يسود اعتقاد بين الأهالي في القرى الدرزية في منطقة جبل السماق بريف إدلب بأن زيارة رئيس “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني إلى المنطقة في شهر حزيران/يونيو الماضي قد جلبت عليهم الوبال والفوضى، وباتوا أكثر عرضة للانتهاكات والاعتداءات على يد السلفيين المتشددين، وذلك بعكس وعود الجولاني، الذي وعد بتحسين الخدمات والأمن ودعم استقرارهم في قراهم.
في 20 من آب/أغسطس الحالي، عثر الأهالي في بلدة كفتين في منطقة جبل السماق التي تسكنها أكثرية من الموحدين الدروز، على المواطن تركي بياس وزوجته هدى زكي مقتولين بالرصاص على طريق عودتهما إلى منزلهما ليلاً، وقد قام القتلة بسرقة الضحيتين، قبل أن يلقوا بجثتيهما في مكان قريب من منزلهما الواقع في الأطراف الغربية من البلدة.
وقال مصدر أمني في جهاز الأمن العام التابع لـ”تحرير الشام” لـ”المدن”، إن “الجهاز الأمني استنفر كامل وحداته المنتشرة في محيط منطقة جبل السماق، وخلال 72 ساعة فقط تمكن الجهاز من القبض على المجرمين، وهما عنصران في خلية أكبر تتبع لتنظيم (داعش)”، لافتاً الى ان “العنصرين المعتقلين هما سلفيان من الجنسية الأوزبكية، الأول أبو بكر الأوزبكي، والثاني عبد الله الأوزبكي”.
وأضاف المصدر: “عُثِرَ على متفجرات في حوزة المعتقلين الاثنين، إضافة الى قنابل يدوية ومسدسات وأسلحة فردية من طرازات مختلفة، بالإضافة إلى مصاغ ذهبية وأجهزة هاتف”، مضيفاً أن “معظم المسروقات التي تم ضبطها تعود للضحيتين، الرجل وزوجته في بلدة كفتين”.
وأشار المصدر إلى أن “جريمة قتل الرجل وزوجته في كفتين ليست الجريمة الوحيدة التي ارتكبها العنصران المتشددان، حيث قام العنصر أبو بكر الأوزبكي باغتيال عنصر من “تحرير الشام” في قرية كفريا، واغتيال حكمت هداد، من قرية كوكو في جبل السماق، بهدف سلبه مالاً كان بحوزته، كما قام باستدراج عنصر من “جيش الأحرار”، بحجة شراء سلاحه، بغية قتله وسلب ماله، بالإضافة لاعتراف العنصرين المتشددين بوضع عبوة ناسفة لأحد قادة “كتيبة التوحيد والجهاد”، وهي كتيبة تضم عناصر سلفيين من الأوزبك، وتتبع لـ”تحرير الشام”.
تشكيك برواية “تحرير الشام”
بالغت “تحرير الشام” في الترويج لجهود جهازها الأمني الذي ألقى القبض على عنصري خلية “داعش” اللذين قتلا الرجل وزوجته المسنين في بلدة كفتين، وأرسلت “تحرير الشام” وفوداً من إدارة منطقة شمال إدلب، وعدداً من المشايخ والسلفيين التابعين لها لتعزية أهالي البلدة، ووعدوا أهالي البلدة وباقي قرى منطقة جبل السماق بإنزال أقصى العقوبات بحق المجرمين، وألمح المتحدث باسم الجهاز الأمني ضياء الدين العمر في تسجيل مصور تداوله الإعلام المحلي إلى أن دوافع المجرمين ليست طائفية، إنما كان القتل بدافع السرقة وجمع الأموال (الاحتطاب) وهو الغالب في عمليات الخلية التي نفذتها في إدلب خلال الفترة الماضية.
شكك السلفيون المناهضون لـ”تحرير الشام” بروايتها حول ضلوع عناصر سلفيين من الأوزبك بجريمة قتل الرجل وزوجته في كفتين، واعتبروا الاتهام الذي لا يستند الى دلائل حقيقية، واعترافات علنية، بداية مرحلة جديدة ستعمل “تحرير الشام” خلالها على ملاحقة السلفيين المهاجرين الذين بقوا خارج صفوفها، وخارج الجماعات والتنظيمات المقربة منها، وبذلك سيكون أي سلفي مهاجر مستقل متهماً، ومطارداً بتهمة الانتماء لـ”داعش” وعصابات “الاحتطاب” في إدلب.
