات مع قوى الخارج الكثيرة المختلفة، أو وسائل الحرب المتبعة، من أجل إسقاط الأسد، وحشوة تافهة وساقطة تاريخياً، من بضعة عشرات محيطين به. فإذا نجحنا في ذلك، فثمّ انتصرت الثورة وحققت مرادها، وكل تفصيل آخر بعد الأسدية هو من اللمم المقدور عليها، ومن تافه التفاصيل التي لا ينبغي أن يُتوقف عندها طويلاً.
بعد بضعة أيام، سيدعو نظام الأسد جمهوره، في مناطق سيطرته، أو حيثما طالت أظافره التي ماتزال تملك بقية من القدرة على إجبار الناس على الذهاب لما يدعى صناديق الاقتراع. ولسوف يصوتون بنعم كبيرة وطاغية في رابع استحقاق انتخابي لصالح بشار الأسد، الذي “صحح دستور أبيه”، عام 2012 بفقرة أكدت بوضوح، أنه يحق لرئيس الجمهورية، أي رئيس جمهورية كان، أن يرشح نفسه للانتخابات لهذا المنصب مدتين فقط، ولفترتين انتخابيتين، لا يحق له أن يتجاوزهما. مثل كل الدساتير الحديثة والمحترمة في معظم دول العالم، ودوله التي تحترم نفسها، وتحترم شعبها. وتحقق تعريفاً ومصطلحاً ما يعنيه مصطلح تداول السلطة.
وبعد أيام فقط باتت تفصلنا، عما يمكن أن نستنتجه ـ دون عقل تنبؤي خارق لطبيعة الأمور ـ من انتخابات سوف تعلن فوز بشار الأسد بولاية رئاسية رابعة. وهو خبرٌ لن يفاجئ أحداً على أية حال، مثلما أنه لن يفرح له أحد. لا داخل سوريا ولا خارجها. ولا من أعداء النظام ولا من مؤيديه وداعميه. فالجميع بات على وعي مسبق، أن استمرار الأسد، لم يعد يعني فيما يعني استمرار النظام، بقدر ما يعني حرفياً، تدوير المأساة السورية، سنة وراء سنة. والإمعان في استنقاعها وتعفن أوضاعها، والذهاب في المستقبل إلى أقصى متصور ممكن لرثاثة الحالة السورية؛ سياسياً وعسكرياً، واجتماعياً واقتصادياً. وبالمجمل رثاثة كل الحالة الإنسانية غير المسبوقة، من كافة النواحي، وعلى جميع الأصعدة.
كاتب سوري
اخشى ان ” التصدي لهكذا مثلث” يحتاج الى معجزة من جيل ثالث على الاقل