تونس: الأحزاب السياسية والديمقراطية في أزمة

مارينا أوتاواي/ ترجمة أحمد عيشة

شكلّت انتفاضة عام 2011 بداية للمنافسة التعددية الحزبية في تونس؛ إذ كان في البلاد نظام متعدد الأحزاب بحكم القانون منذ عام 1987، ولكن التجمع الدستوري الديمقراطي، حزب الحكومة، هيمن على كل الانتخابات، وحظر المنافسين المحتملين مثل حركة النهضة الإسلامي. فالأحزاب الصغيرة التي سمِح لها بالعمل لم تضِف سوى واجهة ديمقراطية إلى نظام الحزب الواحد بحكم الأمر الواقع. بعد انتفاضات عام 2011، تأسست أحزاب سياسية جديدة بسرعة، حيث يمكن تسجيل حزب جديد بسهولة، إضافة إلى أن عدم وجود حد أدنى من الأصوات في نظام التمثيل النسبي يشجع على الانتشار اللامحدود للأحزاب. اليوم، هناك عشرات الأحزاب على الورق، ويوجد أكثر من عشرين حزبًا في الجمعية الوطنية (البرلمان) المؤلفة من 217 عضوًا.

يشكل عدد الأحزاب تهديدًا للديمقراطية التونسية؛ حيث إن معظم الأحزاب صغيرة جدًا، وهامشية، ومجزأة لدرجة أنها أبعد من أن تمثل مصالح ناخبيها تمثيلًا فعالًا. حتى حركة النهضة، التي كانت ذات يوم حزبًا منظمًا تنظيمًا جيدًا، ويتمتع بأيديولوجية واضحة، باتت تواجه اليوم أزمة زعامة، ومعرضّة للتمزق بين حملة رئيسها لإعادة بناء الحركة كـ “حزب ديمقراطي إسلامي” جذوره الإسلامية عميقة. لم يعد التونسيون يعتقدون أن الأحزاب يمكن أن توفر حلولًا لمشكلات البلد، وهم سيلجؤون مرة أخرى إلى الشوارع طلبًا للانتصاف من مظالمهم. إن أزمة الأحزاب تتحول إلى أزمة للديمقراطية.

النظام السياسي

ينبغي فهم دور الأحزاب في إطار النظام الرسمي الذي أسسه الدستور. النظام في تونس برلماني، مع رئيس وزراء يختاره البرلمان، ولكن هناك أيضًا رئيسًا منتخبًا عن طريق الاقتراع العام، مع سلطة كبيرة على السياسة الخارجية والعسكرية. ولقد سعى الرئيسان منذ عام 2014 إلى زيادة قوتهما، على حساب رئيس الوزراء، ولم يحالفهما النجاح حتى الآن إلا في خلق التوترات. ويهدد التنافس بين الرئيس ورئيس الوزراء سلطة الجمعية الوطنية (البرلمان) التي تنتخب رئيس الوزراء. تنتخب الجمعية الوطنية أيضًا المتحدّث الخاص بها، كما الحال في معظم البلدان، وعادة من دون أن تكون هناك مشكلات. ومع ذلك، بعد انتخابات عام 2019، انتخبت الجمعية راشد الغنوشي، وهو رئيس حركة النهضة وأحد الشخصيات السياسية الرئيسة في البلاد، رئيسًا لها، وهو الأمر الذي خلق مركزًا ثالثًا للسلطة، وتسبب ذلك في مزيد من التوترات. أصبحت سياسة تونس سياسة الشخصيات، أكثر من سياسة المؤسسات والأحزاب.

لعبت الأحزاب السياسية دورًا مهمًا في بداية المرحلة الانتقالية؛ فكانت أساسية لانتخابات الجمعية التأسيسية، من أجل تشكيل المجموعة الثلاثية، وهي تحالف الأحزاب الثلاثة التي حكمت البلاد حتى عام 2013. سيطرت النهضة، التي فازت بأكثرية الأصوات في عام 2011، على منصب رئيس الوزراء، في حين تولى حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” الرئاسة، ورشح التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات رئيس الجمعية التأسيسية. ولكن الأحزاب فقدت، في عام 2013، تأثيرها على العملية السياسية، وتخلت عن المبادرة لمنظمات المجتمع المدني، ولم تقم بإعادة تأسيسها قطّ.

