في الأسبوع الماضي، زار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان لبنان، فيما اعتبرها الكثيرون زيارةً للاستفادة من الأزمة الاقتصادية في البلاد لتشديد سيطرة طهران هناك.
وقال عبد اللهيان: إن إيران مستعدة لمساعدة اللبنانيين في إعادة بناء ميناء بيروت، الذي تدمرت أجزاء كبيرة منه في الانفجار العام الماضي، وكذلك لبناء محطتين للطاقة الكهربائية.
فعلى الرغم من التعهدات الإيرانية بالمساعدة الاقتصادية، إلا أن الزيارة كانت سياسية بشكل بارز. ويمكن لإيران ووكيلها اللبناني حزب الله أن يروا أنه في العام الماضي سعت عدة جهات إقليمية ودولية للعب دور في الشؤون اللبنانية، دول عربية مثل مصر والأردن وقطر وحتى سورية، وكذلك دول أوروبية مثل فرنسا، ناهيك عن الولايات المتحدة. فالإيرانيون يريدون احتواء مثل هذه المساعي للحفاظ على سيادة إيران.
ومع ذلك، فإن ما يَتَكشّف في مقاربة بعض الدول العربية، لا سيما مصر والأردن، هو أنها تتقبل على ما يبدو أنه لا يمكن تهميش إيران في بلاد الشام. ففي مواقفهما تجاه لبنان وسورية، يبني البَلدانِ موقفاً براغماتياً يتمثل في زيادة حصصهما في دول تسيطر عليها إيران من أجل بناء النفوذ واستخدام ذلك في المساومة مع الإيرانيين.
يبدو أن هذا المنطق وراء القرار المصري والأردني باستغلال خط الغاز الطبيعي العربي الذي يعبر الأردن وسورية ولبنان لنقل الغاز المصري إلى لبنان لتوليد الطاقة. ففي حين صوّرت القاهرة وعمّان ذلك على أنه وسيلة لمساعدة قطاع الطاقة اللبناني المُنهار، فإن الترتيب يتعلّق أكثر بالحسابات الجيوسياسية والإقليمية.
لكي يصل الغاز إلى لبنان، سيتعين عليه عبور سورية، المحظورة حالياً بموجب قانون “قيصر”، وهو التشريع الأمريكي المُوجَّه ضد نظام رئيس النظام السوري بشار الأسد بسبب جرائمه في زمن الحرب.
وعندما سافر العاهل الأردني الملك عبد الله إلى واشنطن في تموز/ يوليو، يبدو أنه أقنع إدارة بايدن بتقديم إعفاءات للأردن ولبنان حتى يُمكِن المُضيُّ قُدُماً في المشروع على ألّا يتم معاقبة البلدين بموجب القانون.
في الواقع، كانت سفيرة الولايات المتحدة في بيروت، دوروثي شيا، هي التي أعلنت عن الخطة في آب/ أغسطس فالأمريكيون -مثل عدد متزايد من الدول العربية- يعتقدون أنه إذا تفكك لبنان، فإن إيران وحزب الله وحدهما سوف يلتقطان القطع ويستفيدان، لذا فمنع هذا هو السبب في أنهم غيّروا نظرتهم.
العديد من الدول العربية ليست مُستعدةً بعدُ لإعادة تأهيل نظام الأسد، ولكن مع ذلك هم على استعداد لمنحه مساحة أكبر من ذي قبل على افتراض أن ما تكسبه تلك الدول من حصص من سورية، خاصة ومن لبنان، سَيُقَلِّص هامش المناورة الإيراني ويُجبِر طهران على أَخْذ المصالح العربية الأوسع في الاعتبار.
كان مثل هذا التفكير وراء التقارب السريع بين الأردن والنظام السوري في الأسابيع الأخيرة، وبلغ هذا ذروته في محادثة هاتفية بين الملك عبد الله وبشار الأسد في 3 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد إعادة فتح معبر “جابر” بين البلدين في 27 أيلول/ سبتمبر.
وفي مقابلة مع فريد زكريا من “سي إن إن” في تموز/ يوليو، أشار الملك مسبقاً إلى أن تغييراً قادماً سيظهر في السياسة تجاه الوضع في سورية.
إن سياسة عزل تلك الدول العربية التي تتمتع فيها إيران بقوة بارزة لم تجلب سوى عوائد محدودة، وإن كانت جلبت شيئاً، فهو السماح لطهران بتعزيز سلطتها في تلك البلدان.
في لبنان، على سبيل المثال، يُشكِّل الشيعة حوالَيْ 30 في المائة فقط من السكان، في حين أن عدد السُّنَّة هو نفس العدد ولكن حزب الله مُهَيمِن؛ لأن الدول العربية فرضت الحجر الصحي على لبنان وعلى مواطنيه من السُّنَّة، مُعتقدةً أن البلاد قضية خاسرة. هذا يمثل تكلفة فرصة سياسية لا يمكن تحمُّلها.
المصريون والأردنيون، وغيرهم، يعيدون النظر في فوائد الضغط الخارجي، مُدركين أنه نادراً ما تحدث التغييرات المرجوّة.
وفي الوقت نفسه، يستغلّون حقيقة أن الولايات المتحدة تعتبر الشرق الأوسط أقلَّ أولويةً من ذي قبلُ، لذا فهي أكثر استعداداً للسماح للجهات الفاعلة الإقليمية بإقامة توازُن القوى فيما بينها، وفقاً لشروطها الخاصة.
من المؤكد أن زيارة أمير عبد اللهيان مرتبطة بفهم الإيرانيين أن الطموحات الإقليمية ستُلزِمهم بالدفاع عن مزاياهم في جميع أنحاء العالم العربي، في لبنان وسورية والعراق وربما حتى في اليمن. حيث يشهد الشرق الأوسط عودة إلى السياسة، فلقد أصبح مجالاً مفتوحاً تتنافس فيه الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.
قد يبدو هذا شيئاً جديداً في الثلاثين عاماً الماضية، منذ نهاية الحرب الباردة وهَيْمَنة الولايات المتحدة، ولكنه أيضاً متأصِّل جداً في تاريخ المنطقة.
وهذا ينطبق بشكل خاصّ على بلاد الشام، التي لطالما كانت ساحة معركة لإمبراطوريات المنطقة أو القوى.
المصدر: ذا ناشيونال / ترجمة: عبد الحميد فحام