الدول العربية تعيد العلاقات تدريجياً مع النظام السوري، لكن رئيسه لا يزال غارقاً في أزمات لا يستطيع الهروب منها.
بالنسبة لرجل قضى العقد الماضي في محاربة الثائرين عليه، وتمّ تجاهله في المحافل الدولية بينما يخوض هو حرباً وحشية فككت اقتصاده، كانت الأسابيع القليلة الماضية جيدة له، أنه رئيس النظام السوري بشار الأسد.
لقد قام مسؤولون كبار من لبنان بالمناشدة لمساعدته في حالات انقطاع الكهرباء المزمن. وكان وزير الاقتصاد اللبناني قد التقى بنظيره الإماراتي في معرض تجاري في دبي وتحدثا عن المسألة. هذا وقد دعمت الولايات المتحدة، التي فرضت عليه (الأسد) وعلى معاونيه عقوبات شديدة، خطة لإحياء خط أنابيب غاز عبر أراضيه.
وتحدث الأسد هاتفياً مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، جاره من الجنوب، لأول مرة منذ 10 سنوات.
لا تزال سوريا مُمزقة -فشعبها غارق في الفقر، ولا يزال ملايين اللاجئين في الدول المجاورة يخشون العودة إلى ديارهم وما زالت مساحات شاسعة من الأراضي خارجة عن سيطرة الدولة. لكن هناك شعور في جميع أنحاء الشرق الأوسط بأن الأسد -المعروف منذ فترة طويلة بقصف شعبه بالغاز وإلقاء براميل متفجرة على مدنه -يتم اخراجه من العزلة، مما يعكس استسلاماً لفكرة بقائه في السلطة.
يخطر بالبال في الوقت الحالي بأن توقف الحرب عن الاشتعال وبقاء الأسد في السلطة، ربما جعل الوقت مناسباً للنظام السوري لإعادة الاتصال بجيرانه.
بعد عشر سنوات من بدء حرب البلاد بانتفاضة ضد الأسد، يتساءل العديد من السوريين عما إذا كان يمكن إعادة توحيد البلاد، و إذا كانت هناك فكرة واضحة بما يكفي عن موضوع إعادة بناء الدولة.
قال كريم السقا، وهو ناشر يقوم بالكتابة على منصة “رصيف 22″، وهو موقع إلكتروني يعرض كتابات من جميع أنحاء العالم العربي: “لكي نُشكّل دولة مرة أخرى، نحتاج إلى معرفة “ما لنا وما علينا”. نحن نعرف فقط ما علينا، وهي أننا نعيش في بلد غير ديمقراطي. لكننا نحتاج إلى معرفة ما لنا لبناء أمة “.
على الرغم من انتصاره الشكلي في الحرب السورية، فإن قبضة الأسد على السلطة غالباً ما تكون ضعيفة حتى في المناطق التي يُسيطر عليها.
فمن قصره الرئاسي في العاصمة دمشق، لا يمكنه ممارسة القيادة والإدارة على الحدود الشمالية لبلاده مع تركيا أو في جزء كبير من حدوده الشرقية مع العراق إلا بعد أن يخوض معارك للسيطرة على تلك المناطق. حيث يتم إدارة شمال غرب سورية من قبل مجموعات مسلّحة منهم من هو مرتبط سابقًا بالقاعدة الذين يبذلون جهدًا أكبر في محاولة فتح خط مع الدول الغربية أكثر مما يبذلونه مع الأسد.
وتسيطر فصائل القوات المعارضة المدعومة من تركيا على مناطق أخرى على طول الحدود، حيث أدى التعامل بالعملة التركية إلى إزاحة الليرة السورية التي انخفضت قيمتها بشكل كبير.
وتدير القوات التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة الشمال الشرقي حيث يوجد معظم نفط سوريا وجزء كبير من أراضيها الزراعية. وقد فشلت جولات المحادثات حول إعادة ربط تلك الأراضي بدمشق.
وقد اعتمد الأسد بشكل كبير على روسيا وإيران للتصدّي للقوات المعارضة له، والآن يتطلّع كلا البلدين إلى اقتصاده للحصول على فرص لاسترداد استثماراتهم.
لكن الاقتصاد ضعيف لدرجة أن رجال الأعمال يغلقون أبواب محلاتهم.
فقد قال صاحب شركة آيس كريم في دمشق في مقابلة إنه أغلق شركة عائلته بعد 50 عامًا وانتقل إلى مصر لأنه في الآونة الأخيرة، جاءت مصلحة الضرائب وشركة الكهرباء وإدارة حماية المستهلك لتحصيل الرشاوى بعد أن هددوا بإغلاق الشركة بسبب مخالفات وهمية إذا رفض الدفع.