كانت الجمعية التأسيسية بطيئة للغاية في كتابة الدستور الجديد، وأدى ذلك إلى نفاد الصبر في البلد. ومما يزيد الطين بلة أن اغتيال شكري بلعيد، السياسي اليساري البارز، في شباط/ فبراير 2013، قوّض الثقة في النهضة، التي اتهِمت -على نحو خاطئ- بأنها وراء عملية الاغتيال. فقد زعم حمادي جبالي، رئيس الوزراء حينذاك، أن الحكومة التي تقودها حركة النهضة لا بد من أن تتنحى جانبًا لصالح حكومة أوسع نطاقًا، ولكن رفض اقتراحه، واستقال من الحزب. وخلفَه بعد بضعة أشهر زعيم آخر من النهضة، هو علي لعريده. وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي تسيطر فيها حركة النهضة على الحكومة.

صعود وتراجع السياسات الحزبية

في أسوأ مرحلة من الثقة في الجمعية التأسيسية المنتخبة والأحزاب، انتقلت مبادرة حل المأزق إلى منظمات المجتمع المدني في المجموعة الرباعية للحوار الوطني. وشملت المجموعة الرباعية الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد أصحاب العمل، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ورابطة المحامين. وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، بعضويته الكبيرة وفروعه في جميع أنحاء البلد، أهمّ منظمة. وكانت المجموعة الرباعية منظمة غير تمثيلية ذاتية التعيين، ولكن الأحزاب السياسية كانت في حالة انحدار، ولذلك فقد قبلت. وطالبت المجموعة الرباعية حركة النهضة بالتخلي عن منصب رئيس الوزراء الذي يحقّ لها أن تشغله نتيجة الانتخابات، وأن تقبل، بدلًا من ذلك، تشكيل حكومة “تكنوقراطية” بقيادة مهدي جمعة، وهو شخصية مستقلة. وكان هذا هو الحل الذي اقترحه حمادي جبالي، في وقت سابق، من دون أن يكتَب له أي نجاح، ولكن هذه المرة وافقت النهضة. وبضغط من اللجنة الرباعية والجمهور، وافقت جميع الأحزاب في الجمعية التأسيسية أيضًا على التعجيل بكتابة الدستور، والتوصل إلى الحلول التوفيقية اللازمة والموافقة على الوثيقة في كانون الثاني/ يناير 2014. جنبت هذه العملية انهيار المرحلة الانتقالية، ولكن المجموعة الرباعية أهملت الأحزاب.

عادت الأحزاب لفترة وجيزة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعام 2014، مع سيطرة النهضة ونداء تونس. كانت حركة النهضة إلى حد بعيد هي الحزب السياسي الأفضل تنظيمًا في تونس، لكنها جاءت في المرتبة الثانية بعد حزب نداء تونس، وهو منظمة غير مكتملة واسعة، أسسها الباجي قايد السبسي، وهو من قدامى المحاربين في نظام بورقيبة. لم يكن لدى نداء تونس أيديولوجية ولا هيكل حزبي حقيقي. تكاملت سمعة السبسي وفطنته السياسية وانعدام الثقة بالنهضة من جانب العديد من التونسيين العلمانيين.

فاز السبسي بالرئاسة في الانتخابات التمهيدية، ضد منصف المرزوقي، الرئيس في عهد الترويكا، شارك عشرون مرشحًا في الجولة الأولى من التصويت الرئاسي، ولكن النهضة قررت عدم دخول هذا السباق. كما فاز نداء تونس في الانتخابات البرلمانية، وحصل على ستة وثمانين مقعدًا مقابل تسعة وستين للنهضة. أما المقاعد المتبقية، وعددها (62) مقعدًا، فقد توزعت بين الأحزاب ذات التوجهات المختلفة على نطاق واسع، ولم يتمكن نداء تونس من تشكيل تحالف واسع بما فيه الكفاية لتشكيل حكومة. وهكذا اضطر السبسي، بعد حملته الانتخابية المناهضة للنهضة، إلى التوجه إلى عدوه، راشد الغنوشي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

