حنان عشراوي – (تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط) عدد أيار (مايو) 2022
الكلمة الرئيسية التي شاركت بها الدكتورة حنان عشراوي عن بُعد في المؤتمر الذي عقده “الاتحاد التعليمي الأميركي” في 4 آذار (مارس) 2022 في “نادي الصحافة الوطني” في واشنطن، تحت عنوان “تجاوز اللوبي الإسرائيلي في الداخل والخارج” Transcending the Israel Lobby at Home and Abroad، وضم عدداً من المتحدثين الذين تناولوا مختلف العناوين المتعلقة بإسرائيل واللوبي الإسرائيلي. وصدرت أوراق المؤتمر في طبعة خاصة من مجلة “تقرير واشنطن عن الشرق الأوسط” في أيار (مايو) 2022. وناقشت الدكتورة عشراوي في كلمتها السياسات التي تغيرت منذ إدارة ترامب، إن وجدت، والأمل الجديد لمستقبل فلسطين.
* * *
ديليندا هانلي: كانت الدكتورة حنان عشراوي أول امرأة تنتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 2009. وفي العام 1996، انتُخبت عشراوي، ثم أعيد انتخابها مرات عدة، لعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني. وفي العام 1996 قبلت أيضًا منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي في السلطة الفلسطينية. وفي العام 1998، أسست الدكتورة عشراوي، وما تزال تعمل في “المبادرة الفلسطينية لتعزيز الحوار العالمي والديمقراطية”. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2020، استقالت من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ودعت إلى إشراك المزيد من الشباب والنساء وغيرهم من المهنيين المؤهلين في النظام السياسي الفلسطيني.
تلقت الدكتورة عشراوي تحية حارة بعد الإدلاء بتصريحاتها الشخصية في أحد مؤتمرات اللوبي الإسرائيلي السابقة، لكنها تنضم إلينا افتراضياً هذه المرة وتتحدث إلينا من منزلها في رام الله.
حنان عشراوي: شكرًا لكم جميعًا. إنه لأمر رائع أن أكون معكم، حتى وإن كان ذلك عن بُعد. وأود أيضًا أن أشكر كل الذين جعلوا إقامة هذا الحدث ممكنة. لقد بذلوا قصارى جهدهم لإحضاري إلى هناك شخصيًا، ولكن لسوء الحظ، حالت اعتبارات التأشيرة والتأخيرات دون مجيئي. لكنني سأحصل على التأشيرة قريباً، بقدر علمي، ولذلك آمل بأن أتمكن من رؤيتكم شخصيًا.
أنا ممتنة لإتاحة الفرصة لي لمخاطبتكم. ويسعدني أن أكون هنا بين هؤلاء المتحدثين المميزين والحضور الاستثنائي. إنه حدث مهم، بعد كل شيء. وكنت قد شاركت في وقت سابق، كما قلتِ للتو، ووجدتُ ذلك منشطاً وملهما للغاية. لذلك شكراً لكم.
بطبيعة الحال، عندما نناقش أي شيء هذه الأيام، فإننا نفعل في سياق ما كان يحدث في الأسبوع الماضي من اندلاع للعنف بين روسيا وأوكرانيا. إننا نشهد بعض التحولات والتغيرات التي كشفت عن خطوط الصدع في النظام العالمي والنظام الدولي، وكشفت بطبيعة الحال المواقف الكامنة للغرب ونفاقه، المتميزة بالعنصرية، وليس بالمعايير المزدوجة فحسب، وإنما بالمعايير المتعددة. وسوف نشعر بهذه التصدعات العالمية في كل مكان، وخاصة في منطقتنا من العالم.
