فجرت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، التي دعا فيها إلى المصالحة بين المعارضة السورية والنظام، ودعم «خطوات تحقيق اتفاق» بين الطرفين «بطريقة ما» حالة غضب عارمة في الشارع السوري المعارض، وردود فعل ساخطة، احتجاجًا على التصريح غير المعهود، لأبرز داعمي المعارضة السورية سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا.
وخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين عقب صلاة الجمعة في مناطق شمال سوريا تحت عنوان «لن نصالح» من مدينة جسر الشغور أقصى غرب محافظة ادلب إلى مدينة رأس العين شمال غرب محافظة الحسكة، رفضاً للمصالحة مع النظام السوري حسبما أكد القيادي في المعارضة السورية محمد كفرنبل من مدينة عزاز في ريف حلب الشمالي لوكالة الانباء الالمانية (د. ب. أ) وأضاف «من الذي يصالح وجميع الهتافات والشعارات اليوم تقول أبو الشهيد لن يصالح. أبو المعتقل لن يصالح أبو المهجر لن يصالح وأغلب من هم في مناطق شمال سوريا أهل شهداء ومعتقلين ومهجرين، نحن أولياء الدم لا نصالح ولا نسامح، إذا من يصالح وحتى وإن كانت تركيا هي صاحبة القرار في الحرب، ولكن لن تفرض علينا مصالحة مع نظام قتلنا وهجرنا».
الرد التركي
جاووش أوغلو، كان قد كشف أنه التقى بوزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، في العاصمة الصربية بلغراد في وقت سابق. وقال «جاووش أوغلو» للصحافيين، يوم الخميس، «أجريت محادثة قصيرة مع وزير الخارجية السوري في اجتماع دول عدم الانحياز في بلغراد، علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم».
ولاحتواء الموقف، وتفسير تصريحات وزيرها، قالت الخارجية التركية في بيان، الجمعة، على لسان المتحدث باسم الوزارة تانجو بيلجيتش: إنّ «تركيا تدعم الحل السياسي في سوريا، وفق القرار الأممي 2254، وكانت في مقدمة الأطراف التي عملت على ترسيخ وقف إطلاق النار ميدانيا، وساهمت في مساري أستانة وجنيف، وبناء اللجنة الدستورية، وقدمت الدعم الكامل للمعارضة ولجنة التفاوض في العملية السياسية، حالياً، هذه العملية لا تتقدم بسبب تعنت النظام، وهذا ما أشار إليه معالي الوزير في إفادته التي قدمها بالأمس».
«لن نصالح»… وسم حملة سورية معارضة احتجاجاً على تصريحات جاووش أوغلو
وبزخم كبير، حمل المتظاهرون، أعلام الثورة تحت شعار «لن نصالح» كما رددوا شعارات «نموت ولا نصالح» و «لن نستسلم» وهتفوا «سمع صوتك لتركيا.. ما نبيع القضية» وحملوا لافتات كتب عليها «أبو المعتقل لن يصالح وأبو الشهيد لن يصالح وأبو النازح لن يصالح» و» لن نصالح من أجل آبائنا وشهدائنا ومعتقلينا ومهجّرينا» مؤكدين أنهم غير قابلين للمفاوضة أو المساومة مع النظام، والخيار الوحيد هو الاستمرار بالثورة حتى إسقاط بشار الأسد ونظام حكمه. وخلال المظاهرات أحرق أحد المتظاهرين العلم التركي، وقطع آخرون طرقاً أمام أرتال للجيش التركي، واستهدف بعضهم عربة تركية بالحجارة. بموازاة ذلك، صدرت بيانات ومواقف منددة ورافضة للمصالحة مع النظام السوري، من قبل مؤسسات ومنظمات سياسية ودينية وإنسانية، وشخصيات بارزة، وسط رفض عدد كبير من قادة الفصائل العسكرية للدعوة التركية.
وأصدر «المجلس الإسلامي السوري»، الجمعة، بياناً رافضاً للموقف التركي، وجاء في البيان «آلمنا وأزعجنا توالي التصريحات التي تتحدث عن ضرورة المصالحة مع العصابة المجرمة الحاكمة في سوريا وأن المصالحة ضمان أكيد لاستقرار المنطقة وأمنها في المستقبل، والمجلس الإسلامي السوري حيال هذه التصريحات».
«منعطف خطير»
واعتبر المجلس الذي يتخذ من إسطنبول التركية مقراً له، أن «الدعوة للمصالحة مع نظام الأسد تعني المصالحة مع أكبر إرهاب في المنطقة مما يهدد أمن دول الجوار وشعوبها، وتعني مكافأة للمجرم وشرعنته ليستمر في إجرامه، وتناقض كل القرارات الدولية التي صدرت في هذا الشأن، إن المصالحة مع هذا النظام بنظر الشعب السوري لا تقل عن المصالحة مع المنظمات الإرهابية التي تعاني منها شعوب المنطقة كداعش وقسد و»البكك» وأمثالها، فهل يجرؤ أحد على المطالبة بالمصالحة مع هذه المنظمات؟».
