عندما يُجمِع القاصي والداني على صفرية نتائج ثماني جولات لـ”اللجنة الدستورية”، وهي المُنتَج الوحيد لمؤتمر “سوتشي”، فالأكيد أنها معطوبة البنية، ليس لصناعتها الروسية وحسب، بل للتوافق الإقليمي والدولي المبارِك لولادتها القيصرية، وجعلها بوّابة للحلّ التفافاً على الحلّ، إذ أُريدَ لها أن تكون “أركوزاً” للتسالي، إيهاماً بوجود عملية سياسية، وإبعاداً للنظر عن قرار مجلس الأمن 2254! ولكن.. أن يستمرّ الفاعلون بنفخ الروح فيها على عطبها وعيوبها، ويستمرئ-بعض السوريين- لعب دورهم المرسوم، ويصرّون على تسويغ تهافتهم، كأنهم مترفون، أو بُلَهاء، أو كُشِف لهم الحجاب، ورأوا تحقيقهم معجزات الغيب، فيبدّدون الوقت في ملهاة بلا نهاية!
لم يتغيّر شيء في ثامنة الجولات عمّا سبقها شكلاً، ذات الوجوه والأسماء والفاعلين والعناوين، أمّا الكلام الذي حُبّر على ورق- ولن يُقرأ- فصار إلى عناوين جديدة مدعاة لخلاف أعمق، وتضييع للمعالم بين كتابة دستور جديد، وبين فرض رؤية سياسية بلبوس دستوري لمقولات خرج السوريون ضدها، لغصبهم على الرضوخ عبر التسويف والتعطيل؛ تمريراً للوقت بانتظار تغييرات تغلق الملفّ، أو تَبدُّل في طرائق مقارباته، ويؤكّد ذلك بيدرسون في ختام الثامنة “لم يكن هناك تقدّم في المحتوى المتّفق عليه”، ويعبّر عن قلقه بأن “استمرار النقاش بهذه الوتيرة قد يتطلّب سنوات للنقاش حول المبادئ قبل أن نصل إلى صياغات نهائية”! وعلى الرغم من ذلك، فثمّة إنجازات كارثية تحقّقت، أوّلها زيادة تفتّت “المعارضة”، وشغلها بنشر غسيل خلافاتها وتناقضاتها وتبايُن رؤى مكوّناتها بعد انجلاء الورطة التي آلوا إليها، وثانيها انكِشاف المزيد من تهالكها برضوخها للبحث فيما كانت ترفض الخوض فيه، فانخفض سقف مطالبها، وتهلهل أداؤها، وتعثّرت خطاها، وانكشف ضعفها، وثالثها تأكيد عمق ارتهانها لمشغّليها، فلا هي قادرة على المتابعة ولا هي قادرة على التراجع، فعليها البقاء تحقيقاً لأهدافِ غير مَن تزعم أنها صوتهم، ورابعها تعاظم تهاونها بثوابت الثورة، وليس أدلّ على ذلك خروج من تدّعي تمثيلهم لشتمها ومطالبتها الكفّ عن اللعب بمصير ما تبقّى من ثورتهم، وخامسها فَقْدُ بوصلتها الوطنية في مسيرها لتحقيق أهدافها من انخراطها في متاهة اللجنة التي عملت على إفراغ القرار 2254 من مضمونه، ووضعه في خانة النسيان كالحاً لكثرة اجتراره وفقدان صلاحية تداوله، وسادسها تمسّك المعارضة باللامقاطعة؛ ولابدّ من النجاح الذي سيكون مفتاح الجنة وصولاً للانتقال السلمي والعدالة الانتقالية المنشودتين! وسابعها تطوّر رؤاهم في تمسّكهم -عن قناعة أو بلاهة أو فهلوة- بتكاذبهم في أنهم يعملون لدستور لن يرى النور إلا بعد تنفيذ 2254بكلّ بنوده، فهم “يدسترون ويقوننون” سورية بظل استمرار الأسدية! وثامنها تأكيدهم وجوب بقاء العربة أمام الحصان، على الرغم من كلّ التطورات السورية والإقليمية والدولية، وتغيّر التوازنات والاصطفافات والاتفاقات والتحالفات، واستخفاف الأسدية بكل الجولات لتمرير سياساتها ورسم علاقاتها التي تضمن استمرارها وتعويمها، وكأن شيئاً لم يحدث!
لقد دُفِعت المعارضة بلجنتها الدستورية، لتكون يتيماً في مأدبة اللئام، وهي لا تملك زمام أمرها، والأسباب كثيرة ومتنوّعة، فمنذ نساء ديمستورا وسلاله المثقوبة، إلى مسلسل جولات بيدرسون العقيمة وخطواته العرجاء في طريق تحوّره، والذي ما زال مستمراً يبيع السوريين وهماً، ويشتري من الفاعلين وعوداً، علماً أن لافرنتييف قالها بشفافية ” لا يتوهّم السوريون أن اللجنة الدستورية ستنتج دستوراً جديداً، بل تحديث بعض المواد، وتطرح على النظام إن وافق عليها”!
بعد كل “إنجازات” جولات اللجنة الدستورية -وهي غيض من فيض- يصحّ أن نقول إنها جثّة! فلماذا يتمّ تدويرها؟ ولماذا لا تُدفن الجثة؟ لأمور عِدّة يحلو للمتصارعين في سورية وعليها الاستمتاع باستثمار تحلّلها، ما دام السوريون لا يتمسّكون بثوابت ثورتهم، ويفرّطون بقرارات الشرعية الدولية الضامنة حقوقهم.
رئيس التحرير