هي حرب عالمية تقع على مرمى حجر من المشرق العربي، وربما تنتقل الى قلب هذا المشرق، حيث تنتشر قوات أميركية وروسية في مواقع لا تفصل بينها سوى كيلومترات قليلة، وتتحرك دوريات عسكرية من الجانبين، لا تفصل بينها سوى أمتار معدودة، ما تسبب في تصويب الاسلحة وتبادل الشتائم وأحيانا التدافع والتضارب بالايدي، على مرأى ومسمع من مواطني الشرق السوري.
الجبهة الاوكرانية في حالة غليان: حشود عسكرية متبادلة مع الروس في اقليم دونباس، وحشود أميركية وأطلسية في البحر الاسود.. والخبراء العسكريون من الجانبين يجوبون أراضي أوكرانيا، وينتظرون الاوامر ببدء الهجوم، الذي يبدو أنه ينتظر الطقس المناسب. وبين الحين والآخر تبلغ حرب الاعصاب والارادات حد التلويح بالسلاح النووي.
لم يكن أحد يريد هذه الحرب، المرتقبة بين لحظة وأخرى. لكن الظروف باتت مناسبة لإشعالها. تدرجت الوقائع منذ العام 2014 عندما أعلنت روسيا، بوكالتها التاريخية عن الاتحاد السوفياتي ضم شبه جزيرة القرم، رداً على محاولات فصلها عن مجالها الحيوي الاهم، وعمقها الاستراتيجي الاقوى، أوكرانيا، بعد ثورة خضراء، إستدعت وأغرت الغرب بالاقتراب من الحدود الجنوبية الروسية، والإنتشار في البحر الاسود، الذي تحول في الاشهر القليلة الماضية الى بقعة مياه عسكرية أطلسية.
تكررت الحوادث بين القطع الحربية في ذلك البحر، وأطلق النيران التحذرية المتبادلة أكثر من مرة. لم يتراجع الروس داخل حدودهم، ولم يخطئوا في إنتهاز الفرصة: التحرك نحو نزع الغطاء الاطلسي عن أوكرانيا، حتى ولو كلف ذلك إشعال حرب. الذريعة متوافرة، لم تلتزم كييف باتفاقات اقليم دونباس في الشرق الاوكراني الذي تسكنه غالبية روسية. والنتيجة 150 الف جندي روسي يتمركزون الآن على حدود ذلك الاقليم، يقابلهم نصف هذا العدد من الجنود الاوكرانيين الذين أرسلوا على عجل خلال الايام القليلة الماضية، بطلب من الخبراء الاميركيين والاطلسيين.
الاسلحة النووية جاهزة، لدى الحشود المتبادلة، سواء على البر الروسي او في مياه البحر الاسود.والقمة الاخيرة بين الرئيسين الاميركي دو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، لم تخفف التوتر ولم توقف الاستنفار العسكري. حصل العكس تماماً. التلويح بالعقوبات القصوى، لم ولن تفهمه موسكو سوى ضوءٍ أخضر لغزو أوكرانيا.. أو على الاقل لإختبار إرادة واشنطن وحلف الاطلسي والحد الذي يمكن ان يبلغه في حماية كييف.
الفرصة ذهبية لموسكو: لا أحد في واشنطن ولا في العواصم الاوروبية الغربية، يريد التورط في حرب مع روسيا، ولا التعرض للبرد القارص جراء إنقطاع إمدادات النفط الروسية لموسكو ، مقابل صون أوكرانيا والدفاع عن حق شعبها بالتطلع الى الانتماء للمعسكر الغربي. يمكن لهذا الحق أن ينتظر مناسبة أخرى، لكن الآن وقت الحؤول دون توسع النفوذ الروسي وكبح جماح قبطان جامح مثل بوتين، يزعم أنه وريث الزعماء السوفيات وحارس تركتهم.
لن يتردد بوتين في غزو أوكرانيا، إن لم يكن هذا الشتاء، ففي الربيع المقبل، طالما أن الأمر لن يكلفه سوى التعرض لبعض الطلقات التحذيرية والمزيد من العقوبات الاقتصادية..وربما أيضا لبعض التحديات الاميركية والاطلسية لمناطق نفوذه الدولية. لكنه قد يكتفي، كما فعل في الماضي، باختبار القوة الروسية في كييف نفسها، عبر تغيير واجهة السلطة الاوكرانية مجدداً.
هي حرب عالمية فعلية، لا تستثني من دول العالم، سوى الصين. أما بقية البلدان، فإنها ستضطر الى الاختيار بين أحد المعسكرين، وستكون مدعوة لتشهد على مواجهات أميركية روسية حادة، تختلف عن تلك التي يشهدها الاشقاء السوريون بين الحين والآخر في الشمال الشرقي من بلدهم.. والتي تذكرهم دائماً بأن روسيا لم تكن لتغزو سوريا في العام 2015 إلا لكي تحمي توسعها في اوكرانيا وشبه جزيرة القرم، في العام 2014، وبأن أميركا لن تكون مستعدة سوى لخوض المعارك بالأيدي والألسن مع الروس، قبل ان تغادر البحرين الاسود والابيض الى غير رجعة.
“المدن”