قالت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة أمس الخميس إن هجوماً جديداً تهدد تركيا بشنه في شمال سوريا سيتسبب في أزمة إنسانية ويقوض حملتها ضد تنظيم الدولة.
وناشد مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية كل الأطراف «منع أي مآس جديدة ودعم خفض التصعيد» محذراً من أن هجوماً جديداً من شأنه أن يؤدي إلى موجات نزوح جديدة في الصراع السوري المستمر منذ 11 عاماً.
وأعربت واشنطن عن قلقها قائلة إن أي هجوم جديد سيعرض القوات الأمريكية التي لها وجود في سوريا للخطر ويقوض الاستقرار الإقليمي.
وأثناء زيارة لبلدة هاتاي التركية بالقرب من الحدود السورية الخميس، أكدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة مجدداً معارضة واشنطن لأي عمل عسكري.
وقالت ليندا توماس جرينفيلد «تواصلنا مع الحكومة التركية. أشرنا إلى معارضتنا لأي قرار بالقيام بعمل عسكري على الجانب السوري من الحدود. نعتقد أنه لا ينبغي فعل أي شيء يمثل خرقا لخطوط وقف إطلاق النار القائمة بالفعل».
عنف وموت
وقال مجلس منبج العسكري المتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية إن أحد مقاتليه لاقى حتفه الخميس أثناء صد محاولة تسلل من قبل مقاتلين مدعومين من تركيا. وقال المتحدث باسم المجلس شرفان درويش لرويترز في تسجيل صوتي إن فردين قتلا من القوات المهاجمة.
ولم يصدر تعليق فوري من الجماعات المدعومة من تركيا في المنطقة. ولم يتسن لرويترز التأكد من حدوث الواقعة عبر مصادر مستقلة.
وقال الجيش الوطني السوري، وهو قوة معارضة سورية مدعومة من تركيا، إن قوات سوريا الديمقراطية كثفت القصف على المناطق الخاضعة لسيطرته.
وقال الرائد يوسف حمود المتحدث باسم الجيش الوطني السوري لرويترز «نرد من مواقعنا والقواعد التركية في المنطقة تقصف مواقع وحدات حماية الشعب». فيما المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو منظمة مقرها المملكة المتحدة، أن ثلاثة مدنيين ومقاتلاً لاقوا حتفهم الأربعاء، في هجوم صاروخي على تل أبيض، وهي بلدة حدودية استولت عليها القوات التركية وحلفاؤها السوريون في توغل في عام 2019. وقال الجيش الوطني السوري المعارض إن قوات سوريا الديمقراطية هي التي قصفت تل أبيض.
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمردا ضد الدولة التركية منذ عام 1984 قتل فيه أكثر من 40 ألف شخص.
استهداف قاعدة تركية في منبج
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن قوات تابعة لـ «مجلس منبج العسكري» ، المنضوية في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، أحبطت عملية تسلل نفذتها مجموعات تابعة للجيش الوطني الموالي لتركيا في قرية المحسنلي بريف مدينة منبج الشمالي، شرقي حلب.
وقال المرصد ، الذي يتخذ من لندن مقراً له في بيان صحافي الخميس، إن اشتباكات عنيفة اندلعت بين الطرفين، لترد قوات «مجلس منبج العسكري» باستهداف قاعدة عسكرية للقوات التركية في قرية حلونجي شمالي مدينة منبج، وسط قصف متبادل بين الطرفين بالقذائف الصاروخية، دون ورود معلومات عن حجم الخسائر.
ولفت إلى تحليق ست مروحيات روسية في أجواء مناطق انتشار القوات الكردية والنظام بريف حلب الشمالي، وصولًا إلى أجواء منطقة الشيخ نجار و المسلمية وأخيرًا باتجاه مطار كويرس العسكري.
وكان المرصد أشار أمس إلى أن مدرعة عسكرية روسية تجولت في مناطق كفرناصح وكفرنايا بمحيط تل رفعت شمال مدينة حلب، والتي تتواجد ضمنها القوات الكردية وقوات النظام.
وكشف المرصد عن قصف تركي على قرى تقع بريف الحسكة، طال ما لا يقل عن 13 قرية وبلدة ومزرعة شمال غربي الحسكة.
ومنذ إطلاق الجيش التركي أولى عملياته العسكرية في شمالي سوريا (درع الفرات) عام 2016 وضعت تركيا نصب أعينها السيطرة على المنطقة الحدودية من منبج ومنطقة تل رفعت الاستراتيجية.
