أعلن الخميس في ستوكهولم اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب التي تُعتبر الأرقى بين الجوائز الأدبية، وقد تعددت التوقعات بأن تكون هذه السنة من نصيب آسيا أو أفريقيا تنفيذا لوعد لم يتحقق حتى الآن بتوسيع آفاقها بعدما كانت تاريخيا غربية جدا. وقد أصابت التوقعات جزئيا إذ كانت الجائزة أفريقية هذا العام.
ستوكهولم – أعلنت جائزة نوبل للآداب الخميس عن فوز الروائي التانزاني المقيم في بريطانيا عبدالرزاق جرنه بالجائزة لعام 2021، في مخالفة لكل التوقعات والأسماء المطروحة في السنوات الأخيرة والمرشحة أكثر من غيرها لنيل الجائزة.
وأوضحت لجنة التحكيم أن المؤلف الذي تشكل رواية “باراديس” (الجنة) أشهر مؤلفاته، مُنح الجائزة نظرا إلى سرده “المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات”.
ضد الاستعمار
يهتم عشاق الأدب والناشرون في كل أنحاء العالم بمعرفة هوية الفائز بهذه الجائزة المرموقة التي يُكشَف النقاب عنها قرابة الساعة الأولى بعد الظهر من الخميس في القصر الذي تتخذه الأكاديمية السويدية مقرا.
ولتجنب التسريبات، يعتمد أعضاء الأكاديمية أساليب أشبه بما في روايات التجسس، فيستخدمون مثلا أسماء رمزية للمؤلفين، ويضعون أغلفة مزيفة للكتب التي يقرأها أعضاء لجنة التحكيم في الأماكن العامة وغيرها من الأساليب التي تحفظ سريّة الجائزة.
وجاء تتويج جرنه صاحب رواية “وداعا زنجبار”، وهو أستاذ في جامعة كنت يدرس الأدب ما بعد الكولونيالي، مفاجأة لكل المتابعين للجائزة من النقاد والمثقفين والكتاب وحتى القراء أنفسهم.
ولد جرنه سنة 1948 في زنجبار قبالة سواحل شرق أفريقيا، وذهب إلى بريطانيا كطالب عام 1968 ليستقر هناك، حتى إنه بات يكتب أعماله الروائية بالإنجليزية.
من عام 1980 إلى عام 1982، حاضر جرنه في جامعة بايرو كانو في نيجيريا، ثم انتقل إلى جامعة كنت، حيث حصل على درجة الدكتوراه في عام 1982. وهو الآن أستاذ ومدير الدراسات العليا هناك في قسم اللغة الإنجليزية. اهتمامه الأكاديمي الرئيسي هو الكتابة ما بعد الاستعمار والخطابات المرتبطة بالاستعمار، خاصة في ما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند.
من أشهر أعماله الروائية “ذاكرة المغادرة” (1987)، “طريق الحج” (1988)، “دوتي” (1990)، “الجنة” (1994 )، “عن طريق البحر” (2001)، “الهجر” (2005)، “الهدية الأخيرة” (2011)، “الحياة بعد الموت” (2020) وغيرها.
وعلاوة على كتاباته الروائية فقد نشرت له مقالات حول عدد من الكتاب ما بعد الاستعمار المعاصرين، بما في ذلك نايبول، سلمان رشدي، زوي ويكومب. وهو محرر كتاب “رفيق سلمان رشدي” الذي صدر سنة 2007 عن مطبعة جامعة كامبريدج.
وقد كرس الروائي جل أعماله كما يبدو حتى من عناوينها إلى الهجرات والاستعمار وتاريخ الساحل الأفريقي الرازح تحت نير الاستعمار.
ويسير جرنه على خطى أدباء أفريقيا الأنغلوفونيين الذين سعوا مبكرا إلى التحرر من الكولينيالية أو الاستعمارية التي فرضها المستعمرون وخاصة بريطانيا وفرنسا بشكل أساسي على الأفارقة، حيث كان لهم على عكس نظرائهم الأفارقة الفرانكوفونيين أصوات خاصة متمردة بقوة على الثقافية الاستعمارية.
الابتعاد عن النمطية
تحديد الصورة النمطية لمن سيحصل على الجائزة كان دائما مهمة سهلة، إذ من المألوف أن يكون رجلا، ينتمي إلى الغرب وغالبا إلى أوروبا، لا تكون مؤلفاته من بين أكثر الكتب مبيعا، وغالبا ما يكون مغمورا نسبيا، يكتب أو تُترجم مؤلفاته إلى لغة يقرأها أعضاء أكاديمية ستوكهولم.
ومن بين الفائزين الـ117 في فئة الآداب منذ بدء منح جوائز نوبل، بلغ عدد الأوروبيين أو الأميركيين الشماليين 95، أي أكثر من 80 في المئة، وحصلت فرنسا وحدها على 13 في المئة من الجوائز. أما عدد الرجال من هذه اللائحة فيبلغ 101، في مقابل 16 امرأة فحسب.
