تؤكد باحثة ومحاضرة إسرائيلية في جامعة تل أبيب، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يبحث عن ماضي مصر الفرعوني واستنساخه، وسط طمس ملامحها العربية الإسلامية، في محاولة للحصول على الشرعية لحكمه الاستبدادي.
وفي مقدمة مقالتها، تستذكر الباحثة الدكتورة ميرا تسوريف تسليم، في مركز “ديان” لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، أن وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد خلال زيارته مصر في التاسع من ديسمبر/ كانون أول 2021، أعاد بعض التحف الأثرية الفرعونية المسروقة. وقد وجد ذلك صدى واسعا في الصحافة المصرية.
وتحلل تسوريف في مقال نشرته مجلة “مفرق الشرق الأوسط” أهمية ومركزية التاريخ الفرعوني في مصر الراهنة، وتعاين كيف تخدم الهوية المصرية الفرعونية مصالح السيسي. وتقول أيضا إن صحيفة “هآرتس” العبرية قالت وقتها نقلا عن قصر الرئاسة المصرية أن القاهرة تبذل مساعي لتحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط على أساس تسوية الدولتين إلى جانب الجهد المبذول لإعادة إعمار قطاع غزة ومنع التصعيد”. وتتابع: “على هامش هذا الحديث ذكرت عملية إعادة التحف الأثرية المسروقة إلى مصر بعد ضبطها في 2014 وذلك كإكرامية خاصة بهدف تعزيز العلاقات بين إسرائيل وبين مصر”.
بحث محموم عن الماضي المصري القديم
وتنبه تسوريف إلى أن ظاهرة الاهتمام بالأثريات ليست حصرية على مصر وبدايتها في الغرب، وبلغت ذروتها في القرن التاسع عشر، وانعكست في مذكرات الانتداب عام 2019. وتؤكد الباحثة الإسرائيلية أن البحث المحموم عن الماضي الفرعوني لم يخدم فقط الدولة العظمى الاستعمارية بل خدمت الحركة الوطنية المصرية في نضالها ضد الاحتلال البريطاني. وتقول إن الكشف عن التاريخ الفرعوني كان يهدف لمساعدة أوساط وطنية مصرية في عماية استدعاء وإحياء الأمة نحو تحقيق حلمها المستقبلي. وتزعم أن الرئيس الأمريكي الراحل ودرو ويلسون، أجّج التوتر بين الأطماع الاستعمارية والرغبة بعولمة مقدرات تاريخية، وبين طموحات قومية تدعي حيازة الماضي القديم وتعتبره الفترة الذهبية للأمة المصرية التي ينبغي استنساخها وتكرارها، وذلك من خلال خطة النقاط الـ14 التي تتضمن التأكيد على حق تقرير المصير.
وتوضح تسوريف أن توالي الأحداث التي حصلت عام 1922 بين إعلان مصر استقلالها من طرف واحد، وبين اكتشاف قبر توت عنخ آمون، قد عزّز الرابطة مع الماضي الفرعوني التي تنعكس في مجالات كثيرة: الحجيج لآثار هيكل الكرنك وقبور الفراعنة في وادي الملوك، رحلات إلزامية للتلاميذ للمواقع الأثرية، تضمين نصوص فرعونية المناهج التعليمية، تزيين مؤسسات جماهيرية برموز فرعونية، ومنح أهالي مصريين أقباطا ومسلمين على حد سواء أسماء فرعونية مثل رمسيس وآتون.
عهد عبد الفتاح السيسي
وترى الباحثة الإسرائيلية أن فترة حكم عبد الفتاح السيسي هي فترة فرعونية من نواح كثيرة، وتقول إنه طيلة سبع سنوات سيطرته على السلطة، حرص على تعزيز الهوية الفرعونية ويكرّس موارد كثيرة لها. وتستذكر افتتاح متحف مصري جديد في شرم الشيخ عام 2010 لعرض التاريخ المصري، منوهة الى أن المتحف هو موقع للذاكرة ووكالة ثقافية عبر الموجودات المعروضة فيه. وتقول إن مثل هذا المتحف هو جزء الحاضر لا الماضي، كونه يساهم في هندسة وتصميم الهوية الثقافية والاجتماعية المعاصرة في مصر من خلال مهندسي ثقافة ووعي هم رسل للطبقة المهيمنة الحاكمة. كما تقول إن المعروضات الأثرية المصرية داخل المتحف المصري في شرم الشيخ تبرز التراث الفرعوني وتراث حوض البحر المتوسط المصري، وسط تقزيم للموروث العربي- الإسلامي. وتشّدد على أن ذلك يتطابق مع الهوية الفرعونية التي يرعاها عبد الفتاح السيسي بمثابرة.
وتضيف: “كذلك كان العام 2021 ذروة من ناحية الاستثمار في صياغة الهوية الفرعونية وكان أبريل/ نيسان شهرا من ذهب دون شك”.