لكن هذا ليس موضوعنا، على الرغم من أننا ينبغي أن نكون بصدد مناقشته. إن موضوعنا، كما قلت، هو: هل تغير أي شيء بين إرث ترامب وتولي بايدن السلطة؟ ما الذي تغير في سياسة الولايات المتحدة؟
الآن، كما تعلمون جميعًا، السياسة الأميركية سياق متصل. ولديها العديد من السمات التي تشكل استمرارية للمواقف الأميركية، ومن بينها النهج القياسي بشأن “التحالف الاستراتيجي”، و”حليفنا الخاص”: لدينا القيم المشتركة، والتقاليد اليهودية المسيحية، كما تعلمون، وبالطبع الدعم الاقتصادي والعسكري غير المحدود -بعضه مرئي جدًا، وبعضه مخفي. وللأمن الإسرائيلي أهمية قصوى، أو، كما أكرر القول، صفة القداسة. وقد أصبح “التفوق العسكري النوعي” تعبيرًا معيارياً للغاية. يجب أن تحتفظ إسرائيل، في المنطقة وحتى خارجها، بتفوقها العسكري النوعي. وهكذا، تدفع الولايات المتحدة الفاتورة وتتقاسم الدراية الفنية مع إسرائيل. ومرة أخرى، تمنح الولايات المتحدة إسرائيل غطاء لإفلاتها من العقاب وتحميها من المساءلة. وسوف يستند أي نهج يتم تبنيه تجاه المنطقة دائمًا إلى الأولويات الإسرائيلية وما هي المصالح الإسرائيلية.
بطبيعة الحال، تقليديًا، في الرئاستين أو الثلاث الأخيرة قبل ترامب، كنا قد أجرينا مناقشة حول حل الدولتين. وبغض النظر عن عيوبها، فقد ناقشت العملية على الأقل حل الدولتين، بمعنى أن الفلسطينيين سيكون لهم الحق في السيادة. ولكن، بشكل عام، استندت جميع المواقف الأميركية إلى اتفاقيات كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر التي منحت الفلسطينيين نوعاً من الاستقلال أو الحكم الذاتي المحدود. لذلك لم يتم التوصل إلى اتفاق يُعترف فيه بحق الفلسطينيين في تقرير المصير أو التمتع بالسيادة.
بنى ترامب في الكثير من مواقفه وسياساته على هذه المبادئ، لكنه سرَّع وكثف أكثرها سوءاً بينما يخلق الاضطرابات والانحرافات في المجالات الأخرى؛ بعض الأمور التي ليست ضارة بالقدر نفسه. على سبيل المثال، أظهر ازدراء تامًا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وتابع ارتكاب انتهاكات منهجية للقانون بالهجوم على تعددية الأطراف وسيادة القانون على الصعيد العالمي، مما عزز، بطبيعة الحال، حصانة إسرائيل وعدوانيتها.
كما تعلمون، غادرت الولايات المتحدة منظمة “اليونسكو” وغادرت مجلس حقوق الإنسان لأن عضوية الفلسطينيين قُبِلت هناك. وتجاهلت (إدارة ترامب) الاحتلال أو جعلته غير مرئي وليس غير قانوني. وقال المكون الأيديولوجي إن هذه منطقة يهودية، وإن المستوطنات ليست غير قانونية. الآن سوف تشربون نبيذ “بومبيو” من مستوطنة بجوار رام الله! بالقرب من منزلي، في الواقع.
اعترفت (إدارة ترامب) بالضم وفرضته، وفي المقام الأول ضم القدس. وكانت هذه هي الخطوة الأكثر فظاعة -ليس لأنهم اعترفوا بالضم فقط؛ لقد نقلوا سفارة (الولايات المتحدة) إلى هناك. ونحن نسميها مستوطنة الآن. لدينا مستوطنة أميركية في القدس! وأغلقوا القنصلية في القدس، التي كانت قد افتتحت في العام 1844 كبعثة دبلوماسية إلى فلسطين. قبل وقت طويل من إنشاء إسرائيل، كانت هذه القنصلية موجودة، وكانت بعثة دبلوماسية إلى فلسطين. لكن (ترامب) أغلقها من أجل جعل أي تمثيل للولايات المتحدة إسرائيلياً صرفاً وفي داخل القدس.
واعترفت (إدارة ترامب) بضم مرتفعات الجولان؛ مرتفعات الجولان السورية. وبطبيعة الحال، لا أعتقد أن مستوطنة ترامب ستتحقق، لكنني أعتقد أنها ما تزال لديكم شاخصة “مرتفعات ترامب” أو “مستوطنة ترامب” في مرتفعات الجولان. وبالطبع أغلقوا المكتب الفلسطيني في واشنطن العاصمة.