اعتداءات بعد زيارة الجولاني
تعدّ بلدة كفتين الأكبر بين 16 قرية وبلدة درزية في منطقة جبل السماق في ريف إدلب، وقال مصدر محلي في منطقة جبل السماق بريف إدلب لـ”المدن”، “شهدت معظم قرى وبلدات الجبل اعتداءات خلال الفترة التي تلت زيارة الجولاني إلى المنطقة أوائل شهر حزيران/يونيو، ووقع العدد الأكبر من الاعتداءات في بلدة قلب لوزة على يد سلفيين مهاجرين، وبالأخص السلفيين التركستان”.
وأضاف المصدر: “في أوائل شهر آب/أغسطس، اقتحمت مجموعة من التركستان مسجد قلب لوزة قبل بداية خطبة الجمعة، وبدأ المقتحمون الصراخ وسط الناس في المسجد، “أنتم دروز كفار”.. ووجه بعضهم البنادق تجاه المصلين الذين انسحبوا من المسجد، وتعرض عدد من أهالي بلدات الجبل لمضايقات وتعرض بعضهم للضرب على يد السلفيين المهاجرين”.
صراع السلفيين
يرى فريق من السلفيين المناهضين لـ”تحرير الشام” أن العناصر المتشددة التابعة للأخيرة، وعناصر ومجموعات تتبع للتركستان والتنظيمات والجماعات السلفية التي تضم مهاجرين وهي مقربة من “تحرير الشام”، هي “من يقف وراء الاعتداءات، وقد أزعجتهم زيارة الجولاني إلى منطقة الجبل، ولقائه بالأهالي الذين ترك لهم حرية الاعتقاد والعبادة، ووعدهم بإعادة عقاراتهم ومنازلهم”.. ويرى هذا الفريق أن الرجل وزوجته اللذين قتلا أخيراً “هما من ضمن الأشخاص الذين استعادوا منازلهم التي كانت واحدة من الجماعات المتشددة تضع يدها عليها”.
ونفى “الحزب الاسلامي التركستاني” في الاسبوع الماضي المعلومات المتداولة حول اعتداء عناصر تابعين له على أهالي القرى والبلدات في منطقة جبل السماق، وقال الحزب في بيان إن الاتهامات هي “افتراء على الفصيل الذي ينأى بنفسه عن أي مشكلات داخلية”، ونفى الحزب أن يكون لعناصره أو تشكيلاته المسلحة أي وجود في منطقة جبل السماق، سواء على شكل مقار عسكرية أو مساكن.
وقالت مصادر سلفية متطابقة لـ”المدن” إن “مزاعم الحزب ونفيه اعتداء عناصره في المنطقة غير دقيقة، فالاعتداءات وقعت بالفعل، ولكن لم تكن فقط على يد عناصر الحزب التركستاني، بل عناصر سلفيين سابقين، ويعتقد أن من بينهم عناصر ينتمون للتيار المتشدد في “تحرير الشام”، فيما وجهت الأخيرة قوة أمنية كبيرة إلى المنطقة ونشرت حواجزها فيها لمنع الاعتداءات، وحماية الأهالي بعدما تلقت مناشدات من بعضهم بداية شهر آب/أغسطس”.
يبدو أن “تحرير الشام” ستعمل على استثمار حادثة القتل في بلدة كفتين وذلك من خلال تعزيز وجودها الأمني في المنطقة، والايحاء بأن وجودها ضروري كحامٍ للأقليات في ريف إدلب أمام “توحش الجماعات السلفية غير المنضبطة”، وفي ذلك تعزيز لدعايتها وترويجها لانفتاحها المفترض، وهو ما سيتيح لها أيضاً استكمال حملاتها الأمنية ضد السلفيين وترويضهم وفق رؤيتها ومشروعها في الادارتين العسكرية والمدنية.
“المدن”