شهدت الأسابيع الأخيرة كثافة غير مسبوقة في عمليات الاغتيالات المركزة التي ينفذها الجيش والاستخبارات التركي ضد قيادات ومجموعات تابعة لتنظيمات تعتبرها أنقرة إرهابية في عمق الأراضي السورية والعراقية وذلك ضمن استراتيجية تنامت في الأشهر الأخيرة في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية التي تحد من قدرة الجيش التركي على تنفيذ عمليات برية في عمق الأراضي السورية والعراقية، إلى جانب التطور الكبير الذي شهدته الصناعات الدفاعية التركية بما في ذلك المسيرات المسلحة التي تنفذ عمليات الاغتيال هذه إلى جانب العمليات الخاصة في العمق.
وشهدت الأيام الأخيرة بشكل خاص والأشهر الأخيرة بشكل عام سلسلة إعلانات للجيش والاستخبارات التركية عن النجاح في اغتيال قيادات بارزة من الصف الأول والثاني لتنظيم العمال الكردستاني داخل وخارج البلاد من المدرجين على اللوائح الدولية للمطلوبين، وعدد من قيادات الوحدات الكردية في سوريا ومجموعات مسلحة مختلفة في البلدين، في تطور يظهر مدى التغير الذي شهدته استراتيجية تركيا في الحرب على التنظيم المصنف إرهابياً ويواصل عملياته المسلحة ضد تركيا منذ أكثر من 40 عاماً دون التمكن من إنهاء قدرته على شن هجمات حتى اليوم.
عمليات نوعية ودقيقة
والسبت، أعلنت وكالة الأناضول الرسمية أن المخابرات التركية تمكنت من «تحييد إرهابي من تنظيم بي كي كي في سوريا، وهو المسؤول عن تفجير في إسطنبول أدى إلى مقتل 18 شخصاً عام 2008»، وأوضحت الوكالة أن «المخابرات التركية توصلت إلى معلومة انتقال الإرهابي نصرت تبيش الى سوريا من العراق التي فر إليها عقب التفجير الإرهابي في 2008»، حيث جرى رصده في أحد المنازل في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا وتم «تحييده» وهو المصطلح الذي يستخدمه الجيش التركي ويشير إلى قتل أو اعتقال الشخص المستهدف.
المسيرات الاستطلاعية والهجومية لعبت دوراً محورياً في استراتيجية أنقرة
والخميس، أعلنت مصادر تركية رسمية أن المخابرات تمكنت من تحييد قيادية في تنظيم العمل الكردستاني بـ»عملية نوعية شمالي العراق»، وأوضحت المصادر التركية أن «عناصر المخابرات التركية «رصدت تحركات الإرهابية خديجة هزر الملقبة حركيا باسم «برفين زيلان» بمدينة السليمانية شمالي العراق»، مضيفةً: «وتمكنت من تحييدها عبر عملية نوعية»، وأشارت إلى أن «العناصر التركية المشاركة في العملية النوعية عادوا إلى قواعدهم سالمين». وقبل أيام، أعلن أيضاً عن «تحييد ما يسمى مسؤول منطقة «عين العرب» (كوباني) في تنظيم «بي كي كي/واي بي جي» الإرهابي بنظر أنقرة»، وأوضحت المصادر أن «شاهين تكين طانغاتش» الذي يحمل الاسم الحركي «كندال أرمني» متهم بالمشاركة في العديد من «الأعمال الإرهابية» حيث جرى رصد مكان تواجه في عين العرب وتم «تحييده في عملية خاصة».
وفي سوريا بشكل عام، سجلت عشرات عمليات الاغتيال التي نفذت بواسطة المسيرات المسلحة في المحافظات والمدن التي تسيطر عليها الوحدات الكردية حيث تستهدف الغارات الجوية منازل وسيارات يستقلها قيادات أو عناصر من الوحدات، إلى جانب الضربات الجوية التي تستهدف عناصر ومواقع يقول الجيش التركي إنها كانت على وشك تنفيذ عمليات ضد المناطق الآمنة شمالي سوريا أو الحدود التركية.
هجمات مركزة في العراق
وفي العراق الذي تكثفت فيها الهجمات المركزة، نفذ الجيش التركي عدد كبير من العمليات المحددة ضد قيادات بارزة في العمال الكردستاني، حيث تتم عمليات اغتيال الشخصيات المطلوبة بضربات جوية على سياراتها أثناء حركتها وهو ما يظهر قوة أداء المسيرات التركية المسلحة إلى جانب العمق الذي تصل إليه داخل الأراضي العراقية حيث سجلت ضربات في مدن بعمق يصل إلى أكثر من 350 كيلومتر عن الحدود التركية.
ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن تنجح الاستراتيجية الجديدة في القضاء على التنظيم أو إنهاء خطر هجماته المتواصلة منذ عقود، لكن الاغتيالات التي طالت عدداً كبيراً من قيادات الصف الأول والثاني والقيادات الميدانية إلى جانب الهجمات المركزة التي تستهدف تحركات العناصر الفاعلة التي تكون على وشك شن هجمات ساهمت بشكل كبير في إحباط الكثير من الهجمات وإضعاف قدرة التنظيم على المبادرة والتحرك إلى جانب حالة الإرباك والتخبط التي تقول تركيا إنها انتشرت في صفوف التنظيم في الأسابيع الأخيرة. وتلعب الاستخبارات التركية دوراً فاعلاً في الاستراتيجية الجديدة المبنية على توفير المعلومات الدقيقة ومتابعة تحركات القيادات المطلوبة وذلك من خلال الوسائل الاستخبارية المختلفة والتي تعتمد على تقنيات مختلفة أبرزها المراقبة الجوية والاختراقات الإلكترونية إلى جانب جمع المعلومات الاستخبارية من خلال عناصر استخبارات فاعلة على الأرض.
ففيما يتعلق بالمراقبة الجوية، لعبت المسيرات التركية الاستطلاعية دوراً محورياً في هذه الحرب وذلك من خلال المراقبة الدائمة لتحركات القيادات المستهدفة ورصدها على مدار الساعة وتتبع تحركاتها سواء سيراً على الأقدام أثناء التنقل من منطقة أو مغارة إلى أخرى أو التحركات في السيارات المدنية والعسكرية حتى مناطق داخل عمق الأراضي العراقية وصولاً لأربيل والسليمانية وغيرهما من المناطق التي لم تكن واقعة في مدى رصد الطائرات التركية المسيرة، بالإضافة إلى مناطق واسعة في شمالي العراق.
أما على الأرض، فيعتبر اختراق صفوف التنظيم من أبرز الوسائل التي تستخدمها المخابرات التركية في الحصول على معلومات من داخل التنظيم وصفوفه القيادية المتمركزة في شمالي العراق بشكل خاص، وعلى الدوام نجحت المخابرات في ادخال عناصرها إلى صفوف متقدمة بالتنظيم في مهمة شبه انتحارية في معاقل التنظيم الذي بنى منظومة أمنية معقدة بجبال قنديل في شمالي العراق على مدى العقود الماضية ونجح في إخفاء وحماية قياداته من الصف الأول.
دور المسيّرات الحاسم
ومن خلال التكامل بين عمل عناصر المخابرات على الأرض والمراقبة الجوية الدقيقة التي تطورت كثيراً بفعل التطور الهائل الذي شهدته تكنولوجيا الطائرات المسيرة في تركيا، نجحت المخابرات التركية مؤخراً بالتعاون مع الجيش في قتل عدد كبير من قيادات التنظيم سواء بعملية سرية نفذتها عناصر مخابراتية على الأرض، أو من خلال عمليات جوية نفذتها الطائرات المسيرة القتالية أو الطائرات الحربية ضد أهداف نجحت المخابرات في رصدها.
وفي مؤشر على عمل قوة المخابرات التركية في معاقل التنظيم شمالي العراق، لا تعلن وزارة الدفاع أو جهاز المخابرات عن النجاح في اغتيال القيادي إلا من خلال توزيع صور جرى التقاطها عبر الهاتف من الأرض لموقع تنفيذ عملية الاغتيال وآثار المكان او السيارة المستهدفة للتأكد من نجاح العملية ومقتل القيادي المقصود على وجه التـــحديد.
وعلى الرغم مما تسببه هذه العمليات من أزمات دبلوماسية مع العراق، باتت المسيرات التركية لا تتردد في تنفيذ عمليات اغتيال وقصف لسيارات المطلوبين في مناطق تعتبر بعمق الأراضي العراقية لا سيما مدن السليمانية وأربيل التي شهدت مؤخراً استهدافات محددة من المسيرات التركية وهو ما ضيق الخناق على قيادات التنظيم التي تقول التقديرات الاستخبارية إنها باتت تتحصن في المغارات المحصنة ولا تجرؤ على مغادرتها خشية استهدافها من قبل المسيرات التركية.
“القدس العربي”