يُمثل لقب سفير النوايا الحسنة امتيازاً كبيراً لمن يحصل عليه من نجوم الفن والتمثيل في مصر، رغم أنه لا يعني في ذاته أكثر من تشريف أدبي للشخصية التي وقع عليها الاختيار من الجهة المانحة للقب، إذ لا يُعطي اللقب لصاحبة حق التمثيل الدبلوماسي أو السياسي، وإنما يضع الشخصية فقط في مرتبة مرموقة كاعتراف بأهميتها وتأثيرها الشعبي والجماهيري داخل مُحيطها المحلي والإقليمي وخارجه.
وهذه ربما تكون الميزة الواضحة في اختيار الفنان أو الفنانة للتشريف والتكليف، وهي بالطبع عملية انتقائية تختص بها بعض الجمعيات التابعة للمنظمة العالمية للأمم المُتحدة، وفق معايير وأسس منصوص عليها في المبادئ التي قامت عليها المنظمات الحقوقية، الدولية والعالمية كمنظمات الهلال الأحمر والصليب الأحمر واليونيسيف واليونسكو ومفوضية الأمم المتحدة وصندوق الأمم المتحدة إلى آخره.
ويتمتع سفير النوايا الحسنة بعدة مزايا غير رسمية من بينها، سهولة السفر والتنقل بين الدول محل النشاط الحقوقي المكلف به، ومن ثم يكتسب صفة الأهمية تبعاً للدور الذي يمارسه والنتائج التي يحققها في الإطار الإنساني، غير أنه يدخل في دوائر العلاقات ذات الاعتبار الدبلوماسي مجازاً، حيث تتوافر له وسائل الاتصال والتواصل مع الشخصيات المُستهدفة في مهمته ونشاطه، المُرتبط بالحقوق والواجبات الإنسانية تجاه الفئة التي يعمل من أجلها، كمرضى الإدمان ومرضى الإيدز واللاجئين. كما يضطلع بقضايا الهجرة والفقر والأمومة والطفولة والصحة النفسية والمرأة وغيرها من مدارات ومجالات المساعدات القانونية المشروعة والمُتضمنة في برامج المنظمات الدولية والعالمية المختصة بحقوق الإنسان وصناديق الدعم المالي واللوجستي. ولأن لقب سفير النوايا الحسنة يحمل بعض الدلالات الإيجابية، فمن يحصل عليه يعتبر نفسه ضمن الشخصيات المهمة والمعدودة في العالم، حتى إن كانت مهمته ترتبط بنشاط ما داخل الإقليم العربي أو الإفريقي، أو منطقة الشرق الأوسط حسب، فهذا لا يمنع وجود الأهمية القصوى للمنصب والمكانة. ولكن مع كثرة الترشيحات والشخصيات بدأت النظرة المُجتمعية التقديرية لمكانة سفير النوايا الحسنة تتغير بعض الشيء وتفقد بريقها، لاسيما في ضوء حصول شخصيات ما ليس لها التأثير الجماهيري والشعبي الكبير، على الصفة الشرفية عالية المستوى، دون استحقاق منطقي يُبرر الاختيار، فمسألة الشهرة وحدها ليست كافية لأن تكون الشخصية المشهورة صاحبة الامتياز الدبلوماسي المجازي، فمن باب ضمان النتائج ونجاح الدور التنشيطي في مجال حقوق الإنسان يجب أن تُراعى الجوانب الثقافية والاهتمامات الفردية في الشخصية التي يتم اختيارها.
لقد فاز عدد كبير من النجوم والنجمات المصريين بنيل درجة سفير النوايا الحسنة في مجالات مُختلفة، كان من بينهم حسين فهمي وعادل إمام ومحمود قابيل ومحمد صبحي وصفية العمري ويسرا وإلهام شاهين ومنى زكي وأحمد حلمي وخالد أبو النجا وخالد النبوي ونيللي كريم وآسر ياسين ودنيا سمير غانم، وجميعهم كُلفوا بمهام معينة ذات صلة بالأنشطة الحقوقية على اختلاف نوعياتها وأهميتها، كشؤون اللاجئين والإغاثة والطفولة والأمومة وغيرها من الجوانب المُتصلة بالإنسان واحتياجاته وحقوقه.
وهؤلاء ظلت أدوارهم التطوعية في هذا السياق غير معلومة على وجه الدقة، لا يعرف منها الجمهور غير العنوان الرئيسي فقط، وهو المُسمى الوظيفي «سفير»، لكن التفاصيل والأدوار الحقيقية وما يُحيط بها فهي في طور السرية والكتمان، على عكس ما هو مطلوب، فعلى سبيل المثال تم اختيار خالد النبوي عام 2018 سفيراً لبنوك الدم من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر لمنظمة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وقد أدى الفنان دورة بكفاءة بلا دعاية أو بروباغندا، ودون توضيح دقيق لرسالته ودورة وكيفية قيامة بمهمته الإنسانية الكبيرة والحساسة، وكذلك اختص محمد صبحي بمكافحة الإدمان، واضطلعت إلهام شاهين بمسؤولية الرعاية والإغاثة والدعوة للسلم، ومثلها تم توظيف يسرا كشخصية عامه في البرنامج الإنمائي لتكون مسؤولة عن تنشيطه وتفعيله.
ومن جانبه عُين الفنان محمود ياسين قبل رحيله بسنوات كمسؤول عن مكافحة الجوع والفقر، أما محمود قابيل فكان من نصيبه ملف حقوق الأطفال ومرضى الإيدز، ومؤخراً تم تتويج كل من نيللي كريم وآسر ياسين ليكونا مسؤولين عن ملف الهجرة بشقيها الشرعي وغير الشرعي، وذلك لكشف الجوانب السلبية والإيجابية للهجرة وما يترتب عليها من نتائج.
ومن المفارقات في هذا الموضوع أن أسماء أخرى ظلت طوال حياتها وتألقها الفني خارج التصنيف والتوصيف، رغم اتصالها بالعمل العام واهتمامها به كالفنان نور الشريف، الذي أمضى عمراً طويلاً في تقديم القضايا والمُشكلات السياسية والإنسانية، ولم يحظ يوماً بدرجة سفير شرفي كغيره من النجوم المذكورين، وأيضاً صلاح السعدني له الكثير من المساهمات الفنية والإبداعية في هذا الصدد، وعبد العزيز مخيون لم يتوج كسفير ولم ينل تكريماً من هذا النوع!
ويبقى أن نذكر واقعتين فارقتين في المعنى والدلالة، تتصلان باستقالة كل من حسين فهمي والفنان السوري جمال سليمان من المنصب الشرفي وتنازلهما عن درجة السفير، احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية الصهيونية على لبنان عام 2006 ليظل السؤال مطروحاً.. ما هو الحصاد الفعلي لجهود سفراء النوايا الحسنة من نجوم الفن والسينما في مصر، وما هي أبرز نتائج العمل الدبلوماسي التطوعي على مدار السنوات الطويلة الماضية؟!
كاتب مصري
“القدس العربي”