اليوم يفعلها.. وقد صمّمها “سيركاً” “لدولة” تحت الاحتلال، ليس استهتاراً بإرادة المجتمع الدولي وقطع الطريق على قراراته، وإنهاءً للحلّ السياسي، وإجباراً للعالم –كما يتوهّم– على التعامل معه دون غيره وحسب، على الرغم من إعلانه لا شرعيّة الانتخابات الأسدية ولا جدواها، بل إنها تحدٍّ لإرادة السوريين، وتسخيفلتضحياتهم واستهزاء بمعاناتهم، واستفزاز لمشاعرهم، واستخفاف بمطالبهم في الحرية والكرامة، وتشفٍّ بالحال التي وصلوا إليها.
ولتثبت الأسدية أنها عصابة تتشبّه بدولة، و“مافيا“تفصّل قوانين “الدولة”على مقاسها في كل وقت وحين، كمالك له مطلق الحرية في القول الفصل بما ملكت يمينه! وعلى الرغم من إعلان العالم بدوله الكبرى والفاعلة وهيئة أممه المتحدة لا شرعية وبطلان ما تقوم به، فهي تقيم هذا “العرس الوطني الديمقراطي” مدّعية تنفيذ “استحقاق دستوري” –لأنها “دولة القانون”– “سيركاً“ للتهريج والفرجة في بلاد مدمّرة، يقطنها أشباه بشر، صمّ بُكم عُمييفقهون، ولكنهم رهائن مقيّدون لعصابة متوحّشة، أوغلت بدماء السوريين عقداً كاملاً -بشهادة العالم كله- دون حساب.
السيرك الانتخابي الجاري والمهيَّأ ليكون فاقئاً لعيون كبار العالم قبل صغاره، بما فيه من مفاجآت تثير السخرية، ولكنها تستثير الدمع، أحياناً، لما صار إليه الوطن في عهدة دولة العصابة، يعرف العالم كله أنهانتخابات صورية، والسوريون على اختلاف مواقفهم من العصابة الأسدية، مؤيّداً أو معارضاً، على يقين من شكليّتها، بل على يقين أن احتمال أن يترك الأسد السلطة – بعد انتهاء هذه الولاية التي يُقام السيرك لأجلها- مستحيل، فليس أسهل من تعديل دستوره2012 ليبقى فيها.. وليس بعيداً أن يُعدّله ليورّث حافظ الثاني. إنه الولِع بملكيّة حازها بالوراثة، ولا يرى نفسه إلا بها، على الرغم من تحويلها إقطاعات لدول استنجد بها ليبقى، فصار عبداً مأموراً ينفّذ ما يُطلب منه، أو يُملى عليه من المحتلّين.
خلال عقد من الثورة على طغيانه، حوّل النظام المافيوي الديكتاتوري سورية إلى ساحة
للصراعات وتصفية الحسابات والمقايضات والابتزازات الإقليمية والدولية، ناهيك عن الصراعات الداخلية التي يشعل نارها كلما حتّمت مصلحة بقائه وقوته ذلك، حتى صارت سورية مرتعاً لخمسة جيوش، وأربع حكومات، لكل منها أهدافه ومصالحه، وحظيرة لمئات الميليشيات متعددة الجنسيات، وكل منها مخلب لدولة تريد تحقيق إستراتيجياتها.
في هذه الدولة المحتلة مباشرة أو بالنيابة، تسوّق العصابة سيركها المبتذل بأخسّ وسائل الترويج وأكثرها انحطاطاً أخلاقياً وسياسياً وقانونياً؛ فالمرشّح المنافس لا دور له إلا تعظيم “انتصار” رأس العصابة، والإيهام بأن الشعب حرّ في الاختيار، وبتصويته تحقيق للمعجزات، في الوقت الذي يمنع ذكر اسم مرشح غير رأس العصابة، وما يجب أن يذكره المنافس مستوحىً مما جادت به ألمعية “سيئ الوطن”، فقد أريد للمنافسين “الأراكوز“، أن يكونوا نسخة ناقصة عن الأصل، فهو الأكثر كذباً والأحطّ مكانة،والأحقر تزويراً، بل إن أحدهما يقول إن النتيجة لا تهمّه، وحسبه أنه مرشّح ” مع المشرشح“! وهو المتّهم باقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واستخدام السلاح الكيماوي، والمدمّر لنصف بنيان المجتمع، والقاتل لمليون سوري، والمشرّد لأكثر من نصف الشعب بين لاجئ ونازح والمغيّب قسرياً والمعتقل لمئات الألوف.
في هذا “السيرك“ الذي يمتدّ على قطعة الأرض التي تحتلّها العصابة وداعميها، الجميع مجبر على ممارسة الفرح لانتخاب “سيّئ الوطن” الفائز مسبقاً، دون انتخاب، وهم يعانون ويقاسون كل أنواع الشدّة والضنك، صحياً ومادياً ونفسياً، والمؤسسات الكرتونية قبل الأفراد مطالبة بالتحشيد للمشاركة والتزيين وإقامة المهرجانات الفلكلورية.إنها مناسبة للمزيد من السرقة والفساد والسطوة الأمنيةالتي لا تسمح إلا بنطق اسم “السيئ” القاتل، وتعليق صوره وأقواله وشعار حملته وحسب. وفيه – السيرك–تسخّر العصابة مليشياتها لإجبار السوريين على المشاركة في المهزلة بالتهديد والوعيد، وكذلك دفع تكاليف إظهار “التفاعل الشعبي“ و”عمق الانتماء إلى الوطن والتمسك بالقرار الوطني المستقل” – بدءاً من ثمن الصور واللافتات إلى أجور خِيَم الاحتفالات والأفراح– بعد عشر سنوات من الإجرام والارتهان للاحتلالات، واستجرارواستئجار المليشيات الطائفية المتنوّعة والمتعددة الجنسيات.
إن الإصرار على عقد مهزلة “الانتخابات” الشكلانيةالسيركية في المناطق الخاضعة له اسمياً أو فعلياً، دليل على انتهاج طريق اللارجعة في تقسيم غير معلن للبلاد، وإبقاء على مناطق النفوذ لمختلف القوى المتصارعة، مما يفسح له المجال للرقص على حبال تناقضاتها، لتتمسك ببقائه لبقائها واستمرارها في لعبة السياسة الدولية، كما يمكنه التملّص من “قانون قيصر”، واستحقاقات تنفيذ قراري مجلس الأمن 2118-2254، وربما طيّهما بالتقادم وتجاوز الواقع لهما، وهنا سيكون ما قبل الانتخابات ليس كما بعدها.
بعد “السيرك” سيعمل “المحتلون” حلفاء وداعمو النظامعلى تغيير قواعد اللعبة في سورية، عبر المزيد من المغريات وأنصاف الحلول أو أرباعها، تكون إسرائيل أكبر الرابحين، وللباقين جوائز ترضية مجزية لأتعابهم.
أمام هذا المشهد الناتج عن “سيرك“ مبتذل لعصابة تلبس رداء دولة، علينا-السوريين- مواجهة واقع جديد بكل ما فيه، تلزمه أدوات جديدة فاعلة، تقوم على وحدة الرؤية والهدف، وشفافية وصدقية الخطاب، واستقلالية القرار وعدم الارتهان، والتمسك بثوابت القضية الوطنية، وعدم التفريط بالقرارات الدولية التي ما عاد لنا غيرها من حليفيشدّ أزرنا لقيام سورية الحرّة المدنية التعددية الديمقراطية.