المصدر: معهد الشرق الأوسط للدراسات ترجمة: عبدالحميد فحام
يسير الأردن بأقصى سرعة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، بعد 10 سنوات من تعليقه للعلاقات السياسية والاقتصادية مع جاره الشمالي على أعقاب اندلاع الانتفاضة السورية. ففي 3 تشرين الأول /أكتوبر، وفي أول اتصال علنّي بين عبد الله والرئيس السوري بشار الأسد منذ عام 2011، أعلنت عمّان أن الملك تلقّى اتصالاً هاتفيًا من الأسد، وركّزت المحادثات على العلاقات الثُنائية وسُبل تعزيز التعاون، وأكّد الملك دعم الأردن لجهود دعم وحدة أراضي سورية وسيادتها ووحدتها، وسمحت الأردن للسفارة السورية بالبقاء مفتوحة في عمّان واحتفظت بكادر إداري في سفارتها في دمشق.
وقد بدأ التحوّل الاستراتيجي بعد زيارة الملك عبد الله لواشنطن في تموز (يوليو) الماضي، ففي مقابلة مع قناة (سي.إن.إن) الأمريكية في ذلك الوقت، قال الملك إن نظام الأسد يتمتع بالشرعية ودعا الولايات المتحدة والأوروبيين للانضمام إلى فريق عمل لإشراكه في محاولة لتغيير سلوكه بدلاً من التركيز على تغيير النظام.
كما قال إنَّ على الغرب التحدّث مع الرّوس، الذين يلعبون “دورًا حيويًا”، مُضيفًا أن الوضع الراهن، حيثُ يوجد عنف مستمر، والشعب السوري يدفع الثمن، لا يمكن أن يستمر.
يبدو الآن أن الملك قد اقترح على إدارة بايدن، أن تقوم الأردن ومصر بتزويد لبنان بالغاز الطبيعي والكهرباء عبر الأراضي السورية، لخدمة غرض مزدوج وهو مساعدة لبنان على التعامل مع أزمة الطاقة المتوطنة لدى البلد وإشراك حكومة دمشق في محاولة لبدء إعادة تأهيله السياسي؛ وستكون نهاية اللعبة إبعاد كل من لبنان وسورية عن الإيرانيين ووكلائهم.
ثم تمّ تقديم الاقتراح إلى الرئيس اللبناني ميشال عون في 19 آب / أغسطس من خلال السفير الأمريكي في لبنان، مما يشير إلى أن البيت الأبيض تحت قيادة بايدن قد تبنّى اقتراح الملك عبد الله. إصلاح العلاقات.
بعد فترة وجيزة، استضافت عمّان كبار المسؤولين السوريين بين شهري “آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر”، بما في ذلك وزراء الطاقة والنقل والمياه والزراعة والتجارة والصناعة. واتفق الجانبان على إحياء الاتفاقيات السابقة بشأن المياه والنقل والزراعة وتكثيف التعاون في المجالات الأخرى. كما أَعلنت شركة الطيران الوطنية الأردنية أنها ستستأنف رحلاتها إلى دمشق ابتداءٍ من شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي 19 أيلول/سبتمبر، قام وزير الدفاع في حكومة النظام السوري بزيارة علنية نادرة إلى عمّان لمُناقشة أمن الحدود والتهريب ومحاربة الإرهاب مع نظيره الأردني. وبعد أيام قليلة، أعلن الأردن أنه سيفتح حدوده البرية مع سورية أمام حركة المرور المدنية والتجارية. وناقش وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي، التعاون الثنائي وسُبل إنهاء الأزمة السورية مع نظيره السوري فيصل مقداد.
وتُشير السرعة التي يقوم بها الأردن بإصلاح علاقاته مع النظام السوري إلى أنَّ الملك عبد الله قد تلقى الضوء البرتقالي إن لم يكن الضوء الأخضر للتواصل مع نظام الأسد. فبعد عودته من واشنطن، سافر الملك إلى موسكو في 23 آب/ أغسطس لمناقشة الأزمة السورية مع الرئيس فلاديمير بوتين وطرح اقتراحه بشأن إشراك حكومة الأسد، وكان بوتين قد دعا مرارًا وتكرارًا إلى انسحاب القوات الأجنبية غير المدعوة من سورية.
وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” التي تتخذ من لندن مقراً لها ما وصفته بوثيقة أردنية سرّية تقترح خطوات تدريجية لتغيير سلوك النظام السوري كما اقترحت انسحابًا كاملاً للقوات الأجنبية من سورية مع الاعتراف بمصالح روسيا في ذلك البلد ودعت الوثيقة المُسربة إلى “نهج جديد” لحل الأزمة السورية مع الاعتراف بالفشل بعد 10 سنوات من محاولات تغيير النظام، ودعت النظام السوري إلى تبنّي حلّ سياسي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254”، والتعامل مع الجوانب الإنسانية للصراع السوري.
وبحسب الصحيفة، فقد تلقّت عمّان ضمانات بأن تعاملها مع النظام السوري لن يُعرّضها لعقوبات بموجب قانون قيصر، واقترحت الوثيقة إعطاء حوافز لدمشق مقابل النأي بنفسها عن إيران، واقترحت تفاهمًا أمريكيًا روسيًا بشأن سورية ينتج عنه “نهج خطوة بخطوة” يجب أن يحصل على دعم إقليمي وأوروبي أيضًا، كما حذّرت الوثيقة من أنه في حين هُزمت الخلافة الإقليمية لتنظيم الدولة الإسلامية، ما يزال التنظيم يُمثّل تهديدًا حقيقيًا في بعض أجزاء سورية.
يبدو الآن أنَّ تعامل الأردن مع النظام السوري يُنظر إليه على أنه إشارات تجريبية مُعلّقة من الأسد.
المبادرات الأردنية مدعومة من قبل عدد من الدول العربية بما في ذلك مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلّها لديها نوع من العلاقات الدبلوماسية مع دمشق أو في طور إعادة فتح سفاراتها هناك.
منطق عمّان
بالنسبة للأردن، يخدمُ التقارب مع النظام السوري عددًا من الأهداف فيما يتعلق بالأمن القومي، تأمل عمّان في جعل النظام السوري وروسيا يجددان التزامهما بإبعاد الميليشيات الموالية لإيران قدر الإمكان عن الحدود الأردنية وهذا مطلب اسرائيلي ايضًا.
اقتصاديًا، تأمل عمّان أن تؤدي إعادة فتح الحدود مع سورية إلى تعزيز التجارة الثنائية وإحياء قطاع النقل البري والجوي المُتعثّر. ومن الناحية الاستراتيجية، يأمل الأردن المُتعطّش للمياه أن يحترم النظام السوري الاتفاقات السابقة لتزويد المملكة بنصيبها من نهر اليرموك – وهو أمر ضروري للشرب والري.
لكن الملك يأمل أيضًا في استعادة دور عمّان الإقليمي بعد سنوات من التهميش في ظل رئاسة ترامب. إنه يُقدم نفسه كمُحاور رئيسي بينما يسعى إلى ترسيخ تحالف اقتصادي مع مصر والعراق بهدف ضمّ سورية في المستقبل، ويُمكن لهذا التحالف أيضًا أن يُدخل كل من لبنان والسلطة الفلسطينية إليه.
من الواضح أن إدارة بايدن وفّرت للملك عبد الله الغطاء السياسي اللازم لمواصلة جهوده لإعادة تأهيل النظام السوري، لكنها علاقة معاملات ومصالح.
ومن المتوقع الآن أن يرد رئيس النظام السوري وأن يُظهر بعض المرونة السياسية بعدما استدعيا إلى موسكو في 14 أيلول/ سبتمبر للقاء بوتين.
حيث ستجتمع لجنة صياغة دستور سوري جديد في 18 تشرين الأول/ أكتوبر في جنيف، وستشير نتائج محادثاتها، التي لم تُسفر عن أي نتيجة خلال العامين الماضيين، إلى ما إذا كان الأسد على استعداد لتقديم تنازلات.
السؤال الكبير هو ما إذا كان بوتين سيمارس ضغطًا حقيقيًا على الأسد لينائي بنفسه عن الإيرانيين على الرغم من المخاطر التي يتعرض لها النظام.
إن إشارة إيجابية من دمشق ستعزز بالتأكيد جهود الملك عبد الله مع توفير نافذة نادرة لتسوية سياسية للصراع المستمر منذ عقد من الزمن.
ولكن بصرف النظر عن هذه العملية الحالية وغير المتوقعة، تظل العديد من الأسئلة دون إجابة، بما في ذلك الأسئلة المُتعلقة بمسائل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يتم اتهام النظام بارتكابها إلى جانب جماعات أخرى، كما أن المصالحة النهائية والمُساءلة في سورية ستبقى بعيدة المنال في الوقت الحالي.