نشرت مجلة “تايم” الأمريكية تقريرا أعده تشارلي كامبل، قال فيه إن محاولات جنرالات باكستان تكميم صوت رئيس الوزراء السابق عمران خان قد ترتد سلبا عليهم.
وقال إن خان كان يحاول البحث عن فتنة حتى قبل الإطاحة به كرئيس للوزراء. فقبل التصويت على سحب الثقة منه في 9 نيسان/ أبريل، قرر تنظيم احتجاجات حاشدة لتعبئة قاعدة حزب الوسط الذي يقوده “تحريك إنصاف” ومهاجمة خصومه السياسيين الذين وصفهم بتنظيم انقلاب دعمته الولايات المتحدة للإطاحة به. وأصبحت التظاهرات هذه أكثر احتشادا وأشد حدة في الأسابيع الأخيرة، حيث وجّه أيقونة الكريكيت غضبه ضد المؤسسة العسكرية التي دعمت صعوده السياسي ثم تخلت عنه. ووصلت الأمور إلى درجة تستدعي التعامل مع الوضع، فقد قامت الشرطة بتوجيه تهم لخان بناء على قانون مكافحة الإرهاب بسبب خطاب ألقاه يوم السبت في إسلام أباد، حيث تعهد بتقديم ضباط شرطة وقاضية إلى المحكمة بسبب اعتقال وتعذيب مساعد مقرب منه.
ولا يزال خان حرا طليقا، في وقت هدد أنصاره بتنظيم مظاهرات حاشدة لو اعتقل.
ويقول مايكل كوغلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركزوودرو ويلسون: “لو تم اعتقال خان، فستكون النتيجة غير واضحة وربما يشهد البلد مخاطر عنف في المدن الكبرى”. مضيفا: “يتمتع خان بدعم قاعدة مسعورة ولن تقف مكتوفة الأيدي” وفق وصفه.
وتدور القضية المتهم بها خان حول شهباز غيل، الوزير السابق والمساعد الخاص لخان، والذي دعا في خطاب تلفزيوني الجنود لعصيان “الأوامر غير القانونية” من قادتهم العسكريين.
واتُهم غيل بالدعوة للفتنة والتي تحمل حكما بالإعدام، وزعم أنه تعرض للتعذيب أثناء التحقيق. وحصلت المجلة على صور تظهر الكدمات التي تعرض لها غيل أثناء اعتقاله، مع أنها لم تكن قادرة على التحقق منها. ودافع خان عن صديقه، منتقدا المفتش العام للشرطة الباكستانية والقاضية التي أصدرت أمر اعتقال غيل. وقال خان: “جهزوا أنفسكم وسنتحرك ضدكم. يجب أن تخجلوا من أنفسكم”. واعتبر القضاء الباكستاني التصريحات تهديدا واضحا وقدّم دعوى ضد خان. ولكن محكمة في باكستان أصدرت حكما بمنح خان “كفالة حماية” حتى يوم الخميس وتمنع اعتقاله.
وعلى أية حال، فخطابات خان ممنوعة من القنوات الفضائية داخل باكستان، بعدما اتهمت هيئة تنظيم البث الوطني خان بإطلاق اتهامات “لا أساس لها” ضد الدولة، و”نشر خطاب الكراهية”. وعارضت كل القوى السياسية أمر الاعتقال. وقال السناتور فرحة الله بابار، من حزب الشعب: “استبعاد زعيم سياسي بشكل كامل من الإعلام ليس سياسة صحيحة”، و”هناك مخاطرة بجعل شخص أكبر من الحياة بطريقة غير مقصودة ولا يستحقها”.
ولا يعرف الطريقة التي سيترك فيها تأثير المنع على خان الذي يتمتع بـ17 مليون متابع على تويتر، وهو أكبر من متابعي أشهر البرامج الإخبارية الحوارية في باكستان. ونشرت تقارير يوم الأحد عن تعطيل الدخول إلى يوتيوب لمنع نشر خطابه الذي كان يلقيه في مدينة روالبندي، شمالي البلاد. وبالتأكيد، فمأزق خان هو الأحدث في الأزمات التي تمر بها باكستان النووية. وفوق الاستقطاب المفرط في المناخ السياسي، يعاني سكان البلاد البالغ عددهم 230 مليون نسمة من تضخم وصل إلى 24.9% في تموز/ يوليو، ولم تكن الحكومة قادرة على تحسين الاقتصاد، وتمارس القمع مع المعارضة.
