بعد حرب عام 1973 قرر الرئيس السوري حافظ الأسد بأن سوريا ملزمة بتحقيق “توازن استراتيجي” مع إسرائيل. فكونه نسبت لإسرائيل قدرة نووية، قرر الأسد بناء قدرة غير تقليدية أخرى – سلاح كيماوي. وفي التسعينيات من القرن الماضي، حققت سوريا مطلبها. كان لديها كميات هائلة من السلاح الكيماوي، وصواريخ سكاد.
كانت معظم هذه الترسانة محمية جيداً في أنفاق تحت أرضية. إضافة إلى ذلك، تزود الجيش السوري أيضاً بسلاح كيماوي تكتيكي – قذائف كيماوية يمكن إطلاقها بالمدفعية. بتعبير آخر، كان لسوريا قدرة عملياتية عالية في هذا الموضوع الحساس. كان الأسد الأب رجلاً حذراً، ولم تخش إسرائيل هجوماً كيماوياً مبادراً إليه من سوريا ضدها، ولكن بالتوازي كان هناك تقدير لتهديد سوري باستخدام هذا السلاح في سيناريوهات متطرفة.
قبل نحو ثماني سنوات، اضطرت سوريا لنزع سلاحها الكيماوي. كانت هذه نتيجة اتفاق أمريكي روسي اضطر بشار الأسد لإطاعته. وبالمناسبة، كان هذا الإنجاز نتيجة تهديد أمريكي للهجوم على سوريا بعد استخدامها للسلاح الكيماوي ضد مواطنيها. وكان في ذلك تلميح أو درس واضح لإيران.
على افتراض أن إسرائيل بالفعل هاجمت مواقع السلاح الكيماوي في سوريا، فهناك ستة مفاهيم مهمة: الأول، الأسد غير مستعد للتخلي عن هذا السلاح، الذي أثبت نجاعته المخيفة ضد المواطنين. الثاني، الأسد، مثل أبيه، غير مستعد للتنازل عن رؤية الوصول إلى ذاك التوازن الاستراتيجي (الردع المتبادل) حيال إسرائيل. الثالث، بخلاف التسعينيات، حين سلمت إسرائيل بحكم الأمر الواقع بتسلح سوريا بمثل هذا السلاح، تجدها هذه المرة مصممة على منع ذلك، سواء في ضوء شخصية الرئيس السوري أم بسبب الخوف من تسرب مثل هذا السلاح إلى ميليشيات متطرفة. الرابع، أن لإسرائيل نجاحاً كبيراً في منع التموضع الإيراني في سوريا. قبل سبع سنوات، اعتقدت إيران حتى 2021 بأنها ستنجح في تثبيت ميليشيا شيعية مسلحة في سوريا تشبه “حزب الله” في قدرتها. وهذا لم يحصل.
بسبب الفجوة الكبرى التي تشكلت في المصالح بين إيران من جهة وسوريا وروسيا من جهة أخرى، في السنوات الأخيرة، نشأ تفاهم بين إسرائيل وروسيا، وبموجبه نهاجم نحن أهدافاً إيرانية في سوريا، ولكننا نجتهد ألا نهدد أهدافاً استراتيجية للأسد. أما الهجمات الموصوفة هنا فلا تتطابق مع هذه السياسة، ومع أنه يمكن الافتراض بأن سوريا عرفت كيف تحتويها، وعلينا ألا نستنتج من ذلك أنه يمكنها الوقوف جانباً إذا ما هاجمنا أهداف حكم أخرى.
المفهوم الخامس والأهم يتعلق بموقف روسيا، التي كانت شريكاً في الاتفاق الأمريكي الروسي بشأن تدمير السلاح الكيماوي السوري. فهل معنية روسيا الآن بأن يكون لسوريا سلاح كيماوي أم لا؟ بقدر ما هو السلاح الكيماوي مهم للأسد، لكنه غير ذلك للروس، وهذا يسهل على إسرائيل مواصلة العمل لمنع وجوده في سوريا، وطالما كنا نهاجم أهدافاً إيرانية، بما في ذلك سلاح “حزب الله”، فروسيا لا تعارض بل وتسمح لإسرائيل بمجال عمل واسع. والمفهوم السادس يفيد بأن نشر هذا النبأ يشكل رسالة غير مباشرة لكل من يشارك في محادثات النووي مع إيران؛ بأن إسرائيل لن تستبعد عملاً عسكرياً ضد سلاح تقليدي، حتى وإن كان في إيران.
بقلم: غيورا آيلند
يديعوت 15/12/2021
“القدس العربي”