وأكد المجلس موقفه الثابت الراسخ الذي بينه في وثيقة المبادئ الخمسة وفي مقدمتها إسقاط النظام بكل مؤسساته القمعية والأمنية، ولا يمكن لأي جهة مهما كانت أن تفاوض على دماء شهدائنا وجرحانا، وأن تتاجر بآلامنا وعذاباتنا، وفق البيان. وأضاف «من حق شعبنا السوري بشارعه الثوري ومؤسساته الثورية المدنية والعسكرية أن يرفض هذا التوجه، وأن يعبر عن تمسكه بحقه في محاسبة المجرمين فهو ولي الدم، وهو الجهة الوحيدة التي تقرر مصير البلد ومستقبل الثورة، ولا يحق لكائن من كان أن يقرر نيابة عن الشعب السوري، لذلك ندعو شعبنا حين يعبر عن غضبه وسخطه أن يكون ذلك بطريقة منظمة سلمية بعيداً عن أذى الممتلكات الخاصة والعامة، وحرق الأعلام، وأن يحرص على عدم السماح لمندس مغرض بين الصفوف أن يحرف الأمر عن مساره ويهدد مصالح الثورة وأمن السوريين في الداخل والخارج».
واعتبر البيان أن «الثورة تمر بمنعطف خطير تواطأ فيه القريب مع البعيد لإفشالها والرضا بواقع فرضوه علينا، وهذا المخطط الجهنمي لا بد أن يتحطم على صخرة وعينا ووعي جماهيرنا التي ضحت في سبيل حريتها وكرامتها».
القائد العام لـ»حركة ثائرون» أحد أكبر تشكيلات المعارضة المسلحة، فهيم عيسى، علق بدوه، وقال «إن بشار الأسد رأس الإرهاب في سوريا ومصدره، لا مصالحة مع الأسد، لا مصالحة مع الإرهاب والقتلة، لا مكان للأسد أو النظام في مستقبل سوريا، لن نخون دماء شهدائنا، ولن نخون ثورة البلد».
وقال وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة حسن الحمادة «عند أول صيحة الشعب يريد إسقاط النظام، كانت نقطة اللاعودة للوراء. انتهى، لا بديل عن إسقاط الأسد». وعلق فريق ملهم التطوعي عبر معرفاته الرسمية «أيادي الصلح لن تُمدّ.. لمن زرع في كلّ بيت وجعاً لا يسكت، وأحيا في عقولنا عهود شهداءٍ لا تموت، وجعلنا نردّدُ من قهرٍ زرعه بيننا هتافات السّاورت
وكلماتِ مارع والفرات وغياث وآلاف الأقمارِ من ثورةٍ لن تموت.. طرفٌ بعنقهِ أنين الأرامل واليتامى ومشرّدي الخيام.. وآخر لم تحسس أقدامه حرّ العيش على أرضٍ لا تسمع سوى أنفاس الموت وأشباحه… فكيف نصالح؟ ورغم أنف كلّ الأجوبة، لن نصالح!».
ونشر الناشط المعارض، هادي العبد الله صورا للمظاهرات وكتب «منموت وما منصالح.. مظاهرات شعبية غاضبة في مدن وبلدات الشمال السوري تؤكد على رفض الصلح مع نظام الأسد المجرم وتطالب بفتح الجبهات وتحرير المدن المحتلة». كما عقب أمين سر «اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات» مروان العش «لا تَصَالُح ولا رجعة عن طريق الثورة حرية ودولة مواطنة، لم يفوض الثوار أحداً وسيطاً مع نظام الإبادة، كلام مولود أوغلو يخص تركيا فقط لا علاقة لنا به، لن نصالح».
وكتبت الناشطة سلافة رشيد «نعم قد نصالح… إذا حضر الصلح غياث مطر ووافق عليه حمزة الخطيب ووقع عليه حجي مارع. إذا اقتنع به ابو الفرات وبصم عليه باسل الصفدي وجاءت أرواح شهدائنا بأحلامنا تقنعنا بالقبول. إذا أنشدتْ له حنجرة الساروت. إذا عادت البلاد كما كانت، والمهجرون قسراً لمنازلهم بدون عقاب. إذا خرج معتقلينا كما دخلوا.. إذا عادت الدكتورة رنا العباسي وأطفالها سالمين. إذا عادوا شهداء مجزرة التضامن ووافقوا على المصالحة».
“القدس العربي”