السمة الرئيسية الثانية هي أنهم تخلوا تماما عن التظاهر بالسعي إلى حل الدولتين، أو عن السياسة الأميركية التقليدية، من أجل استيعاب (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين) نتنياهو. كان ذلك تحالفا كبيرًا مع نتنياهو. قالوا على الملأ، لا توجد سيادة فلسطينية أو اعتراف بفلسطين. واعترفوا بالدولة اليهودية بالمعنى الذي ينص به قانون الدولة القومية (الإسرائيلي) على أنه لا يوجد حق في تقرير المصير لأي أحد في فلسطين التاريخية، التي يسمونها إسرائيل، سوى لليهود. وبذلك كانوا، مرة أخرى، طرفًا في أيديولوجية عنصرية حصرية.
ثالثا، أدخلوا مرة أخرى الهوية والمكونات الأيديولوجية الصارخة والفاضحة (للأصولية): الأصولية الإنجيلية المسيحية المتطرفة كما يمثلها بومبيو وبنس؛ والأصولية اليهودية المتطرفة، الصهيونية، كما عبر عنها (السفير الأميركي السابق) ديفيد فريدمان، وإلى حد ما، (مستشار الرئيس) جيسون غرينبلات عندما كان في منصبه، وبطبيعة الحال، الصهيونية المتطرفة مع جاريد كوشنر وإيفانكا (ترامب). ولكم أن تضيفوا إلى هذا المزيج العنصرية، والتفوقية البيضاء، والشعبوية وجميع أنواع المواقف العنصرية مثل الإسلاموفوبيا، فضلاً عن معاداة السامية.
وهكذا، انتقلت الولايات المتحدة من كونها حليفًا لإسرائيل إلى شريك لها في الجريمة، في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل باستمرار. لم تعد المسألة مسألة نفوذ جماعات الضغط الإسرائيلية، أو العديد من الجماعات المختلفة المؤيدة لإسرائيل، والتدخل السلبي من الكونغرس. الآن، (في عهد إدارة ترامب) أصبحنا نرى الإسرائيليين والموالين لإسرائيل يتواجدون في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية كصناع قرار. وهذا فرق كبير حقاً.
(رابعا)، تبنوا الشراكة مع نتنياهو وحولوا إسرائيل إلى قضيةٍ للحزب الجمهوري. بطبيعة الحال، كان هذا قد بدأ من قبل مع أوباما ومع تدخل نتنياهو في السياسة الأميركية. وسنناقش هذا الأمر عندما ننظر إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”. لكننا نرى أيضًا صعود ظاهرة غريبة جدًا هي ظاهرة الصهيوني المعادي للسامية، بمعنى أنني أستطيع أن أكون معاديًا للسامية وعنصريًا كما أريد، شريطة أن أدعم إسرائيل.
إلى جانب ذلك، هناك تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. لقد عادت تهمة الإرهاب أو ماركة الإرهاب إلى الظهور. وأعتقد أنه كان (وزير الخارجية السابق ريكس) تيلرسون هو الذي رفض إعطاءنا إعفاء (من تهمة الإرهاب). كما تعلمون، الفلسطينيون دائمًا في فترة تجربة. عليهم أن يثبوا السلوك الجيد. عليهم أن يثبتوا أنهم يستحقون حقوقهم. ولذلك، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها إجراء نوع من الحوار أو العلاقة مع الولايات المتحدة هي أن نكون منخرطين مع إسرائيل في مفاوضات جادة ذات مغزى.
بذلك، تكون وزارة الخارجية هي التي تقدم التوصية للرئيس بالإعفاء من تهمة الإرهاب، وبالتالي مواصلة الحوار. وبالطبع، لم يطلب تيلرسون إعفاء، وعلى الفور لم نكن تحت الاختبار أو إثبات السلوك الجيد فحسب، لكننا فشلنا في الاختبار أيضاً، وفقًا لهم. لذلك، نحن لا نستحق أخذ حقوقنا. وإلى جانب ذلك، لديكم بالطبع تشريع قانون تايلور فورس (وقف المساعدات الاقتصادية الأميركية للفلسطينيين حتى تتوقف السلطة الفلسطينية عن دفع رواتب لعائلات الأسرى والشهداء الذين اتهمتهم إسرائيل بالإرهاب)، و(قانون توضيح مكافحة الإرهاب)، ATCA، والمسؤولية القانونية وهلم جرًا. بذلك، كانت الإدارة تُراكم كل أنواع العقبات من أجل استبعاد الفلسطينيين ومواصلة عملية تهدف إلى وقف التمويل.
