في المجال الأخلاقي، هناك تمييز بين ما له قيمة بذاته، كالصدق والعدل، وما تتوقف قيمته على غيره كالتسامح. ففي حين أن العدالة بحد ذاتها ومن حيث المبدأ، قيمة إيجابية، فإن التسامح ليس إيجابيًّا أو سلبيا بالضرورة، بل يستمد قيمته من مدى اتساقه مع قيم أخلاقية (أصيلة) أخرى، كالعدالة.
وقد علمتنا الثورة (السورية) أن المشاركة في الثورة على المستبد الظالم ليست إيجابية بالضرورة، إلا بقدر سعيها إلى زوال الاستبداد وتحقيق العدل. ومعارضة الأسدية ليست إيجابية إلا بقدر تناقضها، لا تماثلها، معها. فليس هناك قيمة إيجابية في معارضة داعش، الفعلية أو المزعومة، للأسد، بقدر تحليها بسمات أسدية.
قرأت كثيرا من المديح لسيد القمني، لكونه منتقدا شرسا للإسلامويين والإسلاميين، وحتى للإسلام ذاته وعامة المسلمين، لكن كثيرين أشاروا بحق إلى أن أخلاقيات اختلافه مع الإسلامويين/ الإسلاميين لم تكن تقل سوءا (كثيرا) عن أخلاقيات اختلاف بعضهم معه، وأنه كان من “التنويريين” المتحالفين مع الاستبداد تحالفا، مباشرا أو غير مباشر، من خلال تبني نزعة ثقافوية ترى في الإسلام والثقافة الإسلامية المشكلة الحقيقية والأكبر وترى في الاستبداد السياسي مجرد نتيجة للدين الإسلامي والثقافة الإسلامية، أو مجرد مشكلة ثانوية يمكن بل يجب تأجيل مواجهتها والتفرغ ل “أم المعارك وأبيها” المعركة مع الثقافة الإسلامية.
فكر سيد القمني “التنويري” يتضمن ما هو مهم ومثير للتفكير، لكنه مغمس بالكثير الكثير مما يجب تجنبه والحذر منه.
التنوير، بهذا المعنى، قد يكون جزءا من المشكلة أكثر من كونه جزءا من الحل (المنشود).
قيل: احذر عند مواجهة للغول من أن تصبح غولا مثله
“مجلة القبضة”