بينما كان ليل معتقلاً في سجن صيدنايا، وعد مغني الراب أصدقاءه في المعتقل بأنه سيكتب عند خروجه أغنية تعبر عن معاناتهم. التزم ليل بوعده، لكن للأسف توفي بعض أصدقائه تحت التعذيب قبل أن تصلهم الأغنية. حياة المعتقلين بعد خروجهم من سجون الأسد واحدة من الأسئلة المنسية، والتي لا تؤخذ بالجدية التي تستحقها، إنها حيوات توقفت عند أبواب الزنزانات.
ليل يخرج من السجن ويغني
أحمد الرز (33 سنة)، المعروف بـ”ليل” هو مغني راب سوريّ وسجين سابق تمكن من التعامل مع تجربة اعتقاله بالفن والموسيقى، ليقول إن النجاة لا تعني حصراً الخروج من معتقلات الأسد، إنما أيضاً إيجاد طريقة للاستمرار على رغم الذكريات المرهقة. أصدر ليل أغنية “سجين” في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب في 26 حزيران/ يونيو 2022، ليعبّر عن دعمه المعتقلين وضحايا التعذيب.
“تجربتي ليست حالة نادرة” يقول ليل لـ”درج”، متابعاً عن سبب قدرته على الصمود في الداخل: “لكن تعاطينا مع الحالة هو الذي يخلق الفرق وهو ما يجعلك تموت في الداخل أو تعيش”، يرجع ليل سبب نجاته إلى تمسكه بالأمل، ولا يفضّل التحدث عن تفاصيل التعذيب إذ يجد أنها خضعت بالفعل لنقاشات طويلة، لذا يفضّل الحديث عن شعور الخوف الذي يلاصق المعتقلين، الخوف من المجهول، الأسئلة عن الحياة في الخارج، حال عائلاتهم أثناء سجنهم… يقول ليل: “توفي الكثير من أصدقائي في الداخل لأنهم فقدوا الأمل، ما جعلني ابقى على قيد الحياة هو الأمل والدعاء لله بالدنيا والآخرة”.
اعتُقِل ليل عام 2012 من مطار دمشق الدولي وأمضى في المعتقل عامين، شهد خلالهما إلى أشكال العذاب المختلفة، موت أصدقائه. وعلى رغم كلّ هذا، إلّا أن حالة الخوف والترقب تحولت مع الوقت إلى رضا وأمل، بخاصة خلال الأشهر الأخيرة من اعتقاله، يقول ليل. بعد خروجه من المعتقل، أخذ ليل وقتاً لاستيعاب واقعه الجديد، أحس بضرورة سرد ما عاشه، لعلّ ذلك يكون طريقاً إلى الشفاء.
“لست حاقداً على من عذبوني”
“سجين”، هي أغنية عن الحرية بقدر كونها أغنية عن الألم والتعذيب، هي أغنية عن الأمل لأنها مغناة على لسان معتقل سابق يدرك تماماً معنى كلمة سجين، وهي نقطة فارقة بحد ذاتها، فالغناء عن أقسى التجارب التي يتعرض لها الإنسان هو تحدٍ للمغني ولكل سجين، ومجرد سماعها هو انتصار على الجلاد.
سجين هي أغنية تخبر العالم بوجود معتقلين في الداخل يتعرضون للتعذيب والانتهاكات الإنسانية في كل حين وأن المأساة السورية لم تنتهي بتوقف العمليات العسكرية على الأرض، فمأساة السوريين لم تكن الحرب الطاحنة وحدها إنما وجود نظام الأسد بحد ذاته، ليأتي التعبير بالفن كتحد للديكتاتور وأدواته إذ قوبل التعذيب بالموسيقى والرفض بالغناء.
يقول ليل في مقابلة له: “لست حاقد على من عذبوني”، يتابع: “السوريون حالياً في مرحلة انتقالية لا بد لهم فيها من تغيير تفكيرهم بالسعي إلى تحقيق العدالة لا الانتقام أو الحقد”، يشير ليل في ذلك إلى فكرة أساسية في الصراع السوري والذي بات معقداً ومتداخلاً، إذ أن السوريون أحوج من أي وقت مضى إلى الحوار وطلب العدالة لا الانتقام.
يقبع أكثر من 132 ألف معتقل ومغيب قسراً خلف قضبان نظام الأسد بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وكان نظام الأسد قد أصدر عفواً عاماً في بداية شهر أيار/ مايو 2011 مباشرة بعد تسريب فيديوات لمجزرة التضامن، لكن يبدو أن العفو كان شكلياً، فالأعداد التي أفرج عنها قليلة جداً بالنسبة إلى عدد المعتقلين، بحسب رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا.
“الكل جاثياً”، هكذا يبدأ ليل الرز أغنيته الجديدة، إنها العبارة الأكثر تكراراً في المعتقلات السورية، حيث الركوع على الركبتين هو معادل للديكتاتور والقمع وكبت الحريات، لم يختر ليل هذه العبارة عبثاً فهي محفورة في الذاكرة الجمعية، حتى لأولئك الذين لم يعيشوا الاعتقال في سوريا.