عندما أوقفت (إدارة ترامب) تمويل فلسطين، زادت بطبيعة الحال من الدعم لإسرائيل. لم يعد الأمر مجرد الـ38 مليار دولار التي وعدت بها إدارة أوباما. كان الدعم، بعضه مرئي والبعض الآخر غير مرئي. أوقفوا تمويل البنية التحتية الفلسطينية، حتى المستشفيات في القدس، وحتى المنح الدراسية للناس وما إلى ذلك، لكنهم حاولوا الإبقاء على نوع من الدعم الأمني. قاموا بإلغاء تمويل “الأونروا”، وهو شأن خطير للغاية لأنهم كانوا يعيدون بذلك تعريف “الأونروا” من خلال إعادة تعريف وضع اللاجئ الفلسطيني. وتبنوا التعريف الإسرائيلي اليميني المتطرف للاجئين الفلسطينيين بقول إن هؤلاء اللاجئين هم فقط أولئك الذين غادروا في العام 1948، مما يعني أنه لا يوجد سوى 20.000 أو 40.000 لاجئ فلسطيني، وليس الـ5.5 مليون فلسطيني الذين تُعرّفهم الأونروا بأنهم لاجئون مسجلون، ناهيك عن أولئك غير المسجلين. لذلك يحاولون أيضًا تفكيك قضية اللاجئين.
وقد مارسوا ضغوطًا على العرب والدول الأخرى لسحب تمويل فلسطين وعدم تقديم أي مساعدة للفلسطينيين. ونجح ذلك، لأن العرب توقفوا (عن التمويل). وحتى الآن، أعتقد أن بلدًا واحدًا فقط هو الذي قدم بعض المساعدة -الجزائر.
لكن المبادئ الأساسية لسياسة (ترامب) كانت تعنيف الفلسطينيين لدفعهم إلى الخضوع. وكجزء من ذلك، يجب أن نقبل عقلية الهزيمة أو نستوعبها. كان هذا شيئًا أعتقدُ أن دانيال بايبس هو الذي اخترعه. وفي مرحلة ما، التقطه جاريد كوشنر. قالوا إن كل شيء سيكون على ما يرام، إذا قبل الفلسطينيون فقط حقيقة أنهم مهزومون.
إنهم لا يعرفون أو يفهمون الفلسطينيين أو من نحن. أعني أننا قد نكون تحت الاحتلال، وقد نُعاقَب على أساس يومي، وقد نكون تحت أكثر الأنظمة الإجرامية قمعًا، لكننا لسنا مهزومين. إننا لم نُهزم. نحن الشعب الذي يتمتع بالصمود والمرونة، والذي سيصر ويواصل. وسوف نناقش هذا لاحقاً.
لكن السلام الاقتصادي الذي وضعه كوشنر، أو “خطة السلام من أجل الازدهار”، ومؤتمر المنامة في البحرين كانا على وجه التحديد مكيدة لإجبار الفلسطينيين على مبادلة حقوقهم، أو التخلي عن حقوقنا، مقابل بعض الهبات؛ الصدقات الخيالية. كانت صفقة ترامب النهائية سيئة السمعة، أو كما هي معروفة، “صفقة القرن”، مبنية على ذلك؛ على أنه لا ينبغي أن نحصل على حقوقنا. على أنه يمكن إضفاء الشرعية على الضم. على أن بالإمكان الحفاظ على سيطرة إسرائيل. على أن بوسعك رشوة الفلسطينيين ببعض الدعم الضئيل وسوف نتصرف. يبدو واضحاً، بطبيعة الحال، أنهم لا يفهمون التاريخ؛ أنهم لا يفهمون المنطقة؛ أنهم لا يفهمون الثقافة أو الهوية أو الروح الفلسطينية.