كان الاتفاق ضربة أخرى للأحزاب السياسية. لم يتم التوصل إلى تسوية بين المنظمات، ولكن بين السبسي والغنوشي، وهما الزعيمان اللذان غالبًا ما وصفهما التونسيون، من دون لطف، بالرجلين العجوزين. بالنسبة إلى حركة النهضة، كانت التسوية تسوية أخرى في سلسلة من التنازلات التي أجبر الغنوشي فيها الحزب على قبولها. في عام 2013، كان الغنوشي قد حثّ الحزب على قبول استقالة رئيس الوزراء علي لعريده، واستبداله بمهدي جمعة. واستخدم القوة لإجبار المنظمة على سنّ دستور لا يذكر الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع. وأوضح، مرارًا وتكرارًا، وذكر ذلك في محادثة مع الكاتبة، أن الشريعة ليست مدونة قانون، إنما هي ثلاثة عشر قرنًا من التفسيرات من قبل مدارس الفقه الإسلامي المختلفة، وجادل بأن الإشارة البسيطة إلى الشريعة في الدستور لا تعني شيئًا. كان الأمر على حقٍّ من الناحية الفنية، لكنه كان مع ذلك تنازلًا مؤلمًا يقدّمه حزب إسلامي، حيث أحدث كثيرًا من التذمر في صفوفه. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الدساتير العربية، ومن ضمنها تلك التي كتِبت للعراق تحت الاحتلال الأميركي، تحتوي على إشارات إلى الشريعة. وعلى ذلك القدر من الجدل، كانت إعادة تعريف الغنوشي لحركة النهضة كحزب إسلامي ديمقراطي، لا كحزب إسلامي. وبالنسبة إلى نداء تونس، كان التحالف مع النهضة رفضًا لسبب وجوده.

نهاية نداء تونس

كانت نتيجة تشكيل حكومة وحدة وطنية فورية، بالنسبة إلى نداء تونس، حيث بدأ الانقسام داخله. تخلى عدد كبير من المسؤولين والمندوبين المنتخبين عن حزبهم، لدرجة أن نداء تونس خسر أكثريته في الجمعية التأسيسية، حيث انخفضت مقاعده إلى ثمانية وخمسين مقعدًا، بينما حافظت حركة النهضة على التسعة والستين مقعدًا. بالإضافة إلى التحالف مع النهضة، كانت نقطة الانشقاق الرئيسة في صفوف نداء تونس هي مستقبل التنظيم. اضطر السبسي إلى التخلي عن دوره كرئيس للحزب عند انتخابه رئيسًا، وبدا أنه من غير المرجح أن يستأنف نشاطه في هذا الحزب، لأنه كان عجوزًا وضعيفًا، على الرغم من أن فطنته العقلية والسياسية كانت سليمة (توفي في النهاية في تموز/ يوليو 2019، قبل انتهاء فترة رئاسته). حاول السبسي تسمية ابنه حافظ، ليكون المدير التنفيذي للحزب، ومن المفترض أن يكون خليفته، في خطوة مثيرة للجدل أدت إلى تسريع الانسحاب الجماعي من الحزب. بحلول موعد انتخابات 2019، خلص كثيرٌ من المحللين إلى أن نداء تونس لم يعد عاملًا في السياسة التونسية، وقد نجح بالفعل في الفوز بثلاثة مقاعد فقط.

رؤساء وزراء من دون أحزاب

مع تفكك حزب نداء تونس، ورفض النهضة التقدم والمطالبة برئاسة الوزراء، حيث قال الغنوشي إن مثل هذه الخطوة ستكون مثيرة للجدل للغاية؛ استمرت أهمية الأحزاب السياسية في التدهور. ذهبت رئاسة الوزراء في ظل حكومة الوحدة الوطنية إلى المستقل حبيب الصيد، حيث لم يستطع نداء تونس ولا النهضة المطالبة بالمنصب. ظل الصيد مترنحًا لأقل من عامين، بسبب الركود الاقتصادي، ومعدلات البطالة المرتفعة، والحكومة المنقسمة بين ممثلين عن نداء تونس، والنهضة، وآفاق تونس، والاتحاد الوطني الحر، وهي أحزاب لم تتشارك حتى في الحد الأدنى من البرنامج المشترك. نتيجة لذلك، لم يحقق مجلس الوزراء الكثير، وفي تموز/ يوليو 2016 خسر التصويت بحجب الثقة.

