يبدأ المراهقون في سوريا بالتدخين كـ”علامة رجولة”، كانت أعقابُ سجائرِ “أولئك الختايرة” أولَ سجائرنا، سمونا “مَجْعبِين”.
لم أرَ في حياتي طريقة تدخين تشبه طريقة كبار السن في الريف السوري، يلفّون سجائرهم بعناية، ثم يضعونها بين أصابعهم لتنقلها إلى أفواههم، تاركة غيمات من دخان، يرافقها شايٌ شديد الحلاوة، ربما يساهم في تعويض الطاقة التي يحرقها أولئك إبان عمل مضن، يقومون به، تحت شمس حادة. كبار السن الذين مروا معي لا يدخنون، بل ينتقمون مما فاتهم بالسيجارة، يخفون ملامح وجوههم بالدخان، غيمةً بعد غيمة، سيجارة تلو الأخرى. ولا يتذمر شركاء جلستهم من غير المدخنين من كثافة الدخان، كأنه جزء من قدرهم المشترك، وعلامة تضامن في ما بينهم.
سائق الأجرة السوري أو اللبناني يضيّفك سيجارة كإشارة إلى أنه سيدخن، لا ينتظر رأيك، أو يحسب أن للراكب الحق في إبداء الرأي بدخانه، ويمزجون السيجارة بشتائم للحياة التي تطحنهم طحناً. أما سائقو هولندا فالدخان ممنوع في سياراتهم، تذكرتُ سائقي الأجرة في إسطنبول، وهم يستأذنونك في أخذ سيجارة، ولا ينزعجون إن قلت لهم، لا، جديّة وجوههم وعائق اللغة وطبيعة الشخصية التركية تجعلك أقوى في كلمة: لا.
يبدأ المراهقون في سوريا بالتدخين كـ”علامة رجولة”، كانت أعقابُ سجائرِ “أولئك الختايرة” أولَ سجائرنا، سمونا “مَجْعبِين” نسبة إلى عقب السيجارة في عملية تقليب لغوي، نسرق من تحت وسائد مدخني عائلتنا إبان قيلولة الظهر، أوراقاً من دفتر “ورق الشام”، الذي وعدنا منتجه بأنه “سيعطي ألف ليرة لمن يثبت أن هناك أفضل منه”. نتحسر، كيف يمكننا إثبات ذلك، أو ما هي عناصر الإثبات، ونحن لا نعرف سواه، يسيل لعابنا على أمل الحصول على الألف ليرة سورية الموعودة، لماذا لم يبدل تلك الجائزة، بعدما غدت الألف ليرة 25 سنتاً، وكانت حين طبعت للمرة الأولى تعادل 250 دولاراً، هل رحل ذلك الرجل أم طبع الآلاف من دفتره وينتظر أبناؤه نفاد النسخ المطبوعة؟