وتقول إنه في الثالث من نيسان/ أبريل الماضي، اختار النظام المصري تدشين وافتتاح المتحف القومي الجديد في “الفسطاط” بتكلفة ملياري جنيه مصري. وتضيف: “في افتتاح الحدث بحضور السيسي تحت عنوان: موكب الموميات الملكية، تم نقل 22 مومياء من ميدان التحرير إل مقرها الجديد. وقد كلفت الاحتفالية المبهرجة ميزانية طائلة شارك فيها آلاف ممن ارتدوا الزي الفرعوني اصطفوا حول مراكب كانت تقل المومياوات تم تصميمها على شكل قوارب في نهر النيل.
وعشية هذه الاحتفالية، أعلن وزير المالية المصري أن وزارته ستصك ورقة نقدية من فئة المئة جنيه تحمل صورة مسيرة الذهب الفرعونية. وفعلا هذا ما حصل، وقد طبع عليها اسم المهرجان بالعربية والإنكليزية وصور رموز فرعونية. وتقول أيضا إن زوجة السيسي، انتصار، نشرت منشورا في صفحتها في الفيسبوك أشارت فيه للحدث التاريخي الذي يعكس عظمة الحضارة الفرعونية ومساهماتها للبشرية في الماضي والحاضر على شكل تراث مميّز ومتنوع تلعب دورا في تطورها وازدهارها.
المسيرة الفرعونية الذهبية
وتقول الباحثة الإسرائيلية إن القنوات التي بثّت المسيرة الفرعونية الذهبية قبل نحو عام، أبحرت في وصفها وكيْل المديح للثقافة الفرعونية، وشددّت على أن مصر هي عرش الحضارات وفيها ولد التاريخ والحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين. وتضيف الباحثة: “من جهة الشعب المصري الذي ملأ الشوارع حيث مرت المسيرة الفرعونية، كان هذا الحدث نوعا من الهروب من مشاغل اليوم. بعد أيام نشرت وسائل الإعلام المصرية بتوسّع عن اكتشاف “مدينة الذهب المفقودة” في الأقصر التي تأسسّت على يد الملك الفرعوني أمنحوتوب الثالث، واعتبرت مركزا حضريا جوهريا حتى في أيام أخناتون”.
الباحث الأثري المصري البارز زاهي حواس، الذي أشغل وزارة الآثار حتى تموز 2014، عبّر عن الاعتزاز القومي بإعلانه أن بعثات أجنبية بحثت عن المدينة المفقودة دون جدوى بينما الباحثون المنقبون المصريون شرعوا في التنقيبات في سبتمبر/ أيلول 2020، ونجحوا في الكشف عن المدينة خلال سنة واحدة. وتشير تسوريف لاحتفال مصر هذا العام ببدء العام 6262 في التقويم المصري القديم رغم أنه ليس التقويم المصري الرسمي وإلى تضمين الرزنامة المصرية الرسمية مناسبات وشخصيات وأحداث تاريخية.
أطماع وأحلام السيسي
وترى الباحثة الإسرائيلية أن تنمية الهوية الفرعونية تخدم أجندة عبد الفتاح السيسي فهو يقود المعركة على الوعي ضد عدو النظام الحاكم خاصة “الإخوان المسلمون” ممن يتعامل معهم السيسي كـ”أعداء الأمة” وهم من طرفهم ردوا عليه بنعت ساخر”نفرسيسي” وهم اسم مركب يدمج اسم الملكة الفرعونية “نفرتيتي” وعبد الفتاح السيسي، وهو نعت يضعه خارج الموروث العربي- الإسلامي وكجزء من التراث الفرعوني الجاهلي.
وتتابع: “هذه الهوية الفرعونية التي يرعاها السيسي كمحاولة لتبرير الزعم بأن الحصول على حكم فعال مجد يلزم بنظام حكم مركزي وواسع الصلاحيات على غرار الآباء الفراعنة وبالتالي منح الشرعية لحكمه الاستبدادي”.
وترى الباحثة الإسرائيلية أن الهوية الفرعونية هذه تمنح الصلاحية للسياسات متوسطية التي ينتهجها السيسي على أساس أن المصريين القدماء نسجوا علاقات وثيقة مع بلدان حوض البحر المتوسط.
وتستذكر أن عميد الأدب العربي الراحل طه حسين سبق وعبّر عن ذلك بكتابه “مستقبل الثقافة في مصر”. وتخلص الباحثة الإسرائيلية للقول: “لا شك أن العلاقة بين مصر القديمة وبين بلدان الشرق الأدنى كانت علاقة طويلة وجريئة ودلالة ذلك أن العقلية المصرية منذ الأزل كانت تأثرت في البدء من البحر المتوسط. وتضيف: “كذلك الفرعونية تخدم مصر من ناحية وجهتها للخارج. فالسيسي يحاول موضعة مكانتها في الحلبة الدولية كدولة ذات حضارة مجيدة ساهمت في ازدهار الحضارة الإنسانية، وبذلك يسعى لإرسال رسالة قوة وعظمة من الناحية الثقافية والاقتصادية والسياسية، وتقزيم هوية مصر كدولة عالم ثالث. هذا ما يطمع به السيسي مثلما يطمع بدعم وتقدير الولايات المتحدة والغرب”.
“القدس العربي”