فجرت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، حول لقاء سابق جمعه مع وزير خارجية النظام السوري وضرورة المصالحة بين النظام والمعارضة، ردود فعل غاضبة في صفوف المعارضين السوريين لا سيما في مناطق شمال سوريا، التي انطلقت فيها تظاهرات واحتجاجات تم فيها حرق العلم التركي، وهو ما أثار غضب مواطنين أتراك ودفع وزارة الخارجية التركية والحكومة السورية المؤقتة إلى إصدار بيانات مختلفة حول التطورات الأخيرة.
والخميس، كشف وزير الخارجية التركي أنه أجرى محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في العاصمة الصربية بلغراد، في أول تصريح رسمي تركي عن وجود اتصالات “سياسية” مع النظام السوري لأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية قبل 11 عاماً.
وعقب التصريحات انطلقت تظاهرات في مناطق مختلفة من إدلب وريف حلب وغيرها من مناطق المعارضة شمالي سوريا، وأحرق متظاهرون إطارات سيارات ورفعوا شعارات تؤكد تمسكهم بالثورة ورفضهم المصالحة مع النظام السوري، وشعارات أخرى تنتقد تصريحات وزير الخارجية التركي.
وفي حوادث أخرى، تطورت الأمور إلى أبعد من ذلك، إذ نشرت مقاطع فيديو لشبان ينزلون الأعلام التركية وأخرى لحرق أعلام تركية، كما تعرضت عربات تركية تابعة للجيش التركي للرشق بالحجارة، وقد ولدت مشاهد حرق العلم التركي، التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا، غضباً واسعاً في صفوف المواطنين الأتراك.
كما تصدر وسم “لن نصالح” على تويتر حيث كتبت أكثر من 10 آلاف تغريدة على الوسم تمحورت معظمها حول رفض السوريين المصالحة مع النظام، والتذكير بالجرائم والمذابح التي ارتكبها النظام، مؤكدين تمكسهم بالثورة “حتى لو تخلى عنها آخر الداعمين”، في إشارة إلى أنقرة.
وتجددت التظاهرات بعد صلاة الجمعة في مناطق مختلفة من شمال سوريا عقب دعوات واسعة للتظاهر احتجاجا على تصريحات وزير الخارجية التركية. واظهرت مقاطع فيديو مشاركة الآلاف في هذه التظاهرات.
والجمعة، أصدر المتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بيلغيتش، بيانا رد فيه على الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام، وهو ما اعتبر بمثابة محاولة لتوضيح تصريحات وزير الخارجية التي قالت مصادر تركية إنها “أخرجت من سياقها وجرى ترويجها بشكل خاطئ”.
وقال المتحدث باسم الخارجية التركية: “تركيا ومنذ بداية النزاع بسوريا كانت أكثر دولة بذلت جهودا لإيجاد حل للأزمة في هذا البلد بما يلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”، مذكراً بأن “تركيا لعبت دورا رياديا في الحفاظ على وقف إطلاق النار في الميدان، وتأسيس اللجنة الدستورية عبر مساري أستانة وجنيف”، مؤكداً أن أنقرة ستواصل تقديم “الدعم الكامل للمعارضة السورية وهيئة التفاوض وستواصل تضامنها مع الشعب السوري”.
وأضاف: “المسار السياسي لا يشهد تقدما حاليا بسبب مماطلة النظام”، مشددا أن هذا هو ما أشار إليه وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو في تصريحاته، الخميس، وتابع: “تركيا توفر الحماية المؤقتة لملايين السوريين، وتواصل إسهامها الفاعل في تهيئة الأجواء المناسبة من أجل العودة الطوعية والآمنة للاجئين، وفي الجهود الرامية لإيجاد حل للنزاع وفق خارطة الطريق المحددة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، وواصل القول: “تركيا ستواصل تقديم مساهمة قوية في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم للنزاع في سوريا بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري، عبر التعاون مع كافة الشركاء في المجتمع الدولي”.
من جهتها، أثنت “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة للمعارضة السورية على بيان الخارجية التركية، وجاء في بيان لها: “وقفت تركيا شعباً وحكومة الى جانب السوريين طيلة السنوات السابقة وكانت السند الأقوى في كافة المحافل، ومن خلال بيانهم أكدوا استمرارهم بالدفاع عن حقوق السوريين والتزامهم الكامل بتطبيق القرارات الدولية المنصوص عليها في مجلس الأمن الدولي”.
وكان وزير الخارجية التركي، الذي نفى بشكل مطلق أي نية لعقد لقاء أو اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، قد كشف عن لقاء جمعه “عالواقف” مع وزير خارجية النظام السوري قبل عدة أشهر، كما أكد على ضرورة المصالحة بين النظام والمعارضة، وهو ما اعتبره معارضون تحولاً في السياسة التركية تجاه القضية السورية، وسط تكهنات متزايدة حول إمكانية إعادة تطبيع العلاقات بين الجانبين.
وعزز ذلك تصريحا سابقا للوزير، بداية الشهر الجاري، قال فيه إن بلاده مستعدة لتقديم “كافة أنواع الدعم السياسي” للنظام السوري فيما يتعلق بـ”إخراج الإرهابيين من المنطقة”، وذلك في إطار الحديث عن إنهاء تواجد الوحدات الكردية في مناطق شمالي سوريا وسيطرة قوات النظام السوري عليها.
وعقب أشهر من اندلاع الثورة السورية، قطعت تركيا علاقاتها مع النظام السوري، واعتبرت أكبر الدول دعماً للمعارضة السورية، ولم تجر أي اتصالات سياسية بين أنقرة ودمشق منذ 11 عاما، إذ وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ”القاتل والإرهابي والجزار”.
وفي السنوات الماضية، تحدث أكثر من مسؤول تركي رفيع عن وجود “اتصالات على مستوى الاستخبارات” مع النظام السوري، وهو ما برر مراراً بأنها اتصالات أمنية محدودة تبقي عليها كافة الدول فيما بينها مهما وصلت إليها الخلافات لتجنب وقوع أحداث غير مرغوب فيها، ومن أجل مناقشة “ملفات قومية” بعيداً عن الخلافات السياسية وحتى العسكرية، فيما واصل المسؤولون الأتراك نفي أي تغير في التوجهات السياسية نحو النظام السوري نفيا قاطعا.
“القدس العربي”