وكان الشيء الأخير، والأكثر أهمية، الذي فعلته (إدارة ترامب) هو إعادة ترتيب الاصطفافات الإقليمية وخلق الاستقطاب من خلال التطبيع. لقد حاولوا إعادة تعريف المنطقة وإعادة ترتيبها على أساس صدع كبير، أو استقطاب قائم على القسمة السنية-الشيعية.
وبطبيعة الحال، بدأت الإدارة بإلغاء (خطة العمل الشاملة المشتركة)، (أو الاتفاق النووي الإيراني)، لأنه كان عليهم أن يخترعوا إيران كعدو رئيسي. وفي محاولاتهم إعادة تعريف من هو الصديق ومن هو العدو، من هو العدو ومن هو الحليف، حاولوا تحويل إيران إلى عدو إقليمي رئيسي يمثل الشيعة المتطرفين، حسب تعبيرهم، وعرض إسرائيل كحليف للسنة المعتدلين. وهكذا، فإن هذا الاستقطاب هو ما يجب أن يهيمن على التحالفات في المنطقة. وبطبيعة الحال، دفع الفلسطينيون الثمن أيضًا.
وهكذا، من خلال استخدام الابتزاز والرشوة، جلبوا العديد من الدول إلى الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها. لقد صنعوا السلام حيث لم تكن هناك حرب، وهو أمر ينطوي على مفارقة. وبقيامهم بذلك، صنعوا تصدعات رأسية وأفقية في العالم العربي، وفي المنطقة، وزعزعوا استقرار الإقليم. لأن ما فعلوه هو أنهم جعلوا الأنظمة العربية تصبح على خلاف مع شعوبها، مع جمهورها نفسه، لأن الشعوب العربية ما تزال مؤيدة للقضية الفلسطينية.
قوضوا مكانة هذه الأنظمة أو مصداقيتها، إن وجدت، وفي الوقت نفسه خلقوا انقسامات بين الدول العربية من خلال قلب مبادرة السلام العربية رأسًا على عقب. كما تعلمون، لا تتحدث مبادرة السلام العربية عن الاعتراف بإسرائيل أو تطبيعها إلا بعد انسحابها من جميع الأراضي العربية التي احتلتها، وبطبيعة الحال، فلسطين في المقام الأول. ولكن، بدلاً من ذلك، أصبح الأمر على العكس تمامًا. إنه يبقي إسرائيل كقوة احتلال، لكنه يعطيها التطبيع العربي.
بفعلها ذلك، انتهكت إدارة ترامب أيضًا قرارات الجامعة العربية وأضعفت الجامعة العربية كمؤسسة. بغض النظر عن مدى ضعفها أو اختلالها وظيفيًا من قبل، أصبحت الآن أضعف، لأن أعضاءها لم يتمكنوا من اتخاذ موقف موحد حول هذا المبدأ الموحِّد الأكثر أساسية في العالم العربي، الذي هو القضية الفلسطينية.
الآن، من خلال قيامها بذلك، حاولت (إدارة ترامب) أيضا إعادة موضعة إسرائيل كقوة إقليمية واقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية واستخباراتية رئيسية. وتشكل إعادة موضعة إسرائيل جزءاً من أيديولوجية ترامب، التي تقوم على أن إسرائيل يجب أن تكون المهيمن في المنطقة، وأن أمنها أمر بالغ الأهمية. وعلى العكس من ذلك، يجب إضعاف الفلسطينيين وتهميشهم، وفصلهم عن سياقهم العربي، بينما يتم في الوقت نفسه تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إسرائيلية داخلية أو محلية تحت السيطرة الإسرائيلية.
وكان العنصر الأخير في هذا هو “اتفاقات إبراهيم”. لقد خلق اختيار اسم “اتفاقات إبراهيم” تاريخًا مشتركًا زائفًا، لأنه لا يوجد، كما تعرفون، شيء اسمه التراث الإبراهيمي في المنطقة. لم تكن إسرائيل جزءاً من العالم العربي في أي وقت من الأوقات. (يُتبَع)
*نشرت هذه المحاضرة تحت عنوان: Keynote Dr. Hanan Ashrawi: What, If Any, Policies Have Changed Since the Trump Administration, and New Hope for Palestine’s Future.
“الغد”