وقال إن عائلات أخرى نقلت بالفعل أعمالها، والوظائف التي الناس هناك بأمس الحاجة إليها، إلى تركيا أو العراق أو مصرأو دول الخليج.
وقال الرجل الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام “حكومة النظام السوري ليس لديها أموال وتريد تحصيل رواتب موظفيها وجنودها ومقاتليها من التجار والصناعيين”.
تخلّت القوى الدولية إلى حد كبير عن السعي لتحقيق السلام من خلال الدبلوماسية، ويعترف الكثيرون بأن 10 سنوات من الحرب والعقوبات ومحادثات السلام قد فشلت في الحصول على تنازلات من الأسد.
وقد قال كرم الشعار، مدير الأبحاث في مركز العمليات والسياسة، وهو معهد أبحاث في جنوب تركيا، إنه نظراً لأن الأسد قاوم التسوية حتى الآن، فمن المحتمل ألا يبدأ بأي تسوية في الوقت الحالي.
قال السيد شعار “صانعو السياسة الغربيون لا يُقَدّرون ما يطلبون من بشار الأسد أن يفعله” عندما يتحدّثون عن دمج المعارضة في حكومته.
واستذكر الشعار أديب الشيشكلي، وهو سياسي سوري كان رئيساً للبلاد في الخمسينيات من القرن الماضي قبل أن يُطرد ويهرب إلى البرازيل، حيث اغتيل بعد عقد من الزمن على يد رجل فقد والده في معركة أشرف عليها السيد الشيشكلي.
وأكّد الشعار أن الأسد قتل الكثير من الناس، لذلك يواجه مخاطر أكبر.
وتابع الشعار بالقول أنه: “إذا خرج بشار الأسد عن منصبه، فهو يعلم أنه سيكون هناك الآلاف من الناس يلاحقونه”.
ومع ذلك، فإن تحركات جيران سورية للاقتراب من الأسد تعكس تآكل الشعور بأنه يجب نبذه عندما تكون هناك العديد من المشاكل الأخرى في المنطقة.
من المفترض أن ينقل خط الأنابيب الذي دعمته الولايات المتحدة الغاز المصري من الأردن عبر سورية إلى لبنان، حيث تسبب الانهيار الاقتصادي في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع. وعلى الرغم من العقوبات المفروضة على حكومة النظام السوري، فإن الولايات المتحدة تدعم الخطة، جزئياً للتنافس مع جهود جماعة حزب الله المتشددة لجلب الوقود الخاضع للعقوبات من إيران.
وفي سعي الأردن لإنعاش اقتصاده المتعثر، أعاد فتح حدوده مع سورية للتجارة واستضاف مؤخراً وزير الدفاع السوري لإجراء محادثات أمنية. الملك عبد الله الثاني، الذي دعا الأسد إلى التنحي في عام 2011، تحدّث مع الرئيس السوري الأسبوع الماضي لمناقشة العلاقات بين “الدول الشقيقة وسُبل تعزيز التعاون بينها”، بحسب الديوان الملكي الأردني.
وقد أسقطت دول الخليج الثرية، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي قام بعضها بتمويل الفصائل المعارضة في وقت مُبكّر من الحرب، معارضتها للأسد واغتنمت فرصاً استثمارية. لكن التمويل غير وارد، إلى حد كبير بسبب العقوبات الأمريكية.
وقد اتبعت إدارة بايدن نهجًا أقل عدوانية تجاه الأسد من الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن إدارة بايدن ما زالت تثني شركائها العرب عن تطبيع العلاقات.
وفي مقابلة، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن إنه كان من الواضح أن الأسد قد نجا وأن العقوبات لم تُسفر حتى عن تنازلات ضئيلة، لذلك فضلت الإدارة التركيز على قضايا أخرى، بما في ذلك مكافحة جائحة فيروس كورونا، وتخفيف الضائقة الاقتصادية في الولايات المتحدة والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
وأضاف المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بموجب البروتوكولات الحكومية، إن الولايات المتحدة ترغب في صفقة الغاز، التي لا تزال تفاصيلها قيد الإعداد، لتجنب فرض عقوبات وتوفير الحد الأدنى من الفوائد للأسد. كما كانت الإدارة تخبر أصدقاءها ألا يتركوا الأسد يخرج من مأزقه.
“نحن نقول للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودي، لا تذهبوا لبناء مراكز تسوق. ولا تقوموا بإلغاء تجميد أصول بشار. لا تسمحوا للحكومة في سورية بالحصول على أي نوع من العائدات لإعادة البناء أو إعادة الإعمار.”
لكن المسؤول قال إنه تمّ السماح بوجود مرونة في قضايا مثل توفير الكهرباء للبنان وبعض أنواع المساعدات داخل سورية، على أمل أن يكون هناك “سياسة إنسانية معقولة”.
“نداء بوست”