وكان أعضاء لجنة التحكيم يؤكدون باستمرار أن الجنسيات لا تهمّهم. ولكن بعد فضيحة ضمن موجة “مي تو” هزّت الأكاديمية عام 2018 مما أدى إلى تأجيل نادر لجوائز نوبل، أعلن عن تجديد نهجها من خلال التوجه نحو المزيد من التنوع في الأنواع والقارات.
وقال رئيس لجنة نوبل أندرس أولسون في خريف عام 2019 “في السابق، كان لدينا منظور للأدب يتركز على أوروبا، أما الآن فننظر في كل أنحاء العالم”.
منذ ذلك الحين، تم احترام المواصفات جزئيا، إذ فازت بالجائزة امرأتان هما الروائية البولندية أولغا توكارتشوك بأثر رجعي عن عام 2018، والشاعرة الأميركية غير المعروفة لويز غلوك العام الماضي، فيما حصل عليها رجل واحد هو النمساوي بيتر هاندكه.
ومنذ فوز الصيني مو يان عام 2012، لم يُتوَج سوى كتّاب من أوروبا أو أميركا الشمالية بالجائزة، وتجلت الجرأة بالأحرى في النوع، كمنح الجائزة للمغني والشاعر والملحن بوب ديلان عام 2016.
ومع ذلك، فإن المنافسة من كتّاب القارات الأخرى كانت موجودة هذه السنة، ومن أبرز من تداوَلت أسماؤهم الكيني نغوجي وا ثيونغو والهندي فيكرام سيث والصينيان يان ليانكي ولياو ييوو والصومالي نورالدين فرح والموزمبيقي ميا كوتو أو حتى النيجيرية شيماماندا نغوزي أديتشي، بحسب ما أفاد النقاد الذين لم يكن في حسبانهم فوز التانزاني عبدالرزاق جرنه.
وشدد أندرس أولسون في حديث إلى مجلة “ذي نيو ريبابليك” هذا الأسبوع على أن “الجدارة الأدبية” هي “المعيار المطلق والوحيد”.
ومن الذين تُطرَح أسماؤهم أيضا ولم يحصلوا على الجائزة قطّ الياباني هاروكي موراكامي والسوري أدونيس، فهل لديهما فرصة هذه السنة؟
كما طرحت أسماء كاتبات مثل الأميركيتين جويس كارول أوتس وجوان ديديون والكندية آن كارسون والروسية لودميلا أوليتسكايا والصينية كان شيو والفرنسيتين ماريز كونديه وآني إرنو والإيطالية الغامضة إلينا فيرانتي (وهو اسم مستعار).
وفي خضم هذه التوقعات تساءلت صحيفة “داغنس نيهاتر” السويدية ما إذا كانت جائزة نوبل للآداب ستشهد “صحوة” تستند على المعايير الجديدة للتقدمية، أم ستمضي الأكاديمية في نهجها متجاهلة العصر؟
وقال الناقد الأدبي في مجلة “فوكوس” ماتس الميغارد “آمل في مفاجأة كبيرة، إذ من شأنها أن تجعل الأمر برمته أكثر إثارة. إذا فعلوا بالضبط ما هو متوقع، فستفقد الجائزة بريقها”.
ورجّح الميغارد أن يكون الفائز أوروبيا، كالروماني ميرسيا كارتاريسكو أو الفرنسي ميشيل هويلبيك الذي يُعتبر إلى حدّ كبير من المؤهلين لنوبل لكنه قد يثير جدلا واسعا.
ورأى نقاد آخرون فرصا لفوز الكندية مارغريت أتوود والمجري بيتر ناداش أو النرويجي يون فوسه.
ومن بين نحو 200 إلى 300 ترشيح يقدم سنويا إلى الأكاديمية، يتم اختيار خمسة منها قبل الصيف. ويتولى أعضاء لجنة التحكيم قراءتها بعناية وسرية تمهيدا للاختيار النهائي قبل وقت قصير من الإعلان. وتبقى المداولات سرية لمدة 50 عاما.
وبالفعل خالفت نوبل كل التوقعات هذا العام بمنح الجائزة إلى جرنه، ما قد يفتح مستقبلا جديدا أكثر انفتاحا أمام الجائزة الأدبية العالمية الأشهر والأهم.
ويخلف جرنه الشاعرة الأميركية لويز جلوك التي توجت بالجائزة السنة الماضية.
وتولد الجائزة بخلاف قيمتها المالية (1.14 مليون دولار) والمكانة الأدبية التي تمنحها للفائز اهتماما كبيرا به، ما يحفز مبيعات كتبه ويفتح المجال للفائزين غير المعروفين أمام جمهور واسع على المستوى الدولي من خلال ترجمة أعمالهم إلى أكثر من لغة عبر العالم.
ويتواصل موسم نوبل الجمعة، إذ يُعلن في أوسلو اسم الفائز بجائزة السلام، في حين يُختتم الاثنين بالإعلان عن نوبل الاقتصاد.
“صحيفة العرب”