وأشارت المجلة في تقرير، إلى أن الولايات المتحدة رغم أنها حققت العديد من الإنجازات العظيمة فإن جهودها لبناء الدول ليست واحدة منها، موضحةً أنه من فيتنام إلى أفغانستان والعراق، أثبتت واشنطن مراراً وتكراراً أن بناء الدول ليس مكمن قوتها بسبب “عجزها عن فهم القوى الاجتماعية والقبلية المحركة للمجتمعات في الشرق الأوسط لآلاف السنين، واعتمادها المفرط على جيشها الذي لم يجلب سوى الدمار والفوضى”، فضلاً عن “دعمها المتهور والمندفع لوكلائها وعملائها الذين أخلّوا بالتوازن الإقليمي”.
واعتبرت أن الولايات المتحدة ظلت تطارد “شبح الإرهاب” في العراق وأفغانستان، وهو أمر “لم يسفر سوى عن استنزافها مالياً وأصاب شعبها بإعياء مزمن من الحروب الأبدية”، كما “سمح للصين بأن تصبح منافساً خطيراً للهيمنة الأميركية على العالم.
وذكرت أن ما من مشهد يمكن أن يجسد فشل الولايات المتحدة الذريع في أفغانستان وعجزها الكبير في الشرق الأوسط أفضل من صور مواطنين أفغان وهو يتشبثون بطائرة شحن عسكري أميركية طراز (سي 17) قبل أن يسقطوا من ارتفاع مئات الأمتار ليلقوا حتفهم.
وأشارت إلى أنه “لم يُجدِ إنفاق 2.3 تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين ولا التضحية بنحو 2400 جندي أميركي نفعاً في التغلب على التباينات العرقية والقبلية والدينية الهائلة في سبيل بناء دولة أفغانية ديمقراطية صديقة للولايات المتحدة”.
أما في العراق، لفتت المجلة إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة أنفقت تريليوني دولار وضحت بأكثر من 4500 جندي أميركي، فقد سلّمت واشنطن العراق إلى إيران “على طبق من فضة”، مضيفةً “لم يمهد الغزو الأميركي للعراق الطريق للتمدد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان فحسب، بل أتاح كذلك لروسيا والصين استغلال موارد العراق النفطية”، لافتةً إلى أن موسكو وبكين أصبحتا الموردتَين الرئيسيتين للسلاح إلى بغداد.
ويتكرر الخطأ نفسه في سوريا، فرغم إنفاق الولايات المتحدة مليارات الدولارات في البلاد، مثلما فعلت في أفغانستان والعراق، إلا أنها فشلت في أن تدرك أن جهودها في بناء الدولة السورية تذهب أدراج الرياح، بحسب المجلة، التي أوضحت أن الحقائق الإثنية والقبلية والدينية الموجودة على أرض الواقع، بالإضافة إلى وجود قوى إقليمية مثل روسيا وتركيا وإيران، كلها أسباب حالت دون أن تكلل جهود واشنطن بتأسيس دولة كردية في المنطقة تكون صديقة لها.
وقالت المجلة إن “واشنطن تبرر بقاءها في سوريا بحجة عودة تنظيم داعش إلى هناك مرة أخرى، إلا أن عودة التنظيم مستبعدة بسبب التغيرات الجيوسياسية في المنطقة”، موضحةً أنه بدعم من موسكو، سيطر رئيس النظام بشار الأسد على معظم المناطق الواقعة غربي نهر الفرات. بدورها، أظهرت تركيا نفسها كقوة عسكرية بشن أو تسهيل القيام بعمليات عسكرية ناجحة في شمالي العراق وليبيا وجنوب القوقاز وشمالي سوريا، أما إيران فقد أثبتت بفضل اعتمادها على وكلائها في المنطقة أنها ستظل قوة عسكرية وسياسية مؤثرة في سوريا والعراق.
لذا، أشارت المجلة إلى أنه في حال ظهور تنظيم داعش مرة أخرى، فإنه سيمثل مشكلة لكل من تركيا وسوريا وروسيا وإيران أكثر منها معضلة للولايات المتحدة، مضيفةً أن المنطقة لها من الوسائل ما يجعلها قادرة على التصدي له.
وتابعت المجلة أنه “فيما يواصل بعض المسؤولين الأميركيين القول إن إقامة دولة كردية يمكن أن تخدم مصالح إسرائيل ضد إيران والتهديدات الإقليمية المحتملة الأخرى، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، تُبدي ترددها في إفساد التوازن الذي حققته مع إيران”.
ويقول الباحث في معهد “نيولاينز” نيكولاس هيراس بعد حديث أجراه مع قادة “قسد” في سوريا: “هناك قلق عميق داخل قسد من استخدامها من قبل واشنطن لمواجهة إيران في سوريا، في الواقع، عندما تسوء الأمور بالنسبة لأكراد سوريا، تلجأ وحدات حماية الشعب الكردية إلى أحضان بشار الأسد الموالي لإيران، من أجل بقائها”.
“المدن”