ابتلي رئيس الوزراء القادم يوسف شاهد بالمشكلة نفسها، وكان عضوًا في نداء تونس، حيث كان الحزب منقسمًا جدًا لدرجة لم يعد من الممكن أن يزوده بقاعدة قوية من الدعم. نجح في دفع بعض الإصلاحات الاقتصادية التي كانت هناك حاجة ماسة إليها، ولكن هذا جعله أكثر إثارة للجدل، وهو ما أدى في عام 2018 إلى احتجاجات كبيرة في الشوارع، بدعمٍ من اليسار ضد تدابيره “الجائرة”. وبينما كان شاهد يحاول الحفاظ على تماسك حكومته والحفاظ على دعم الجمعية، وينمّي طموحه الشخصي في الترشح لمنصب الرئيس، تخلى عن نداء تونس المحتضر، وفي كانون الثاني/ يناير 2019، أطلق حزبًا جديدًا، تحيا تونس، ليكون أداته الخاصة. على الرغم من كل الجدل وعدم التقدم الاقتصادي، نجح شاهد في الحفاظ على موقفه والتنحي فقط، كما هو مطلوب بموجب القانون، بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2019، نجح بالاستمرار ثلاثة أعوام ونصف، وهي أطول مدة لرئيس وزراء منذ عام 2011.

أدت انتخابات 2019 إلى صعود الرئيس قيس سعيّد، الذي رفض الانضمام إلى أي حزب سياسي أو تشكيل حزب خاص به. كرجل قانون بارز، قام بحملة بناء على سمعته المحلاة بالنزاهة، وفاز بدعم كبير من الشباب. وشهدت انتخابات الجمعية الوطنية مزيدًا من الخسارة في نفوذ الأحزاب، حيث تم تقاسم المقاعد بين واحد وعشرين حزبًا، لم يكن لمعظمها نفوذ. حصلت حركة النهضة على أكثرية المقاعد، ولكن العدد كان أقل من الانتخابات السابقة، وحاولت المطالبة برئاسة الوزراء، لكن الحكومة التي اقترحها مرشحها فشلت في الفوز أثناء التصويت على الثقة. كلف الرئيس بهذه المهمة رجلًا آخر، لم يكن له حزب عمليًا. كان إلياس الفخفاخ عضوًا في حزب التكتل، لكن هذا الحزب، الذي كان يومًا ما عنصرًا مهمًا في الترويكا التي حكمت في ظل الجمعية التأسيسية، تضاءل وطواه النسيان، وفشل في الحصول حتى على مقعد واحد في عام 2019. تمكن الفخفاخ من تشكيل حكومة في 27 شباط/ فبراير 2020، لكنها كانت ضعيفة ومنقسمة بشدة منذ البداية، وغير قادرة على معالجة المشكلات المهمة. بعد ستة أشهر باهتة، كانت القشة التي قصمت ظهر الحكومة هي مزاعم الفساد ضد الفخفاخ (الشركات التي كان له أسهمٌ فيها فازت على ما يبدو بعقود حكومية بوسائل مخادعة). في 26 تموز/ يوليو، سحبت حركة النهضة دعمه، وقدم الفخفاخ استقالته. اختار الرئيس، الذي كان يحاول توسيع سلطته، هشام المشيشي، المقرب منه، الذي لا ينتمي إلى أي حزب، لتشكيل الحكومة. نجح المشيشي، لكن بحلول كانون الثاني/ يناير 2021، اضطر إلى تعديل وزاري للاحتفاظ بثقة الجمعية الوطنية مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، بسبب تفشي وباء (كوفيد -19) وتصاعد التوترات بينه وبين الرئيس.

تراجع حركة النهضة

كانت حركة النهضة، التي ظلت الحزب السياسي الحقيقي الوحيد في تونس، بمنظمة ومنصة، في حالة أزمة أيضًا بحلول منتصف عام 2020. لطالما كانت هناك توترات بين الجناح الأكثر اعتدالًا والبراغماتية المتمركز حول راشد الغنوشي، والمتشددين الذين شاهدوا تنازلات الغنوشي بفزع وارتباك. نجح الغنوشي في جذب معظمهم مدة طويلة بشكل مدهش. لكن بحلول عام 2020، أصبحت المهمة مستحيلة، في وقت كانت فيه الحركة تواجه أيضًا تحديات متزايدة من خارج صفوفها.

