أمام خيمتها التي تتوسط القطاع الرابع داخل مخيم الهول في شمال شرقي محافظة الحسكة السورية، تجلس أم المعتصم العراقية ممسكة بهاتفها النقال، بصوت خافت ترسل مقاطع صوتية عبر “واتسآب” إلى أخيها أحمد الموجود في مدينة الموصل، ضمن مساعيها لترتيب عملية هروبها من المخيم مع طفليها المعتصم وحمزة.
أم المعتصم تعيش في الهول منذ سقوط مخيم الباغوز في محافظة ديرالزور، آذار/ مارس 2019، حالها حال أفراد عائلات مقاتلي تنظيم “داعش”، الذين استسلموا لـ”قوات سوريا الديموقراطية” في تلك الفترة، بينما زوجها تونسي الجنسية، والذي كان قاضياً شرعياً لدى “داعش”، ما زال معتقلاً في سجن الحسكة بانتظار محاكمته أو قبول السلطات التونسية تَسلم عناصر التنظيم الحاملين جنسيتها.
الاتفاق، يقتضي بخروج أم المعتصم مع طفليها داخل سيارة نقل القمامة في فترة العمل المسائي لعمال النظافة، بتسهيل من عناصر حماية البوابة الرئيسية للمخيم مقابل 5 آلاف دولار أميركي، وبعد الخروج يستلمهم مُهرب وينقلهم إلى ريف دير الزور الخاضع لسيطرة “قوات سوريا الديموقراطية”، ومنه إلى مناطق النظام السوري في مدينة البوكمال، ومن هناك إلى الأراضي العراقية وتحديداً مدينة الموصل، حيث ينتظرها أخوها أحمد وبقية أفراد عائلتها.
دويلة الهول البائسة
بعد انتهاء معركة الباغوز وسيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” على آخر معاقل التنظيم في شرق سوريا، تم نقل الرجال من مقاتلي التنظيم إلى السجون، فيما نقلت النساء والأطفال إلى مخيمات أشبه بالمعتقلات أبرزها مخيما “الهول” و”روج” و”العريش” في محافظة الحسكة، أما الأطفال السوريون الذين تجاوزت أعمارهم 12 سنة، تم نقلهم إلى سجن الأحداث في بلدة “تل معروف” التابعة لمدينة القامشلي.
ويقدر عدد القاطنين في مخيم الهول بحوالى 60 ألف شخص، بينهم قرابة 40 ألف طفل من 60 جنسية، وبحسب البيانات الصادرة من الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها، فإن المخيم يضم حوالى 11 ألف رجل من عناصر “داعش”، بينهم 2000 من الأجانب والبقية من السوريين والعراقيين، لكن تقديرات تقول إن العدد الفعلي لعناصر التنظيم داخل المخيم أقل من ذلك بكثير ولا يتجاوز المئات.
ويقسم المخيم إلى قطاعات. تعيش العائلات العراقية في كل من القطاع الأول والثاني والثالث والسابع، بينما تتوزع العائلات السورية على القطاع الخامس والسادس والثامن، بينما تجمع إدارة المخيم المهاجرات الأجنبيات وأطفالهن في قطاع خاص، ويخضع المخيم لحماية أمنية مشددة من قوات الأمن الداخلي “الأسايش”، وتمنع عمليات الخروج من المخيم إلا بإذن خطي وبرفقة عناصر منها.
يعيش قاطنو مخيم الهول حالة من البؤس نتيجة افتقاره لأدنى مقومات الحياة الإنسانية، بسبب إهمال طبي شديد، إضافة إلى كثافة السكان، وانتشار الأمراض التي تؤدي إلى وفاة بعض القاطنين فيه بخاصة من الأطفال. ففي عامي 2019 و2020 توفي أكثر من 1000 شخص داخل المخيم، غالبيتهم من الأطفال لأسباب مختلفة منها نقص التغذية والرعاية الصحية لحديثي الولادة، إضافة إلى الوفاة خلال فصل الشتاء جراء البرد وعدم توفر وسائل التدفئة، بحسب تقارير صادرة عن International Rescue Committee.
ويعاني المخيم وقاطنوه بحكم موقعه في بادية الهول التي تُعتبر منطقة شبه صحراوية، من مشكلات تلف الخيام نتيجة الأحوال الجوية الممطرة والباردة شتاءً والمغبرة والحارة صيفاً، وعدم توفر البديل لها، إضافة إلى الفيضانات المتكررة في شبكة الصرف الصحي.
بالتوازي مع الإهمال الطبي وسوء الوضع الخدمي داخل المخيم، فلا تخلو يوميات السكان من انتهاكات قوات الأمن “الأسايش” المشرفة على المخيم، أبرزها إطلاق النار على الناس أثناء محاولاتهم الاحتجاج على الواقع المأساوي للمخيم.
أحمد (44 سنة) وهو مدني من محافظة دير الزور يعيش في مخيم الهول منذ أكثر من ثلاث سنوات، يقول لـ”درج”: “فقدت ولدي حسن (25 سنة) مع أربعة مدنيين آخرين بينهم طفلان، بإطلاق نار من عناصر قوات “الأسايش” أثناء تفريقهم تظاهرة خرجت للاحتجاج على تردي الوضع الصحي والمعيشي داخل المخيم في آذار 2019″.
ويعاني قاطنو المخيم من الاعتقالات المتكررة، بتهم تتعلق بممارسة نشاطات معادية للإدارة الذاتية، وأخرى تتعلق بالتواصل والتنسيق مع خلايا تنظيم “داعش”، وتعاني النساء داخله من التحرش من عناصر حماية المخيم ومحاولة استغلالهن جنسياً، إضافة إلى استغلال الأطفال بهدف الإدلاء بمعلومات عن ذويهم ومعارفهم.
في تموز/ يوليو 2020، شهد مخيم الهول صدامات وعمليات احتجاج، على خلفية تحرش عناصر من “الأسايش” بامرأة من محافظة دير الزور. عمليات الصدام بين سكان المخيم وقوات الأمن انتهت بمقتل امرأة وإصابة اثنتين أخريين واعتقال 22 امرأة ممن شاركن في عمليات الاحتجاج.
يشهد المخيم عمليات اغتيال شبه يومية لرجال ونساء وحتى عناصر من الحماية، وتتهم الإدارة الذاتية خلايا من قاطني المخيم بالوقوف وراء تلك العمليات، فمنذ مطلع عام 2021 قتل أكثر من 60 شخصاً داخل المخيم، وفق تقرير صادر عن “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
“Daraj”