أحببنا أم كرهنا، سيتم تكريس إيران ، كما توحي أنباء مفاوضات فيينا، قوة نووية. انسحب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عام2017، من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5 + 1، واعتبره أسوأ صفقة عقدتها الولايات المتحدة في تاريخها. ووفق مفهوم كهذا، كانمؤملا أن تسعى الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطواتٍ واجراءاتٍ من شأنها أن تجرّد إيران من قدراتها النووية غير السلمية. والمقصود تحديداًنزع قدرات التخصيب والحصول على تصور كامل بشأن قدرات إيران على تصنيع باقي مكونات السلاح النووي، أو ما يُعرف في أدبياتالانتشار النووي بجسم القنبلة النووية أو جهاز التفجير النووي، ولا يقل هذا الميدان أهمية عن موضوع التخصيب.
كانت حصيلة سياسة ترامب، والتي عرفت بسياسة الضغط القصوى، إطلاق يد إيران في مجال التخصيب الذي وصل إلى نسبة 60%،إضافة إلى الشروع في عمليات تعدين المنتج المخصّب، وهي خطواتٌ جوهرية في الطريق إلى امتلاك القلب المتفجر لسلاح ذرّي. هذهالقدرات لا تمتلكها سوى الدول النووية الكبرى، وهي عملياتٌ لاعلاقة لها، من قريب أو بعيد، بأي برنامج نووي سلمي. كما اكتشفت الوكالةأن إيران قد أجرت تجارب على مكونات جهاز التفجير النووي في أربعة مواقع لم تكن معروفة أو معلنة من قبل، وأن النشاط في هذه المواقعجرى بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
وفق الأنباء التي ترد عن مفاوضات فيينا الحالية، هدف مجموعة 5 + 1 هو العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل انسحاب ترامب من الاتفاقالنووي، ووفق مبدأ “الامتثال مقابل الامتثال“، أي عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق القديم، وإلغاء معظم العقوبات التي فرضتها إدارةترامب، مقابل تخفيض إيران مستويات التخصيب وإيقاف النشاط النووي في منشآتٍ أخرجت من العمل وفق الاتفاق القديم، مثل منشأة“أراك“، وإيقاف أجهزة الطرد المركزي عن العمل، باستثناء عدد محدود من الطراز الأول، وعدد أقل من أجهزة الجيل الجديد، إضافة إلىتجريد إيران من كميات اليورانيوم المخصّب، باستثناء ما سمح لها الاحتفاظ به سابقاً من درجة تخصيب 3,7%، وما راكمته من الماء الثقيل.
ولكن جميع المعطيات القائمة تؤكد استحالة تحقيق هذا الهدف. .. لقد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أخيرا، إنها لا تستطيع تحديدالكميات التي تمتلكها إيران من اليورانيوم المخصب. وتذهب تقديراتها إلى أن إيران تمتلك حالياً ( + أو – 16 ضعف ما هو مسموح لها به)،وهذا الزائد أو الناقص هو ما يمثل، بالتحديد، نافذة الهروب التي تستطيع إيران من خلالها إخفاء كميات مراكمة من اليورانيوم من درجاتتخصيب متنوعة. وتتيح هذه الكميات لها اختصار الزمن اللازم لتجاوز العتبة النووية التي يُفترض أن الاتفاق النووي لعام 2015 قد حدّدهابسنة واحدة. لقد كانت هذه استراتيجية نمطية استخدمتها إيران خلال كل تاريخها النووي، ومكّنتها من حيازة كميات مضافة من اليورانيوم،لا يعرف كمياتها غير الإيرانيين.
أعلنت الوكالة الدولية أيضاً أن هنالك منشآت نووية لم تكشف عنها إيران سابقاً، وهذه المنشآت هي أربعة مواقع لإجراء التجارب على أجهزةتفجير نووي، هذا النوع من النشاط لا يستخدم مواد نووية. وبالتالي، يصعب كشفه إلا من خلال معلومات استخبارية، والهدف منه اختبار مايعرف في أدبيات الانتشار النووي بجسم القنبلة الذرية. والمشكلة هنا لا تتعلق بوجود منشآت مخصصة لهذا الغرض، يدمّرها مفتشو الوكالةبعد اكتشافها. ولكن المشكلة تكمن في الخبرات، والمعرفة التي راكمها الإيرانيون خلال فترات العمل في هذه المنشآت. كان هنالك قدر كبيرمن التساهل من مجموعة 5 + 1، فيما يتعلق بموضوعٍ مماثل يتعلق بمنشأة لإجراء تجارب جهاز التفجير النووي في موقع پارتشين، حيث تمإغلاق الملف، على الرغم من أن إيران، وفق تقارير الوكالة الدولية، لم تقدّم إجابات عن كل الأسئلة التي وجهها خبراء الوكالة إلى الجهاتالايرانية المعنية .
ما يرد من أخبار عن مفاوضات فيينا في الملف النووي لا يدعو إلى الاطمئنان. ويبدو أن قبول إيران قوة نوو ” كامنة” أصبح أمراً مسلماً بهمن القوى الكبرى، وخصوصا القوى الأوروپية والولايات المتحدة، ناهيك عن الصين وروسيا. وبالتالي، على العرب أن يهيئوا أنفسهم ليصحوايوماً، وهم بين قوتين نوويتين تناصبانهم عداءً تاريخياً متأصلاً. ولأن العرب لم يعدوا عدّتهم لمثل هذا اليوم الأسود، فلن يتبقى لهم سوى أنيعيدوا الهتاف بما هتف به الثوار السوريون يوماً .. مالنا غيرك يا الله.
“العربي الجديد”