بدا الحوار هو الطريق الوحيد أمام القوى السياسية الرافضة لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيد وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد من أزمات صحية واقتصادية واجتماعية تستدعي البحث عن طريق للخروج بأقل الأضرار.
تونس – وجدت القوى السياسية الرافضة لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيد نفسها أمام خيارات محدودة للتعامل مع تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، وذلك في الوقت الذي فشلت فيه محاولات الترويج لتسييس المؤسسة العسكرية في تونس.
وكان الرئيس قيس سعيد قد اتخذ قرارات لمنع تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في ضوء الانسداد الواضح مع الحكومة التي تدعمها حركة النهضة. وشهدت تونس يوم الـ25 من يوليو الجاري مظاهرات عارمة في مختلف المحافظات للمطالبة بإنهاء المنظومة السياسية الحاكمة.
وعلى مدار الأشهر الأخيرة تصاعدت في تونس الدعوات المطالبة بضرورة حلّ البرلمان وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، في ضوء الأزمة التي عاشتها البلاد والانقسامات بين الرئيس ورئيسي البرلمان والحكومة.
ويرى خبراء أن الخطوة التي اتخذها الرئيس قيس سعيد جاءت متقاربة جدا مع مطالب الشارع الذي خرج في عيد الجمهورية الـ64 للتعبير عن سخطه على الطبقة السياسية الحاكمة.
ويعد البرلمان، الذي تسيطر عليه حركة النهضة بالتحالف مع ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس، مدار صراعات سياسية لم تتوقف منذ الانتخابات التشريعية عام 2019.
وعلى الرغم من اتهام حركة النهضة وقوى سياسية أخرى للرئيس قيس سعيد بـ”الانقلاب على الدستور”، إلا أنها وجدت نفسها أمام خيارات محدودة للتعامل مع القرارات الرئاسية الأخيرة وتنحصر في فتح باب الحوار، بحسب ما أكدت على ذلك في بيان نشرته يوم الثلاثاء.
وجاءت الدعوة إلى الحوار في ظل عدم نجاح الترويج والحديث عن استخدام الجيش في تطبيق قراراته الأخيرة، ومحاولة استدعاء فكرة تكرار السيناريو المصري في تونس على الرغم من الاختلافات والتباينات العميقة بين الحالتين.
وعمل الرافضون لقرارات تجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما على الترويج لمسألة وجود انقلاب لجلب تعاطف دولي معهم إلا أن تلك الفكرة لم تحقق نتائج على هذا الصعيد سواء المحلي أو الدولي، خاصة أن المؤسسة العسكرية مارست دورها في حماية المؤسسات السيادية منذ اندلاع ثورة 2011، أي أنها تتحرك وفقا للضرورة الأمنية المستجدة في البلاد.
ويقول المحلل السياسي والإعلامي التونسي كمال بن يونس إن “اعتماد الرئيس قيس سعيد على الفصل 80 من الدستور كسند قانوني غير مفاجئ باعتبار قدرته على تقديم قراءة خبير في الدستور وحريص على احترام القانون..”، مشيرا إلى أن سيناريو تدخل الجيش في السياسة الذي حدث في بعض البلدان العربية “لن يتكرر في تونس”.
وينص الفصل 80 من الدستور على أن “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذّر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير في بيان إلى الشعب”.
كما أن الجيش التونسي يتبع مباشرة تحت قيادة الرئيس، الذي أكد مرارا في تصريحات إعلامية أنه “القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية”.
ويؤكد بن يونس أن “السّبب في خروج التونسيين للاحتفال بقرارات الرئيس يعود إلى فشل المنظومات المتعاقبة على الحكم في تحقيق المقاصد والمطالب الاقتصادية والاجتماعية كالتشغيل وتقليص البطالة وفتح الآفاق للشباب”.
واتهمت حركة النهضة الإسلامية من قبل المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع في 25 يوليو الجاري بأنها تقف وراء الحكومات والمنظومة السياسية التي اتهمت بدورها بالفشل في إيجاد مخارج للأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة.
ومنذ صدور القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد تطرح تساؤلات عديدة بشأن البدائل أمام الأطراف الرافضة لتلك القرارات والتي اعتمدت على الفصل 80 من الدستور بهدف إنقاذ الدولة التونسية من خطر داهم.
ويقول الخبير التونسي محمد ضيف الله، وهو مؤرخ وأستاذ في الجامعة التونسية إن الحوار هو الخيار الأنسب اليوم للخروج من الوضع الراهن.
ويضيف ضيف الله أن “رئيس الجمهورية اختار التوجه إلى المنظمات عوضا عن الأحزاب.. وهذه المنظمات لم تكن في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة (1957-1987) وزين العابدين بن علي (1987-2011) تتدخل في السياسة إلا للمؤازرة أو دعم الرئيس”.
وكان الرئيس سعيد قد عقد اجتماعا في قصر قرطاج مع كل من نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام للشغل، وسمير ماجول رئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وإبراهيم بودربالة رئيس الهيئة الوطنية للمحامين، وعبدالمجيد الزار رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري، وراضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة ونائلة الزغلامي رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات.
واعتبر ضيف الله أن “رئيس الجمهورية استبعد الأطراف الفاعلة في البرلمان أو بقية الأحزاب السياسية، ويمكن أن يعلن عن خارطة طريق دون العودة إلى الأحزاب.. لكن ليس هناك طريق واضح”.
وأردف “موقف رئيس الجمهورية بين الـ25 والـ26 من يوليو بدا وكأنه وجد وضعا غير الذي كان يتصوره.. خطابه في الـ25 من يوليو كان بلهجة حاسمة، لكن في اليوم التالي كان خطابه عقلانيا هادئا”، معربا عن اعتقاده بأن “المنظمات الوطنية تُوجه نحو هذا الخيار.. أعتقد أن الاتحاد العام للشغل مثلا يمكن أن يتدخل ويكون له تأثير في هذه المرحلة، ويدفع نحو الحوار لرسم أفق مستقبلي”.
وقال إن “الاتحاد العام التونسي للشغل يتبنى الحوار خاصة أنه دعا إلى التمسك بالديمقراطية والحلول السلمية، وهو أول من طرح فكرة الحوار في نوفمبر 2020”.
ومن جهته يرى الإعلامي كمال بن يونس أن “المعارضة التونسية ستتحرك وستضغط بالتّعاون مع النقابات العمالية، لتقليص مدة اعتماد هذه الإجراءات الخاصة بتجميد عمل البرلمان لشهر واحد”.
وأضاف أن “حوارات تُجرى الآن لضمان الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية) وأحزاب سياسية عديدة لتقديم تنازلات لها لتأكيد أن الإجراءات والقرارات ظرفية والهدف منها الخروج من مسار الأزمة السياسية الاستثنائية التي فرضت الشعور بالخطر بسبب تراكم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية”.
وأوضح أن “من بين الاقتراحات المقدمة ما طرحه أحمد نجيب الشابي القيادي بالحزب الجمهوري منذ أواسط الثمانينات وهو تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة في ظرف وجيز (6 أشهر) بعد تعديل القانون الانتخابي والدستور لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل”.
وتابع “من بين الشروط أيضا المرتقب طرحها فرض وجوب تحصيل السياسيين المرشحين لانتخابات البرلمان عتبة محددة من الأصوات، لتتوفر لاحقا أحزاب لها وزنها لا حضور 15 كتلة في البرلمان الحالي”.
“صحيفة العرب”