المصدر: ميدل إيست آي
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: عمر أوزكيزيلجيك
بعد التعليقات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حول مصالحة محتملة بين أنقرة ودمشق، تساءل الكثيرون حول جدوى هذا الموضوع.
ومع ذلك، وفي حين أنه لا ينبغي توقّع اختراق دبلوماسي في أي وقت قريب، فإن الفوائد المزعومة لتركيا لا يمكن لها أن تتحقق في ظلّ الوقائع القائمة.
أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريح مهم الأسبوع الماضي قال فيه: إن تركيا لا تهدف إلى تغيير النظام، لكنها تُركّز على محاربة الإرهاب في سورية. وكما يقول جاويش أوغلو: إن أنقرة مستعدة للتحدّث مع دمشق دون أي شروط مسبقة.
تخدم هذه التصريحات هدفين رئيسيين: الاستجابة للضغوط الروسية، ومعالجة الاعتبارات السياسية الداخلية. فلقد جادلت المعارضة التركية بأن المصالحة مع نظام الأسد ستُسهّل عودة اللاجئين إلى سورية، وأن عناد الحكومة التركية هو العقبة الوحيدة. وعلى ما يبدو فإن الناخبين الأتراك قبلوا تلك الحُجّة.
يعتقد أولئك الذين يؤيدون فكرة المصالحة مع نظام الأسد في أنقرة أن تلك المصالحة ستُسهّل عودة اللاجئين السوريين وتُساعد في القتال ضد وحدات حماية الشعب الكردية. إنهم يأملون في أن تدعم روسيا بصدق التقارب، حيث تُركّز موسكو على أوكرانيا وتهدف إلى تجنّب الوقوع في المستنقع في سورية.
لكن التذكير بالوقائع في سورية جاء فوراً من وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، الذي اتهم تركيا هذا الأسبوع بدعم الإرهاب، وطالب بالانسحاب الكامل للقوات التركية من سورية وإنهاء المساعدة للمعارضة السورية.
نظرة قاتمة
بالنسبة لمراقبي الصراع السوري عن كثب، كانت هذه التصريحات متوقعة تماماً، وكان نظام الأسد قد وصف تركيا في السابق بأنها “أحد الرعاة الرئيسيين للإرهاب” بسبب دعمها للمعارضة السورية.
يجب أن يتمّ فحص التوقعات الموجودة لدى الجمهور التركي ودعاة المصالحة من خلال التحقق من الواقع.
الواقع أن آفاق المصالحة بين أنقرة ودمشق قاتمة، ولكن لنفترض جدلاً أن ذلك سيحدث، فهل سيتم تلبية هذه التوقعات؟
عندما يتعلق الأمر بعودة اللاجئين السوريين، فيبدو أن دعاة المصالحة قد تجاهلوا تجارب لبنان والأردن، والتي كلاهما قام بتطبيع العلاقات مع النظام. ومع ذلك، منذ عام 2019، عاد حوالي 40 ألف سوري فقط من لبنان إلى سورية، بينما دخل آلاف اللاجئين الآخرين إلى الأردن، وتواجه الحكومة الأردنية الآن مشكلة تهريب المخدرات، حيث أصبحت حكومة الأسد منتجاً ضخماً للكبتاغون.
في تركيا، تبدو فرص العودة إلى سورية التي يسيطر عليها النظام غير مرجحة وسط اشتباكات عسكرية منتظمة بالقرب من الحدود التركية، في المقابل، فإن المناطق القريبة من لبنان والأردن تخضع بالكامل لسيطرة نظام الأسد.
علاوة على ذلك، لا يريد الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا العيش في ظل نظام الأسد، خوفاً على مصيرهم إذا عادوا، وإذا تم إعادتهم بالقوة، فقد يجربون حظهم في الفرار إلى أوروبا. وبالنسبة لنظام الأسد، فهؤلاء السوريون غير مرحب بهم. فهو يعتبرهم عملاء وإرهابيين، وقامت قواته بتعريض العائدين للاعتقال والاختفاء والتعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي.
بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع النظام رعاية مزيداً من الملايين من السوريين الآخرين، مع العلم أن وجودهم في البلاد قد يؤدي إلى انتفاضة أخرى. لماذا قد يخاطر نظام الأسد بمثل هذه القصة؟
تهديد وجودي
ويبقى أيضاً أن نرى ما سيحدث للسكان داخل سورية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بما في ذلك النازحون داخلياً من جميع أنحاء البلاد الذين رفضوا العيش في ظل نظام الأسد وتم نقلهم في حافلات خضراء باتجاه الحدود التركية.
نظراً لأن حكومة الأسد تريد انسحاب تركيا من سورية، فإن المصالحة بين دمشق وأنقرة ستوفّر فرصة واقعية لملايين السوريين الآخرين الذين يحلمون بالفرار إلى تركيا.
كما تتناقض التوقعات بشأن التعاون المحتمل في حرب تركيا ضد وحدات حماية الشعب مع ما يقوم به النظام في سورية. فقد وقّع نظام الأسد اتفاقية مع وحدات حماية الشعب عام 2019 تقضي بحماية المناطق التي تسيطر عليها تلك المليشيا من تركيا وقوات المعارضة المتحالفة معها.
ومنذ ذلك الحين، نشر النظام قواته إلى جانب الجيش الروسي في تل رفعت ومنبج وعين العرب ومدن أخرى.
مع تهديد تركيا مؤخراً بعملية عسكرية أخرى في سورية، تعهدت وحدات حماية الشعب بالتنسيق مع نظام الأسد للدفاع عن المنطقة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قصف سلاح الجو التركي مواقع حدودية بالقرب من بلدة كوباني التي يسيطر عليها الأكراد، مما أسفر عن مقتل 17 مقاتلاً، بينهم ثلاثة جنود للنظام السوري.
“نداء بوست”