وقد سبق أن خرجت حركة النهضة من انتخابات عام 2019 ضعيفة، على الرغم من أنها احتفظت بأكثرية المقاعد. ولم يتمكن مرشحها لمنصب رئيس الوزراء من تشكيل حكومة. وقد نجحت الحركة في السيطرة على الناطق باسم الجمعية الوطنية، ولكن راشد الغنوشي، الذي أصرّ على تولي هذا الدور شخصيًا، أثار جدلًا شديدًا. وكثيرًا ما كان على خلاف مع الرئيس، وغير قادر أو غير راغب في الفصل، بين دوره كمتحدث في الجمعية العامة، ودوره كزعيم للنهضة. على سبيل المثال، في كانون الثاني/ يناير 2020 سافر إلى تركيا، والتقى الرئيسَ رجب طيب أردوغان، على الرغم من أن السياسة الخارجية كانت من اختصاص الرئيس، لا من اختصاص البرلمان، ومن المؤكد أنه لم يكن من اختصاص رئيسه الذي يعمل بمفرده. وعلاوة على ذلك، غرقت الجمعية الوطنية تحت قيادة الغنوشي في الفوضى، مع تنامي الشقاق بين الأحزاب، ولا سيّما بين حركة النهضة والحزب الدستوري الحر. ومع وجود 17 مقعدًا فقط، كان الحزب الدستوري الحر ثالث أكبر الأحزاب في الجمعية المنقسمة، وكانت تقوده عبير موسى، وهي امرأة محافظة علمانية إلى حد بعيد، التي كانت تبرز بوصفها المتحدي الأعلى صوتًا لحركة النهضة.

في 30 تموز/ يوليو، مع ترنح البلاد بالفعل بعد استقالة رئيس الوزراء، قدّمت أحزابٌ في الجمعية الوطنية اقتراحًا بسحب الثقة من رئيس مجلس النواب، واتهمته باتخاذ قرارات بنفسه من دون استشارة المجلس وإصدار تصريحات خاصة حول العلاقات الخارجية التونسية. حصل الاقتراح على 97 صوتًا فقط، بينما كانت الأصوات المطلوبة 109 أصوات، وحافظ الغنوشي على منصبه، لكن سلطته قُوِّضت في المجلس، والأهم من ذلك في حركة النهضة، حيث اعتقد كثيرون أن الوقت قد حان لتغيير القيادة.

لم تعد المعارضة مقتصرة على الجناح الراديكالي للحركة، حيث شكلت مجموعة كبيرة من مسؤولي النهضة والشخصيات المعروفة فيما يسمى بـ “مجموعة المئة”. واستنادًا إلى المادة 31 من النظام الداخلي لحركة النهضة، التي تمنع رئيس الحزب من البقاء في السلطة لأكثر من دورتين، طالبت المجموعات الغنوشي بالتنحي عن هذا المنصب في المؤتمر الحزبي المقبل، والمتوقع أن ينعقد قبل نهاية 2020. قاوم الغنوشي في البداية، ولكن مع استقالة عدد كبير من أعضاء النهضة البارزين، تعهّد الغنوشي أخيرًا في تشرين الثاني/ نوفمبر بالتنحي في مؤتمر الحركة. لم ينعقد المؤتمر، ولكن الغنوشي جدّد، في كانون الثاني/ يناير 2021، تعهده بعدم الترشح مرة أخرى، وقد تضاءل تأثير التعهد إلى حد كبير من خلال الإعلان عن تأجيل مؤتمر الحركة لمدة عامين.

نهاية الديمقراطية؟

في 20 آذار/ مارس 2021، تجمع المتظاهرون مرة أخرى في شارع بورقيبة، وسط تونس العاصمة، حيث تجمعت الحشود في عام 2011 لإظهار عدم رضاهم عن الوضع الراهن، وقبل كل شيء، للتعبير عن خيبة أملهم من العملية السياسية. كانوا يطالبون بحل الجمعية الوطنية -رفضًا للمؤسسات الديمقراطية التي أدخلت بعد انتفاضة 2011- والأحزاب السياسية التي حولت السياسة إلى صدام فوضوي للطموحات والشخصيات من دون معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الضخمة في تونس. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يتمّ حل الجمعية الوطنية. لا توجد آليات في الدستور تسمح بحلّ البرلمان المنتخب، والرئيس ليس مستعدًا، على الأقلّ في الوقت الحالي، لإعادة البلاد إلى أيام السلطة التنفيذية غير الخاضعة للرقابة. ومع ذلك، فهو تذكير صارخ بفشل العملية الديمقراطية في تونس حتى الآن، التي أوجدت مؤسسات وأحزاب يعتقد عدد متزايد من التونسيين أنها لا تمثل مصالحهم.

