المصدر: هآرتس (تحليل)
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: تسفي برئيل
أدّى تصويت إسرائيل مع الولايات المتحدة على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واتهامات وزير الخارجية يائير لابيد بشأن جرائم الحرب الروسية إلى ردين غاضبين الأسبوع الماضي.
فلقد أصدرت وزارة الخارجية في موسكو بياناً شديد القسوة وصفت تصريحات لبيد بأنها “محاولة مُموّهة بشكل سيئ للاستفادة من الوضع في أوكرانيا لصرف انتباه المجتمع الدولي عن أحد أقدم النزاعات غير المُستقرة – النزاع الفلسطيني الإسرائيلي”.
وفي مقابلة على القناة 11 الإسرائيلية، وصف السفير الروسي في إسرائيل، أناتولي فيكتوروف، تصريحات لابيد بأنها لا أساس لها من الصحة، وقال: إنهم “كانوا يتوقعون «موقفاً أكثر توازُناً»، على الرغم من أن إسرائيل وروسيا ما زالا صديقين.
“ما زالا” هي الكلمة التي تضع إسرائيل في مُعضلة مُعقدة بشأن المسألة الأوكرانية. فتباطؤ إسرائيل قبل الانضمام إلى تصويت الجمعية العامة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا فاجأ وأثار غضب الناس في إسرائيل والولايات المتحدة.
إن لعب أدوار الوساطة التي يقوم بها رئيس الوزراء نفتالي بينيت وامتناع إسرائيل عن الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا يهدف إلى الحفاظ على “الصداقة” الإسرائيلية الروسية، وهي خطوة ضمنت حرية إسرائيل في العمل في سورية. لكن يبدو أن صبر روسيا بدأ ينفد.
بعد الضربات الجوية الإسرائيلية في سورية يوم الخميس، قال الأدميرال أوليغ زورافليف، القائد الروسي البارز في سورية: إن صاروخاً سوريّاً مُضاداً للطائرات اعترض صاروخاً إسرائيلياً. لقد صُنعت القذيفة السورية في روسيا وبِيعت لسورية كجزء من صفقة أسلحة عام 2007.
الإعلان عن عملية الاعتراض من قِبل مسؤول روسي رفيع هو أكثر من مجرد تلميح إلى أن موسكو قد تُعيد النظر في سياسة “الأجواء المفتوحة” التي منحتها لإسرائيل.
إن هذا البيان يُضاف إلى تصريحات للسفير الروسي في سورية، ألكسندر إيفيموف، في 24 آذار/ مارس، قال فيها: إن إسرائيل “تستفز” روسيا، التي قد تردّ على الهجمات الإسرائيلية التي تهدف إلى “تصعيد التوترات والسماح للغرب بتنفيذ أنشطة عسكرية في سورية”.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي لصحيفة “هآرتس”: “إسرائيل تحاول أن تتصرف بحذر -على حبل مشدود- لكنها لم تَعُد تتوخّى عدم إصابة أهداف حسّاسة لروسيا، مثل قواعد جيش النظام السوري. إنها أيضاً اعتبارات دبلوماسية.
“التنسيق الجوّي لم يضعف بعدُ. ولكن في الوقت نفسه، نُدرك أن الفترة الزمنية التي يمكن لإسرائيل أن تتصرف فيها بحُرّية تتقلص وقد نضطر إلى زيادة وتيرة الهجمات”.
وقد ظهر سبب مُلحّ آخر يدعو إسرائيل للقلق في الأيام الأخيرة. حيث أفادت تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي في سورية ووسائل إعلام عربية، بأن روسيا تقوم بتخفيض قواتها في سورية، ومن بينهم مئات المرتزقة من مجموعة “فاغنر”، لتعزيز وجودها في أوكرانيا. ويتم استبدال الجنود الروس المُنسحبين بالإيرانيين والميليشيات الموالية لإيران.
وهكذا، وُضِع اللواء 47 المُدرّع السوري تحت القيادة الإيرانية في الجزء الجنوبي من منطقة حماة غرب وسط سورية. وفي قاعدة اللواء، التي يوجد بها أيضاً مركز تدريب، وصلت حوالَيْ 40 مركبة عسكرية الأسبوع الماضي بالإضافة إلى حوالَيْ 17 شاحنة بيك آب مزودة بمدافع رشاشة، بعضها يديرها مقاتلو حزب الله.
إن عدد القوات الإيرانية في سورية لم يتغير نتيجة هذه التحركات، ولا التهديد لإسرائيل، ولكن العنصر الجديد هو الحرب في أوكرانيا، والتي يمكن أن تجعل الوجود العسكري الإيراني عاملاً أكبر في صنع القرار في سورية.
لقد جاء الانتشار الإيراني الجديد بطلب من رئيس النظام السوري بشار الأسد وبموافقة روسيا، الأمر الذي يعكس اعتماد النظام السوري على الإيرانيين لسدّ الفجوة التي خلّفتها القوات الروسية. في الوقت نفسه، في أوكرانيا، تستخدم روسيا مقاتلي الميليشيات السورية الذين كانوا يساعدون القوات الروسية في إدارة المدن والبلدات السورية حيث تمّ التوصّل إلى وقف إطلاق النار من خلال تدخُّل موسكو.
من المُعتقد أنه كلّما طال أمد الحرب في أوكرانيا، كلّما احتاجت روسيا إلى “متطوعين” من الدول المجاورة، بالطريقة التي تمّ بها جلب القوات الشيشانية والبيلاروسية وغيرها. وقد تضطرّ روسيا إلى تقليص وجودها في سورية.
اعتمد التنسيق العسكري الروسي الإسرائيلي في سورية على المصلحة المُشتركة المُتمثّلة في منع إيران من ترسيخ موطئ قدم لها في الجارة الشمالية لإسرائيل. ففي إيران، يتم الآن انتقاد هذه “التفاهمات”. وقد شجب المشرعون ووسائل الإعلام الإيرانية روسيا، بما في ذلك حربها في أوكرانيا.
الغضب ليس فقط بسبب سماح روسيا لإسرائيل بمهاجمة أهداف إيرانية وقوافل أسلحة في طريقها إلى حزب الله، ولكن أيضاً على تهميش إيران اقتصادياً في سورية واستيلاء موسكو على حقول النفط السورية. كما طالبت روسيا
الولايات المتحدة بإعفائها من العقوبات المفروضة على صفقات مع سورية في حال تجديد الاتفاق النووي الإيراني، مما أثار غضب إيران التي تقول: إن هذا الطلب يأتي على حساب إيران.
يمكن أن تؤدي التوترات بين إيران وروسيا إلى توسيع التفاهمات بين روسيا وإسرائيل. علاوة على ذلك، لا يوجد لدى إيران ردّ جوّي على الهجمات الإسرائيلية. لكن كلّما زاد اعتماد النظام السوري على القوات الإيرانية بسبب انسحاب القوات الروسية، زاد احتمال مواجهة إسرائيل لقواعد جديدة للعبة.
“نداء بوست”