وفي السابق، لعبت روسيا دوراً محورياً في إعاقة المخططات التركية السابقة للسيطرة على منبج وتل رفعت حيث يتمتع الجيش الروسي بالكلمة العليا في تلك المناطق.
ولا يعرف ما إن كانت أنقرة قد نجحت أو أنها ستنجح بالفعل في الأيام المقبلة بالتوصل إلى اتفاق مع الجانبين الروسي والأمريكي لمنع الاشتباك في تلك المناطق للبدء بتنفيذ العملية، أم أن أنقرة اتخذت قرارها بشكل قطعي بالبدء بالعملية حتى لو لم يتم التوصل إلى هذه التفاهمات لا سيما عقب تصريحات أردوغان وعدد من وزراءه بأن بلادهم «لا تحتاج لإذن من أحد» من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية التي تهدد أراضيها.
والثلاثاء، أكد أردوغان أن «إنشاء منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كم بات ضرورة ملحة»، وتعتقد أطراف تركية مختلفة بقدرة أنقرة على إقناع روسيا وأمريكا بإفساح المجال أمام قواتها للتحرك ضد الوحدات الكردية هذه المرة وذلك استناداً إلى الحسابات السياسية والعسكرية الجديدة التي فرضها الحرب في أوكرانيا لا سيما تزايد المصالح التركية الروسية إلى جانب رغبة واشنطن في ترغيب تركيا بدعم طلب قبول فنلندا والسويد في حلف الناتو وذلك من خلال إبداء تفهمها لحاجة أنقرة لمحاربة التهديدات الإرهابية ضد أراضيها.
وفي الوقت الذي تكرر فيه أنقرة الحديث عن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، يخيم شبح الاقتتال الداخلي بين فصائل «الجيش الوطني السوري»، وهي التشكيلات التي من المفترض أن تخوض المعركة المُرتقبة إلى جانب الجيش التركي، مما يطرح مزيداً من التساؤلات حول جاهزية تلك الفصائل ومدى إمكانية تنفيذ تركيا لتهديداتها المتكررة التي قليلا ما كانت تترجم لعمليات على الارض.
وبالتزامن مع تجديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، التهديدات ببدء عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، وقوله إن قوات بلاده ستطهر تل رفعت ومنبج من «الإرهابيين»، أرسلت حركة «أحرار الشام» رتلاً عسكرياً إلى منطقة العمليات العسكرية (غصن الزيتون) في عفرين، تحسباً لاقتتال مع الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني. وعلمت «القدس العربي»، أن مرد الخلاف هو انشقاق القطاع الشرقي التابع لحركة «أحرار الشام» عن «الفيلق الثالث» الذي تسيطر عليه «الجبهة الشامية»، وسط اتهامات لفصيل «جيش الإسلام» المنضوي في «الفيلق الثالث» بالتسبب في التوتر الأخير. وحسب المصادر ذاتها، لم تنجح جهود الوساطة في احتواء الخلاف حتى الآن، لمنع تطوره إلى اقتتال من شأنه زيادة الفوضى الناجمة عن الفصائلية، والتشويش على العملية العسكرية المُرتقبة.
الباحث في مركز «جسور للدراسات» وائل علوان، يقلل من فرص تحول التوتر الأخير بين الفصائل إلى جولة اقتتال جديدة، ويقول لـ»القدس العربي»: «رغم التجاذبات الفصائلية، إلا أن جهود الاحتواء تبقى كبيرة». ويستدرك بقوله: «لكن بالفعل البيئة العامة للفصائل العاملة ضمن الجيش الوطني السوري تبدو غير مناسبة للعملية العسكرية التي تقول تركيا إنها بصدد تنـــفيذها». ويقول علوان، إن التصريحات التركية تؤكد أن العملية لا زالت في إطار التصعيد والضغط السياسي. وفي السياق ذاته، يتحدث الباحث في الشؤون العسكرية، النقيب رشيد حوراني عن دور غير مباشر لـ»هيئة تحرير الشام» في التوتر الحاصل بين «الجبهة الشامية» وبين تيار داخل «أحرار الشام» يقوده حسن صوفان الموالي لـ»تحرير الشام» حسب قوله. وفي حديثه لـ»القدس العربي»، أوضح حوراني أن الفصائل لا زالت تعاني من غياب المؤسسة العسكرية المركزية في مناطق العمليات العسكرية في الشمال السوري، كما هو حال إدلب الخاضعة لسيطرة « تحرير الشام» بالكامل، ويقول إن الخلافات الفصائلية في المنطقتين الأخيرتين، تحولت إلى ظاهرة مؤرقة للجمـــيع.
“القدس العربي”