يفهم المرء، دون كبير عناء، أن يسارع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى استبعاد جماعة الإخوان المسلمين المصرية من مبادرة “الحوار الوطني” التي أطلقها منتصف نيسان (أبريل) الماضي؛ ويستوي، في تغطية فهم كهذا، أن تكون دوافع السيسي كما أعلنها (أنهم رفضوا الحوار مطلع تموز/ يوليو 2013!) أقرب إلى الدعابة منها إلى الذريعة، أو أن تضرب جذور السبب في أرض أعمق عمادها العداء المستحكم بين قائد انقلاب الشهر ذاك، والمنقلَب عليهم رئيساً منتخباً وتنظيماً تلهّف على إفلات مؤسساته من العقال.
ليس من دون بذل عناء كبير، في المقابل، أن يفهم المرء ذاته اعتناق دعوة الاستبعاد إياها من جانب سبعة أحزاب تحتسب ذاتها على المعارضة وتطلق على تحالفاتها تسمية “الحركة المدنية الديمقراطية”، وتتراوح توجهاتها (كما تعلنها الأسماء، على الأقلّ) بين الكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي والمحافظين والدستور والوفاق القومي والاشتراكي المصري والعيش والحرّية… وعسر الفهم يمكن أن يبدأ من بيان التحالف المبكر، مطلع أيار (مايو) الماضي، الذي قبل بمبدأ “الحوار السياسي” مع السلطة لأنه “مسار لاكتشاف فرص التوافق، ومن أجل تحسين شروط الحياة الاجتماعية والسياسية في الوطن”؛ فكيف يصحّ، إذن، أن تبصم المعارضة على ما قررته السلطة من إقصاء مجموعة لا يرتاب إلا الحمقى في مدى تجذّرها داخل الاجتماع السياسي المصري؟ وكيف يستقيم الحوار، والحال هذه، إذا كان أحد أبرز شروطه إطلاق سراح سجناء الرأي (ولكن مع إقرار المعارضة ضمناً بإمكانية إبقاء أنصار الإخوان في الزنازين)؟
وكي يقتدي بروح الدعابة التي أشاعها السيسي في تبرير استبعاد الإخوان، ساجل خالد داود، المتحدث باسم تحالف الحركة المدنية والرئيس السابق لحزب الدستور، هكذا: الجماعة لا تعترف بشرعية النظام الحالي وتسميه انقلاباً، ولا تعترف بدستور 2014، لذلك لا يجب أن يستغرب أحد من عدم دعوتها للمشاركة في الحوار الوطني! فإذا شاء الرجل أن يستقيم اعوجاج منطقه على أيّ نحو في الحدود الدنيا، فإنّ السؤال المشروع التالي هو هذا: إذا كان تحالفه يعترف بشرعية النظام ويلتزم بالدستور صنيعته، فما الذي يعارضه حقاً؟ ثمّ ما الداعي، أصلاً، إلى الحوار مع سلطة مشروعة وتستمدّ شرعيتها من دستورها الذي فصّلته على قياسها؟
والحال أنّ الجلسات الأولى التي عقدها مجلس أمناء الحوار، المسمّى ذاتياً كما اتضح، لم تُصدر حتى الجعجعة، وبالتالي كان الطحن السياسي والاقتصادي والاجتماعي بمثابة غائب بعذر شرعي ومشروع بدوره، مقابل حضور باهت لشكاوى باهتة حول الصحة والتعليم. ولم يكن مدهشاً، وإنْ كان فاضحاً تماماً، أن تصدر الحركة المدنية الديمقراطية بياناً يتضمن في شقّ أوّل الموافقة على تعيين ضياء رشوان منسقاً عاماً للحوار (خلافاً لتوزيع الحصص المتساوي كما طالبت به الحركة)؛ كما يتضمن، في شقّ ثانٍ، نعي د. أحمد محمد ياسين علي بدوي، عضو حزب الدستور الذي وافته المنية (اليوم ذاته!) داخل السجن، بعد استمرار حبسه احتياطياً طوال 10 شهور بلا محاكمة أو إدانة من جهة قضائية.
هذه مآلات محزنة ينبغي أن تُخجل أولئك الذين فضّلوا التصفيق لانقلاب السيسي على مقارعة الإخوان سياسياً وفي صناديق الاقتراع، ولن يكون نافعاً لهؤلاء أن يحجبوا الشمس بغربال إزاء مظاهر الانحطاط التي تعصف في أركان السلطة ويكون فقراء مصر وقودها، أو أن يسيّروا الغليان الشعبي في أقنية زائفة لا تستر مع ذلك مستنقعات العجز التي فيها يغرقون. بدأ الخطأ من ارتمائهم في أحضان العسكر والقبول بقهر الرأي وقمع الحرّيات وحظر النشاط السياسي كوسائل مثلى لا مفرّ منها لمحاربة الإخوان، ثمّ انتقلوا إلى تجرّع التعديلات التي جعلت السيسي رئيساً حتى سنة 2030، وتوجّب أن تتخذ الخطيئة التالية صيغة التفريط بالمياه والأرض والثروات.
لا عجب أنهم اليوم مع السلطة في وادٍ واحد… يتحاورون!
“القدس العربي”