عقب إخفاق مساعي النظام السوري وحلفائه بعد قرابة ثلاثة أعوام من فرض سيطرتهم على محافظة درعا جنوب سوريا، وفشلهم في تحقيق الأهداف التي كانت موضوعة للمنطقة، والقائمة على فرض الاستقرار العسكري والأمني عبر جملة من الإجراءات على رأسها نزع سلاح المجموعات المسلحة من بقايا الجيش الحر، وتأمين طرق الإمداد والنقل بإقامة المقرات والحواجز الأمنية والمقرات العسكرية فيها، يجد الحلف السوري – الروسي – الإيراني نفسه مضطراً اليوم لتهديد مدينة درعا بالاقتحام والتوغل لإخضاعها، أو رفع الراية البيضاء وتجريد المنطقة من السلاح وتسليم أو إخراج كل مناهض إلى الشمال السوري، لاسيما بعد رفض الأهالي المشاركة بالانتخابات الرئاسية.
تعزيزات عسكرية
وعلى ضوء ما تقدم، استقدمت قوات النظام صباح الجمعة، تعزيزات عسكرية، تمركزت في الأحياء المحاذية لدرعا البلد، التي تشهد حصاراً عسكرياً من قبل حواجز النظام، وإغلاق لمعظم الطرق المؤدية إليها بالسواتر الترابية، وذلك في كل من أحياء سجنة والمنشية والضاحية، بالقرب من أحياء درعا البلد المحاصرة منذ 24 حزيران الفائت.
بمشاركة «الأمن العسكري»… تعزيزات عسكرية ضخمة على الحدود مع الأردن
وأفاد الناشط الإعلامي عامر الحوراني من أبناء درعا لـ«القدس العربي» بأن التعزيزات العسكرية تشمل عربات وآليات ثقيلة، إضافة إلى مجموعات مسلحة تابعة للفرقتين الرابعة والتاسعة، وجهاز الأمن العسكري في درعا، وصلت صباح الجمعة إلى الكتيبة الصاروخية المحاذية للحدود الأردنية جنوب مدينة درعا، إضافة إلى مجموعات أخرى تمركزت في نقاط عسكرية عدة داخل حي المنشية بدرعا البلد، في حين تمركزت ست دبابات داخل حي سجنة بدرعا، مضيفاً أن القوات المهاجمة عززت أيضاً مواقعها في صوامع الحبوب في منطقة غرز شرقي درعا، حيث زاد عدد العناصر فيها من خلال استقطاب مجموعات جديدة إليها، وذلك على خلفية تهديد العميد «لؤي العلي» رئيس جهاز الأمن العسكري بمحافظة درعا، بتصعيد عسكري، في حال لم ترضخ الأحياء لمطالبهم القاضية بإنشاء أربع نقاط عسكرية، وتفتيش المنازل وتسليم المطلوبين فيها.
حصار 11 ألف عائلة
وكانت شبكة «تجمع أحرار حوران» قد رصدت في 19 تموز الجاري، تعزيزات عسكرية قادمة إلى المحافظة على أوتوستراد دمشق الدولي، تضمنت آليات ثقيلة، ومضادات أرضية من عياري 23 مم، 14.5مم، إضافة إلى سيارات دفع رباعي تحمل عناصر مسلحة، تمركزت أعداد منها في تل المحص غربي مدينة جاسم، وأخرى توجهت إلى مدينة درعا حيث تمركز معظمها في ضاحية درعا.
وتأتي هذه التعزيزات بالتزامن مع تهديدات أرسلها النظام والميليشيات المساندة له، باقتحام أحياء درعا البلد المحاصرة، وهدم المسجد العمري، في حال لم يتم السماح للنظام بدخولها وإنشاء نقاط عسكرية داخلها، الأمر الذي لاقى رفضاً واسعاً من عشائر درعا البلد ولجنتها المركزية، الذين أكدوا على وحدة درعا البلد وعدم السماح للنظام بتقطيع أوصالها.
ويفرض النظام السوري حصاره على نحو 11 ألف عائلة متواجدة في أحياء درعا البلد، حيث حرم هؤلاء من دخول الأدوية والمستلزمات الأساسية، إلى منطقتهم، في ظل أوضاع معيشة متدهورة، ونفاذ أنواع واسعة من المستهلكات والاحتياجات اليومية من الأسواق.
ووفقاً للحوراني فإن «التصعيد العسكري على أحياء درعا البلد، يترافق مع نزوح عشرات العائلات إلى المناطق الداخلية في الأحياء هرباً من قناصي النظام، الذين يستهدفون المنازل بالقرب من نقاط تواجدهم».
الخبير في العلاقات السورية – الروسية د. محمود حمزة اعتبر أن ما تشهده درعا من تصعيد غير مسبوق، منذ نحو شهر، عبر الضغط على الأهالي لتسليم أسلحة المقاتلين من بقايا الجيش الحر، والذي يتزامن مع التصعيد في الشمال السوري بالطيران الروسي، بموازاة الأحداث الدولية وما جرى في مجلس الامن وموافقة موسكو على تمديد مرور المساعدات الانسانية عبر معبر باب الهوى، وهو ما اعتبرته أمريكا انتصاراً، هو في الحقيقة تصعيد من قبل روسيا التي تتاجر بالقضايا الإنسانية، وتهدد بالفيتو أو الخضوع لشروطها، وهو ناتج عن تخاذل أمريكي خطط لهذا الأمر، ليلعب الروس لعبتهم هذه.
التصعيد روسي، وما تشهده إدلب شمالاً ودرعا جنوبا، سببه وفق ما يقول البروفسور حمزة أن «النتيجة متكاملة وهي لقتل الشعب السوري وتدمير سوريا». وأبدى المتحدث اعتقاده أن موافقة روسيا في مجلس الأمن على مرور المساعدات لم تأت عبثاً، ولا صدفة دون ثمن، بل «هي صفقة بين الروس والأمريكان والأتراك، فقد أعطوهم الضوء الأخضر للتصرف في إدلب ودرعا وما يدفعه الشمال والجنوب السوري هو جزء من الثمن وقد تكون هناك أثمان أخرى من الجانب الأمريكي أو الجانب التركي» وفق قوله.
“القدس العربي”