المصدر: جيروزاليم بوست ترجمة: عبدالحميد فحام
يبدو الملك عبد الله الثاني ملك الأردن مشغولاً في الآونة الأخيرة. فقد زار قطر للقاء أميرها الثلاثاء.
كما زار الولايات المتحدة مرتين على الأقل هذا العام، وكان أول رئيس دولة عربي يستقبله الرئيس الأمريكي بايدن في البيت الأبيض في تموز/ يوليو الماضي.
وعقد عبد الله اجتماعاً سرياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. كما اجتمع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرتين في الأشهر القليلة الماضية وتحدّث عَبْر الهاتف مع الرئيس السوري بشار الأسد.
والتقى السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تموز/ يوليو الماضي في قمة بالعاصمة بغداد اعتُبرت إلى حد كبير محاولة لتحييد النفوذ الإيراني في المنطقة.
وقد التقى في شهر آب/ أغسطس الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو.
فالرسالة القادمة من عمّان صارخة وواضحة: بعد أن تم تهميش الأردن خلال إدارة ترامب، الأردن يعود كوسيط مُستَقِر في منطقة عاصفة. وهذا يشير إلى أن الملك لا يضيع الوقت في استعادة دَوْر بلاده التاريخي كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط.
ويستبشر عبد الله في إدارة بايدن خيراً، بالعودة إلى الدبلوماسية الأمريكية التقليدية، وإيجاد فرصة لاستعادة موقع بلاده التاريخي كحليف إستراتيجي لواشنطن.
وقال بسام المناصير، الرئيس السابق للجنة الخارجية في مجلس النواب الأردني: إن دور الأردن القديم والجديد يمكن أن يُعزى إلى سياساته المعتدلة في المنطقة.
ويُضيف: “يشهد الأردن بداية جديدة في السياسة الخارجية بعد مجيء إدارة بايدن، بعد أن تم تهميش دور الأردن من قِبل الإدارة الأمريكية السابقة، إدارة ترامب”.
وقال يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي واللواء السابق: إن عبد الله كان يستفيد من تغييرين سياسيين، أحدهما هو التغيير في أمريكا، ولا يقل أهمية عن التغيير في إسرائيل. ويؤكد عميدرور أنه على الرغم من العلاقات الباردة بين الملك ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو، فإن العلاقات بين الأردن وإسرائيل لم تتغير.
ويضيف: “من المفهوم في كِلا البلدين أنه لا يهم مَن هو رئيس الوزراء في تل أبيب، وأن استقرار الأردن مهم للغاية لاستقرار الشرق الأوسط”.
ويؤكد: “كانت العلاقةُ الرئيسيةُ والتعاونُ المتعلقان بالجزء الأمني من العلاقات متينين قبل وبعد العلاقات المُتوتِّرة بين الزعيمين”.
عميدرور، هو زميل كبير في “آن وجريج روسهاندلر” وفي معهد “القدس” للدراسات الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث أمني محافظ، يقول: إن فتح قنوات اتصال مع دمشق هو شأن عربي.
لم يتلاعب المناصير بالكلمات، واصفاً العلاقات الأمريكية الأردنية خلال إدارة ترامب بأنها “الأسوأ” منذ عقود.
ويقول العديد من المراقبين الأردنيين: إن سياسات الرئيس دونالد ترامب في المنطقة قوَّضت الملك وأهملت بلادهم.
وقد قدّم ترامب دعماً صريحاً لإسرائيل، وفضَّل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وواصل علاقات وثيقة مع الإمارات العربية المتحدة ومصر بينما كان يتغاضى عن دعم الملك عبد الله.
وكان ترامب قد أعلن عن اقتراحه بـ “صفقة القرن” في كانون الثاني (يناير) 2020 ، ورفضته عمان.
حيث اعترفت مسودة الخطة بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما قطعت إدارة ترامب مساعداتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، بينما رفضت عمّان بسرعة الحديث عن ضم إسرائيل لجزء من الضفة الغربية من وادي الأردن.
ويقول المناصير: “هناك شعور في الأردن بأن مرحلة التهميش السابقة لإدارة ترامب قد تلاشت”. وشدّد على أن لقاء الملك مع بايدن “حمل معه بُعداً دولياً وإقليميا مهماً” ، وأن مجيء إدارة بايدن أعاد العلاقات بين عمّان وواشنطن إلى عهد ما قبل ترامب وأعاد تنشيط دور الأردن الإقليمي.
إن وصاية الأردن على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية منصوص عليها في معاهدة السلام المبرمة عام 1994 مع إسرائيل، والكثير من شرعية العاهل الهاشمي مُستمدة من هذا الدور.
وتأتي عودة عبد الله في وقت يتجنب فيه محمد بن سلمان الظهور. ولم يتحدث مع بايدن ولا توجد خطط من قِبل البيت الأبيض للاتصال به في أي وقت قريب.
ويقول المناصير: “تسببت الإدارة الأمريكية الجديدة في تراجُع الدور السعودي والإماراتي ومنحت الأردن مساحة أكبر وأعادتها إلى الصدارة”. ويفترض بأن سياسات ولي العهد هي المسؤولة عن التجاهل الصادر من البيت الأبيض.
ومن الواضح تماماً أن هناك غياباً للدور السعودي، خاصة فيما يتعلّق بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فبعد قضية مقتل خاشقجي، من الواضح أن هناك خطوات مُتَسرّعة، مثل قطع المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات مع قطر، وغرق السعودية في مستنقع اليمن، وتعرُّض الأردن لضغوط من المملكة العربية السعودية بشأن قضية أزمة قطر، كما يقول المناصير.
في وقت من الأوقات، شعر الأردن بالقلق من شائعات بأن نتنياهو ومحمد بن سلمان كانا يخططان لتجريد عبد الله من وصاية الأماكن المقدسة في القدس.
ويضيف المناصير: “يعلم الجميع رغبة محمد بن سلمان في إبعاد وصاية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس عن الأردن” ، ويُصرّ المناصير على أن عمّان والملك “لن يسمح بحدوث ذلك أبداً”.
أميدرور لا يتفق مع هذا فيقول: “أعتقد أن اختفاء محمد بن سلمان من المشهد مرتبط أكثر بحقيقة أن المملكة العربية السعودية تواجه تحدياً كبيراً من الجيل الأكبر سناً داخل النظام الملكي السعودي”.
في عام 2004، حذر عبد الله من ظهور هلال أيديولوجي شيعي من بيروت إلى الخليج العربي. ومع تنامي نفوذ إيران في المنطقة، ويقول المناصير: إن جهود الملك تحظى بمباركة الإدارة الأمريكية.
يوجد هناك هيمنة لحزب الله في لبنان. بمعنى آخر، هناك حضور أقوى لإيران على حدود إسرائيل. كل هذا لا يروق للولايات المتحدة وإسرائيل. وبالتالي، هناك ارتياح للدور الذي يلعبه الأردن، وعودة سورية ولبنان والعراق إلى الحضن العربي تعني أن وجود إيران سيتراجع في المنطقة، وفقاً للمناصير. “حقيقة أن الملك يتحدث مع الأسد ليست مرتبطة مباشَرةً بإسرائيل أو بالولايات المتحدة، بل هي تتعلق أكثر بالعلاقة الداخلية بين الدول العربية. إنها تتعلق بالعلاقات الداخلية بين الدول العربية أكثر من أي شيء آخر. وتُفَضِّل إسرائيل والولايات المتحدة أن يقوم بذلك أحد الزعماء العرب “.