وسيقابل وفد من صندوق النقد الدولي في 29 آب/ أغسطس مسؤولين باكستانيين للتفاوض حول حزمة إنقاذ. لكن منظور الاضطرابات السياسية والوضع الاقتصادي يعني أن باكستان تمر في لحظة حرجة حسب كوغلمان. ورغم العلاقات الصعبة، تعتبر باكستان حليفا أمنيا لا يقدر بثمن، خاصة فيما يتعلق بالجارة أفغانستان، حيث عادت طالبان للحكم منذ العام الماضي.
وعدم الاستقرار داخل المؤسسة العسكرية والصراع بين المؤيدين لخان والمعارضين له، يقوض عمل المؤسسة المهمة. ففي 10 آب/ أغسطس، زعمت طالبان باكستان أنها أعادت السيطرة على أجزاء من وادي سوات في شمال البلاد، وهي لحظة محفوفة بالمخاطر لكي ينقسم الجيش الباكستاني على نفسه. وبالنسبة لسامينا ياسمين، مديرة المركز للدول والمجتمعات الإسلامية بجامعة ويسترن أستراليا، فقد أخطأت حكومة شهباز شريف، من حزب الرابطة الإسلامية، وشقيق منافس خان، نواز شريف، رئيس الوزراء الأسبق، بالسماح لخان كي “يثير الهستيريا”، لكنها تواجه الآن “مزيدا من عدم الاستقرار” من خلال قمع خان بطريقة غير جيدة.
وقالت: “القضية هي أن باكستان بلد نووي، ولكن فيه الكثير من الناس، ومن غير المعروف إلى أين ستؤول الأمور لو حدثت مواجهات”.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، خفف خان من حدة لهجته تجاه الولايات المتحدة، تاركا الباب مفتوحا لإصلاح العلاقات لو عاد بأعجوبة للحكم مرة ثانية. ولكنه ركز هجماته ضد الجيش الذي وصفه ساخرا بـ “المحايدين”، في رد واضح على بيان من قادة الجيش أنهم لا يتدخلون في السياسة. وحتى الرموز في حزب الرابطة الإسلامية (نواز) تبنوا النكتة، مشيرين إلى أن الجنرالات الذين حكموا باكستان طوال 75 عاما، لا يزالون هم من يصنعون الحكام. وزادت الاتهامات الموجهة لخان من غضب أنصاره ضد الجيش، خاصة قائده قمر جافيد باجاوا، والذي يعتقد أنه كان المحرك الرئيس للإطاحة بخان.
ويعلق كوغلمان: “تحول باجاوا من شخص محترم إلى بغيض في عيون أنصار خان، هو أهم ملمح من هذه الملحمة”. والواقع هو أن طريق خان للسلطة لم يكن متاحا لو لم يدعمه الجيش، وخسر الحكم عندما تخلى عنه الجيش. وبالمحصلة، فقد تأثرت سمعة الجنرالات في المنظور السياسي الباكستاني بأكمله. فعندما مات ستة ضباط بمن فيهم جنرال كبير بعد تحطم مروحيتهم في بداية آب/ أغسطس، لم يكن هناك تعاطف كبير معهم على منصات التواصل الاجتماعي. وكتب الكثيرون تعازي للطائرة التي تحطمت بدلا من الأرواح التي فُقدت.
ولم يكن المجتمع الباكستاني منقسما بهذه الطريقة، حيث ينظر نصف لخان باعتباره المخلص، والنصف الآخر يتعامل معه وكأنه قرين الشيطان. وترى ياسمين أن ما فعله خان هو تقسيم البلد فعليا. وتقول: “هذا يشبه ما فعله ترامب، إذ إن بلدا مثل الولايات المتحدة لم يكن قادرا على التعافي، فكيف ببلد مثل باكستان؟”. والسؤال هو إن كان الجنرالات سيجلسون في مقعد المتفرج لو اندلعت الاحتجاجات وسط أزمة اقتصادية وكارثة تتخمر.
وكان الجيش الباكستاني يتحرك ويسيطر على السلطة لو شعر أن الأمور باتت خارج السيطرة، كما فعل عام 1999. وتوصل الجنرالات لاحقا إلى أن السيطرة على الأمور من خلال التحكم بخيوط اللعبة سرا، أفضل من الانقلابات.
والسؤال، هل تغير هذا الموقف؟ وتقول ياسمين: “لا أتصور قيام الجيش بالسيطرة. جزء مني يرى أن الأمور باتت سيئة، فهل هناك البعض (في الجيش) يعتقد أنه الخيار الصحيح؟”.
“القدس العربي”