شكّل بيان وزارة الخارجية اللبنانية وتصويت لبنان إلى جانب قرار الأمم المتحدة بإدانة روسيا مفاجأة لحزب الله وحلفاء إيران وسوريا في الداخل.
بيروت ـ «القدس العربي»: سيبقى موقف لبنان الرسمي من الحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا محور تجاذب داخلي بين معارض لإجتياح دولة كبرى جارتها الصغرى وبين مؤيد أو عدم ممانع لخطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يطيب للبعض من جمهور الممانعة في سوريا ولبنان أن يناديه «أبو علي بوتين» تحبباً وللدلالة على صموده وشجاعته بعد وقوفه إلى جانب النظام السوري ورغبته في كسر الاحادية التي تمثّلها الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد شكّل بيان وزارة الخارجية اللبنانية وتصويت لبنان إلى جانب قرار الأمم المتحدة بإدانة روسيا مفاجأة لحزب الله وحلفاء إيران وسوريا في الداخل، ولم يتردّد أحد وزراء الحزب بإثارة المسألة في مجلس الوزراء وانتقاد «الانحياز» الذي لا يقدم ولا يؤخر كما قال، وذلك عطفاً على انتقاد قيادات في الحزب مثل هذه المواقف الرسمية التي «لن ترضي من يطلبون رضاهم ولن يحصلوا من هذا الانبطاح إلا على هدر كرامتهم وماء وجههم».
أكثر من ذلك، بدا وكأن بعض الأطراف في لبنان يراهنون على من ينتصر في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا لتوجيه رسائل لبعضهم البعض، والرسالة الأكثر وضوحاً عبّر عنها عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله الذي قال لحلفاء واشنطن في بيروت إن «الذين يراهنون ويتوهّمون في لبنان أنهم يستطيعون أن يستندوا إلى الدعم الأمريكي لإحداث تغيير سياسي، إنما يعيشون في أضغاث أحلام، فأمريكا قد تتخلّى عنهم في أي لحظة، وبالتالي فإننّا ندعوهم إلى أن يعودوا إلى لبنانيتهم وانتمائهم الوطني، وإلى شركائهم في الوطن، وأن لا يراهنوا مرة أخرى على الإدارة الأمريكية».
أما خصوم حزب الله فيشيدون بالمقاومة والعنفوان والكرامة الوطنية التي يجسّدها الشعب الأوكراني، ويعتبرون أنها أعادت المعنى الحقيقي للمقاومة الوطنية التي تنبع من قلب الشعب ومن داخله ولا تُفرَض فرضاً عليه. ويوسّع هؤلاء دائرة الانتقاد ليطالوا رئيس الجمهورية ميشال عون من خلال الإشادة بصمود وجرأة الرئيس الأوكراني الذي لم يهرب إلى سفارة كما فعل في رأيهم رئيس الحكومة العسكرية وقائد الجيش آنذاك العماد عون إلى السفارة الفرنسية.
وتوقّف أفرقاء في قوى 14 آذار/مارس سابقاً عند ما أعقب اتصال رئيس النظام السوري بشار الأسد بالرئيس الروسي حيث اعتبر أن «ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي» واستحضروا المقولة القديمة التي تعتبر لبنان أو قسماً من أراضيه جزءاً من ولاية دمشق ليسألوا إن كان ما زال لدى النظام السوري نية مبيّتة لتصحيح ما يعتبره خطأ تاريخياً مع لبنان من خلال فصل مناطق لبنانية كالبقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا عن الولاية عام 1920 نتيجة الوفود اللبنانية إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 وخصوصاً الوفد الثاني الذي ترأسه البطريرك الماروني الياس الحويّك في 3 آب/أغسطس حيث قدّم مذكرة تطالب بالاعتراف باستقلال لبنان وإعادته إلى حدوده التاريخية والطبيعية وإرجاع الأراضي التي سلختها السلطنة العثمانية، وكانت النتيجة إعلان دولة لبنان الكبير في 1 ايلول/سبتمبر 1920.
وقد جاء غزو بوتين لأوكرانيا ليعيد العالم إلى الوراء وليولّد نقزة لدى الدول الصغيرة من الدول الكبيرة والمستقوية التي قد تلجأ إلى أي خطوة من دون احترام سيادة جارتها وحرية شعبها في تقرير مصيره، وهذا ما يفسّر موقف لبنان الذي لم يكن موجهاً حصراً ضد روسيا بل كان موقفاً مبدئياً ضد دخول قوات دولة إلى حدود دولة أخرى ولاسيما «أن تاريخ لبنان شهد اجتياحات عسكرية لأراضيه، ألحقت به وبشعبه أفدح الخسائر التي امتد أثرها البالغ لسنوات طويلة على استقراره وازدهاره».
ومن المعروف أن وجه الشبه ينطبق على لبنان وأوكرانيا بالنسبة إلى لعنة الجغرافيا التي كانت سبباً في وقوع البلد الصغير بين دولة محتلة ومتغطرسة في الجنوب وبين دولة جارة يُفترض أنها شقيقة لكن أحلامها التوسعية كبيرة. وإذا كان «أبو علي بوتين» استخفّ بقدرة الشعب الأوكراني على المقاومة، كذلك إسرائيل استخفّت بقدرة الشعب اللبناني على المقاومة وتحرير الأرض، ومثلها استخّف نظام الأسد بقدرة الشعب اللبناني على المقاومة ورفض الوصاية على الرغم من الاغتيالات والتفجيرات والقصف المدمّر الذي لم يكن يقلّ عن القصف الروسي للأراضي الاوكرانية بهدف الضغط واخضاع اللبنانيين الرافضين أي احتلال غريب لوطنهم.
ومن وجوه الشبه وجود انفصاليين في أوكرانيا مؤيدين لروسيا رغم قلّة عددهم نسبة إلى المتمسكين باستقلال وسيادة بلدهم تماماً كما هو حال بعض اللبنانيين حالياً، إذ هناك مؤيدون لإيران وسوريا ورافضون أي تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في مقابل وجود شرائح لبنانية واسعة رافضة استبدال نظام الوصاية السورية بوصاية إيرانية جديدة من خلال حزب الله وتدعو إلى حياد لبنان عن الصراعات العسكرية ولعبة المحاور في المنطقة. وهكذا يختلف كثير من اللبنانيين مع لبنانيين آخرين على لائحة الأعداء وعلى هوية البلد، ويعتبر كل فريق أنه هو من يدافع عن السيادة والحرية.
هل يعيد التاريخ نفسه في لبنان ويخرج رئيس متهوّر لإحياء أمجاد قديمة على غرار ما يطمح إليه بوتين من مغامرات عسكرية ومشاريع توسعية متخطياً الخطوط الحمر؟
يبدو الأمر متوقفاً على نتيجة الحرب في أوكرانيا وقدرة بوتين على الانتصار لأن النتيجة إما تفتح الشهية أمام أكثر من دولة لحذو حذو روسيا وهو ما تحاول طهران القيام به عبر أذرعها العسكرية في المنطقة ومن بينها حزب الله في لبنان، وإما ترتدع هذه الدول أمام موقف المجتمع الدولي وبالأخص أمام صمود الشعب التوّاق إلى الحرية والرافض أي استسلام.
“القدس العربي”