ولا شك في أن الطرفين يشكلان جزءًا كبيرًا من الأزمة. فهي لا تفي بمهمة تمثيل مصالح ناخبيها ولا تحظى بالاحترام. فهي في أفضل الأحوال أدوات للنهوض بالمهنة السياسية لزعمائها. أظهرت استطلاعات الرأي العام، التي أجراها المعهد الجمهوري الدولي في أيلول/ سبتمبر -تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أن 20 في المئة فقط من التونسيين يعتقدون أن الأحزاب السياسية فعالة في التصدي لتحديات البلاد. وعلى النقيض من ذلك، يعتقد 61 في المئة أن منظمات المجتمع المدني فعالة، وحصلت الحكومة الوطنية المنكوبة على 42 في المئة.

كانت تظاهرات 20 آذار/ مارس هي الأخيرة في عدد متزايد من الحلقات التي رفض فيها التونسيون العملية السياسية الرسمية، وتحولوا نحو النزول إلى الشوارع. يحتج الناس بانتظام في جميع أنحاء البلاد. ومن المستحيل أن نعرف عدد الناس الذين ينزلون إلى الشوارع في أنحاء مختلفة من البلد، من دون إجراء دراسات مفصلة على أرض الواقع. ولكن حتى التغطية الواسعة التي تقدمها وسائط الإعلام الوطنية والدولية، وهي تقتصر على أهم الأحداث، تشير إلى تدفق مستمر من الاحتجاجات في المناطق الداخلية الفقيرة وفي المدن على طول الساحل، ومن ضمن ذلك تونس العاصمة.

إن الاحتجاج كوسيلة روتينية للمواطنين للتعبير عن مظالمهم والمطالبة بالإنصاف يدلّ على فشل الديمقراطية. لقد كانت تونس أكثر نجاحًا من أي بلد عربي آخر منذ عام 2011 في إنشاء المؤسسات والعمليات الديمقراطية الرسمية. ومع ذلك، يبدو أن هذه المؤسسات فشلت في معالجة مشكلات وشكاوى المواطنين، الذين يتجهون إلى أماكن أخرى لإسماع أصواتهم. إن إخفاق الأحزاب السياسية في توفير القناة بين المواطنين والحكومة هو محور هذا الفشل.

تتمثل الخطوة الأولى العاجلة نحو استعادة بعض الثقة في الديمقراطية في فرض تخفيض كبير في عدد الأحزاب السياسية، من خلال وضع حد للتمثيل، كما الحال في معظم الديمقراطيات البرلمانية. من شأن عتبة خمسة بالمئة من الأصوات المدلى بها أن تلغي جميع الأحزاب السياسية الممثلة الآن في الجمعية الوطنية باستثناء خمسة منها. حتى عتبة 2 في المئة ستقضي على جميع الأحزاب باستثناء ثمانية. هذا يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا لاستبعاد وتدمير الأحزاب الموجودة فقط لتعزيز طموحات مؤسسيها، وفرض تشكيل تحالفات وائتلافات حول برنامج. قد لا يكون ذلك كافيًا، لكنه سيكون خطوة نحو استعادة الثقة في الأحزاب والعملية الديمقراطية. ومع ذلك، قد يستدعي الأمر مزيدًا من الضغط من الشارع، وربما من الرباعية الجديدة للعودة إلى نظام ديمقراطي فاعل.

اسم المقالة الأصلية Tunisia: Political Parties and Democracy in Crisis
الكاتب مارينا أوتاواي، Marina Ottaway
مكان النشر وتاريخه مركز ويلسون، Wilson Center، 2 نيسان/ أبريل 2021
رابط المقالة https://bit.ly/2TGWXTe
عدد الكلمات 2630
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

أبريل 2024
س د ن ث أرب خ ج
 12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
27282930  

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist