الصورة التي برزت عن المشهد الحالي للغزو الروسي لأوكرانيا باتت على ما يبدو واضحة في ذهن الساسة الغربيين وبالضرورة إعلامه، وهي أن قوات كييف حققت انتصارا باهرا في أيام وحررت آلاف الأميال من الأراضي التي خسر الجيش الروسي قوات ومعدات وقضى أياما وأسابيع للسيطرة عليها، والمساحة المحررة تعتمد على المصدر الذي تأخذ منه معلوماتك، إن كان الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، المخابرات الغربية أو التقارير الصحافية. وما هو متفق أن القوات الروسية انسحبت من مناطق وبلدات في منطقة خاركيف، واعترف الكرملين بالتراجع وسط موجة من النقد والشجب والدعوة لشحذ السكاكين ضد قادة الجيش الذين هزموا. وتزامنت العملية الأوكرانية التي وصفها المعلقون الغربيون «بضربة معلم» للقوات الأوكرانية ضد الدب الروسي الذي اهين في هذه الحالة، مع لقاء مهم بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند في أوزبكستان يوم الأربعاء.
وبدا بوتين الذي اتفق مع شي على تعزيز الصداقة بين البلدين واضحا في حديثه عن مظاهر القلق الصيني من العملية العسكرية الخاصة (وهذا اسمها الرسمي عند الكرملين) في أوكرانيا. والسؤال الذي يدور في أ ذهان السياسيين والعسكريين الغربيين هو عن التحرك القادم لبوتين، وهل سيصعد الحرب أم أن الهزيمة الأخيرة هي مقدمة لحل دبلوماسي، مع الملاحظة أن الطرفين لم يتحدثا منذ بداية الحرب قبل سبعة أشهر عن الحل الدبلوماسي ودور مهم للأمم المتحدة في تسوية النزاع أو وقفه، فقد غاب دور المؤسسة الدولية منذ البداية وبات مقتصرا على الطلب منها التحقيق في جرائم الحرب الروسية أو المساعدة على تأمين خروج القمح للمساهمة في تخفيف أزمة الغذاء العالمية. والأيام القادمة كافية للجواب على هذا السؤال.
العنيد
ففي الوقت الحالي يبدو بوتين العنيد مستمرا في حربه ويرفض التراجع على الإطلاق. وقد ساعده عناده هذا في السنوات الماضية على إظهار حجم القوة العسكرية الروسية على المسرح العالمي. بل وأكد أن الخسائر في خاركيف لا تؤثر على مجمل العملية العسكرية وان قواته لا تقاتل بكامل عدتها ولم تعلن الحرب على أوكرانيا أو التعبئة العامة.
لكن الصورة التي ظهر فيها جيشه ونكسته الأخيرة، من هروب قواته المتعجل وارتدائهم الزي المدني وتخليهم عن كميات كبيرة من المعدات، وهو ما يؤشر أن الانسحاب لم يرتب له بشكل جيد، زاد في تشويه سمعة بوتين ورئاسته وألب عليه حتى أنصاره، كما بدا في كلام حليفه الأهم في الشيشان رمضان قديروف الذي طالب وزارة الدفاع في تسجيل على قناته في «تيلغرام» تقديم توضيحات حول الهزيمة. ولم يكن قديروف صوتا نشازا بل وشارك بالتذمر والنقد أنصار مقربون من بوتين. وذكرت مجلة «بوليتيكو»(11/9/2022) أن التطورات الأخيرة في خاركيف تمثل لبوتين صداعا عسكريا وسياسيا، فجهود الكرملين لرسم صورة براقة عن الحرب في أوكرانيا تمزقت. ولم تعد الحرب بعيدة عن سكان المدن الروسية التي قالت دعاية الكرملين بأنها تدور في مكان بعيد. وبدأ المدونون ومراكز الأبحاث وحتى الساسة بالحديث عن عدم ارتياحهم من الهزائم التي تعرض لها الجيش في جبهات القتال. ولم تصل الهجمات بعد بوتين، إلا أنه لو لم يرد على النكسة الجديدة فربما تطورت إلى معارضة قوية. وانتقد سيرجي كاركوف، المعلق السياسي المرتبط بالكرملين والبرلماني السابق عن حزب الرئيس الحاكم، والذي حضر احتفالات موسكو ليلة السبت، حيث حدثت الهزيمة وافتتاح بوتين لعبة عجلات عملاقة وسط ألعاب نارية. وكتب «تبدو الاحتفالات اليوم خطأ سياسيا، وتشبه مأدبة في زمن الوباء. ويبدو أن سلطات موسكو لم تكن راغبة بإلغائها حتى لا تتسبب بالفزع» وكان السياسي كاركوف قد دعم في السنوات الماضية الحركة الانفصالية في دونباس. وقال إن الألعاب النارية في يوم هزيمة مأساوية لروسيا كان يجب إلغاؤها، مشيرا لضرر ممكن قد يصيب سمعة بوتين بين الناخبين «كان على الحكومة ألا تحتفل في وقت يحزن فيه الناس». وانضم سيرغي مينروف، زعيم حزب روسيا العادلة الذي يدعم الكرملين للنقد وإن بحذر، وحث سلطات موسكو على تأجيل الألعاب النارية حتى يتحقق النصر في أوكرانيا «وهذا يحترم، في هذا اليوم من يحملون البنادق في أيديهم ويخاطرون بحياتهم ويدافعون عن روسيا وكل سكانها وبعيدا آلاف الأميال من بيوتهم». ولام المدنون في المدونات العسكرية وزارة الدفاع والمعلومات الفوضوية التي تقدمها وتجنبها الحديث عما يحدث في منطقة خاركيف منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الأوكرانية المضادة. كما وشجب المدونون السلطات الروسية على فشلها في إدارة عملية الانسحاب من خاركيف بطريقة جيدة. وقال أليكس تشادييف، من مركز بحث موال للكرملين إن الجيش الروسي «بشكل كامل وبشكله الحالي- بكلام مخفف- غير مناسب للحروب الحديثة». وقال إن الهزيمة الأخيرة تذكر بهزيمة مماثلة للجيش الأحمر في نفس المنطقة أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي هذه المنطقة قام الجيش الألماني بشن عملية «فردريكوس» ووجه ضربة قوية للجيش الأحمر المحاصر وخسر حوالي ربع مليون بين قتيل وجريح. وأضاف تشادييف «إما أن نقاتل أو نستسلم، ولو سألتني فأنا مع القتال».
الحل النهائي
وهذا صوت يدعو للتصعيد تماما كتلك الأصوات الناشطة على الإنترنت والتي تدعو لخيارات الحرب النووية لحسم المعركة ضد كييف وتروج لنظر الطعن بالظهر الألمانية التي ألقت بالهزيمة في الحرب العالمية الأولى على أعداء محليين أشرار بمن فيهم اليهود. وأسهمت هذه النظرية بصعود النازيين، وقد هاجم أتباع بوتين المتطرفين علنا الجيش الروسي والقيادة السياسية بزعم أنها تكبح جماح القوة الروسية الكاملة – رغم أنهم نادرا ما يذكرون بوتين بالاسم. إن مروجي أسطورة الطعن في الظهر الروسية ليسوا حزبا أو حركة أو مجموعة واحدة. بدلا من ذلك، فإن المحتجين هم تحالف فضفاض – نشط في الغالب على الإنترنت – من منظري اليمين المتطرف والمتطرفين المتشددين والمحاربين القدامى في حرب دونباس عام 2014 ومرتزقة مجموعة فاغنر والمدونين والمراسلين الحربيين الذين يديرون قنوات على تطبيق تلغرام الخاصة بهم وموظفي وسائل الإعلام الحكومية الروسية، بعضهم جنود أو مرتزقة يقاتلون في أوكرانيا، وقد خدمت قنواتهم كأدوات تجنيد. كان لدى الآخرين عدد أتباع متواضع قبل الحرب من خلال الترويج لأسباب مختلفة، بعضها غامض ولكن في الغالب قضايا قومية أو يمينية، مثل استعادة حكم الاتحاد السوفييتي على أوروبا الشرقية، أو بناء إمبراطورية روسية جديدة، أو الترويج لـ «روسيا للروس» ويختزل مطلبهم بالتالي: إنهم يريدون المزيد من جرائم الحرب – لا رحمة ولا ندم ولا تظاهر حتى بالاهتمام بوفيات المدنيين حتى يتم إخضاع أوكرانيا تماما ومحو فكرة الأوكرانية إلى الأبد. وبسبب الإحباط من الهزيمة المذهلة وغير المتوقعة على جبهة خاركيف الأوكرانية، طالب العديد من المدونين المؤيدين للحرب بانتقام سريع دون اعتبار لوفيات المدنيين. وأظهر تقرير في مجلة «فورين بوليسي» (12/9/2022) صورة خطابهم الشوفيني ودعوتهم للكراهية. وحذر كاتب المقال من أن الهزيمة الحتمية لروسيا، والضيق الاقتصادي العميق، وفقدان مكانة القوة العظمى على يد دولة لم يعترف الكرملين بوجودها، ستكون أرضا خصبة للمتطرفين. وهذا يعد ضعفا في حالة سقوط نظام بوتين وبدء الصراع من أجل المسار المستقبلي لروسيا. إذا كان القوميون المؤيدون للحرب الذين يبحثون عن أعداء يلومونهم هم المعارضة الوحيدة المتبقية في روسيا، فقد يسير العالم في مسار مظلم وخطير.
عندما أعلن بوتين عن العملية العسكرية الخاصة، تحدث عن وقف توسع الناتو في حديقة بلاده الخلفية، ومع فشل القوات الروسية بالسيطرة على كييف، علاوة على الإطاحة بحكومة زيلينسكي سحب الكرملين القوات وركز على جنوب وشرق أوكرانيا. والغريب أن بوتين أصر في مؤتمر عقد في الشرق الأقصى قبل أيام، على أن روسيا «لم تخسر شيئا ولن تخسر شيئا» في الحرب، وهي ملاحظة بدت غافلة عن النكسات الروسية المتكررة والخسائر الفادحة بشكل صادم، وتتجاهل ما كان يجري في ساحة المعركة كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» (13/9/2022). وفي ظل تغير الأهداف وتخفيض مستوى التوقعات لدى بوتين، بات زيلينسكي يتحدث عن تحرير كامل للأراضي الأوكرانية بما فيها شبه جزيرة القرم، ويجادل محللون استخباراتيون وعسكريون غربيون بأنه من غير المرجح أن تحقق روسيا هدفها الاحتياطي المفترض المتمثل في قهر كل من دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا. ومن هنا نشرت تعليقات تدعو لمساعدة الأوكرانيين على إنهاء المهمة ضد روسيا، وزادت الضغوط على الحكومة الألمانية لتزويد الأوكرانيين بالدبابات، فيما طالب معلقون لتحضير الأجواء للنصر الأوكراني. ولا شك أن خيارات بوتين تتقلص وسط خسائر جيشه، إلا أن الحرب لم تنته بعد والتقدم الأوكراني في الجنوب بطيء ويتم بخسائر كبيرة. ووسط رفع مستوى التوقعات في الحرب وعناد بوتين فهناك مجال للتصعيد وطول أمد الحرب، حيث يحضر الأوكرانيون للحرب في العام المقبل.
الواقعية مطلوبة
ورأى المعلق ديفيد إغناطيوس في صحيفة «واشنطن بوست» (12/9/2022) أن زيلينسكي لديه اليد العليا ويمكنه التفاوض من موقع القوة، أما بوتين فقد بات يواجه انتقادات وخسائر، وتم خرق كل الخطوط الحمر التي فرضها منذ بداية الحرب، فقد حذر من تزويد الغرب أوكرانيا بأسلحة فتاكة وحذر من تقديم صواريخ هيمارس الدقيقة وتم تجاوز الخطوط الحمر. ولكن بوتين لديه القدرة على التهور وعمل المزيد. وحذر في الوقت نفسه زيلينسكي من توسيع الحرب.
وحتى الآن، فعل بوتين كل ما بوسعه لتجنب التعبئة الإلزامية، والتي تخاطر بإثارة معارضة عامة أوسع للحرب، على الرغم من أن العديد من الخبراء العسكريين الروس يعتقدون أنه لا توجد طريقة أخرى لهزيمة أوكرانيا عسكريا. ويقول المحللون إنه إذا تمسك بعادته في رفض التراجع، فمن المرجح أن تستمر طاحونة الحرب. ونقلت «واشنطن بوست» عن مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في مركز التحليلات البحرية ومقره أرلينغتون: «لدى فلاديمير بوتين بالتأكيد الإرادة لمواصلة هذه الحرب، لكنه كان يعمل إلى حد كبير تحت الوهم بأن الجيش الروسي كان يتقدم وأنه سيفوز في النهاية». لكن استمرار الحرب يشكل مخاطرة خاصة على بوتين، الذي يتعرض لضغوط وتدقيق متزايدين على الرغم من حملة الكرملين القمعية لانتقادات الحرب. وقال محللون إن معظم الروس العاديين، الذين لم يعودوا يهتموا كثيرا بالحرب، ربما لم يكونوا على دراية بالتراجع الكبير. لكن إذا واجهت روسيا المزيد من الانتكاسات، فقد يزداد الغضب من المتشددين المؤيدين للحرب، وسيزداد الوعي العام، ومعه الضغط على بوتين.
ومع ذلك، يبدو أن بوتين يتمسك معاندا بنفس الإستراتيجية، ويعتمد على قناعته بأن الدعم الغربي لأوكرانيا سوف ينهار، ما يجبر أوكرانيا على الاستسلام في الوقت المناسب. يبدو أن هذا بالفعل يأتي بنتائج عكسية، حيث استحوذت المكاسب الأخيرة التي حققتها أوكرانيا على الإعجاب، ما عزز الدعم لكييف. يبدو بوتين حسب ضحية لافتراضاته الخاصة وانعزاله عن النخب المحيطة به وأسيرا لتظلماته المتعلقة بانهيار الاتحاد السوفييتي بسبب سياسات الانفتاح التي قادها ميخائيل غورباتشوف الذي توفي الشهر الماضي ولم يحضر بوتين جنازته.
الأصداء الجيوسياسية
وبعيدا عن التأثيرات المحلية فإن انتصارات أوكرانيا تمثل تحديا له على الساحة الإقليمية وتحالفاته مع الذين رفضوا الغزو مثل الصين أو وقفوا على الحياد مثل الهند ودول الجنوب وبعض الدول العربية التي استخدمت الحياد كوسيلة لتجنب الضغوط الأمريكية وخاصة في مجال سياسات الطاقة العالمية. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» (14/9/2022) أن بوتين وجد من خلال أوبك بلاس شريكا في السعودية والإمارات لتحريك دفة أسعار النفط العالمية. ومن خلال العمل وبشكل مقرب مع روسيا، فالسعودية تجعل من الصعوبة على واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي عزل بوتين. وفي الوقت الذي تحضر فيه دول أوروبا لاتخاذ قرارات تتعلق بكمية النفط المستورد من روسيا، تقدم الصين والهند والسعودية نفسها كمشتر في اللحظة الأخيرة. وربما نظر للخطوات السعودية وحليفاتها في الخليج كعميل لروسيا على حساب واشنطن وتوسيع الخيارات وسط الرأي السائد بينها بعدم موثوقية أمريكا. وربما كانت فرصة انتهازية لتحقيق المال، خاصة أن مال النفط أصبح سلاحا تستخدمه هذه الدول لمساعدة أصدقائها في المنطقة، مصر وتركيا مثلا، أو للتأثير على الدول البعيدة، كما أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» (15/9/2022) وقالت فيه إنه يعكس التحولات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط، التي حفزتها الآثار المتتالية للحرب الروسية في أوكرانيا. وقال ديفيد باتر، المحلل المختص في المنطقة في مركز أبحاث تشاتام هاوس البريطاني، «لديهم فوائض هائلة. ليس من الصعوبة عليهم تخصيص بعض الأموال لحلفائهم الإقليميين المحتاجين». ويختلف الدعم الحالي عما كان عليه في الماضي، فلم يعد مجرد حزم إنقاذ بدون شروط كما تقول كارين يونغ، الباحثة البارزة في جامعة كولومبيا ومؤلفة كتاب «فن الحكم الاقتصادي لدول الخليج العربية»: «الاختلاف الآن هو في الواقع يتعلق بشراء الأصول، وهو ليس نفس النوع من الإنقاذ». وأشارت إليه مجلة «إيكونوميست» (14/9/2022) معلقة على زيارة عبد الفتاح السيسي لقطر التي عاداها لوقت طويل بسبب موقفها الداعم للربيع العربي. وبالنظر إلى الجهود الدولية التي تقوم بها أمريكا لفرض العقوبات ومنع بوتين من تحويل الشتاء المقبل إلى كابوس، فهي تقوم بالضغط على تركيا ومنع البنوك التي وافقت على استخدام العملة المحلية في التبادل. وأشارت صحيفة «فايننشال تايمز»(15/9/2022) إلى تحذيرات مسؤولين أمريكيين ووفد من الاتحاد الأوروبي لنقل الرسالة. وحاولت تركيا رجب اردوغان المشي على حبل رقيق دون أن تغضب طرفي الحرب.
للصداقة حدود
والأهم من كل هذا ليست هذه الدول التي يعرف بوتين أنها تسعى لمصلحتها بل وما يراه تحالفا استراتيجيا مع الصين و«العلاقة غير المحدودة» فرغم التبادل التجاري والمناورات العسكرية المشتركة وخطط نقل الغاز الروسي عبر أنبوب للمحيط الهادئ إلا أن الصين لم تتخذ القرارات اللازمة لدعم روسيا وتزويدها بالتكنولوجيا ما اضطر بوتين للبحث عن بدائل عسكرية في كوريا الشمالية وإيران. وأشار موقع «بلومبيرغ» (12/9/2022) أن الصين في المعادلة الحالية هي الرابح من العلاقة مع بوتين. وقالت إن الأداء السيء للقوات الروسية في المعارك على الجبهة الأوكرانية أثار انتباه الدول التي تلعب موسكو دور الضامن لأمنها. بل وتم إعادة رسم الخطوط الحمر في منطقة وسط آسيا بشكل أعاد تشكيل مجال تأثير روسيا السياسي، وفي الوقت الحالي لا ترغب الصين بتحديد الخطوط وهي تحضر لمؤتمر الحزب الشيوعي هذا الخريف. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز»(13/9/2022) إن الصين حذرة في دعمها لروسيا، فهي لا تريد خسارة موسكو حربا ستؤثر على موقفها العالمي ولا تريد خرق العقوبات الغربية. لكن الصين قيدت نفسها بحرب أدت حتى الآن إلى نتائج عكسية بالنسبة لروسيا. أي إضعاف خطير لهيمنة بوتين في روسيا يمكن أن يضر بموقف بيجين. وبدأت الأخيرة بتخفيف اللهجة من الحرب ومحاولة الحفاظ على توازنات في منطقة مهمة لها من العالم. وتمتد صداقة شي مع روسيا إلى عهد والده الذي أشرف على الخبراء العسكريين، والتقى مع بوتين 38 مرة ولكن للصداقة حدودا عندما يتعلق بالمصالح الإستراتيجية التي باتت الصين تملك اليد العليا فيها، اقتصاديا وسياسيا. ومن غير المرجح أن يربط شي بلاده بروسيا بشكل أوثق مما فعل في شباط/ فبراير، عندما أعلن عن صداقته اللامحدودة. وفي الوقت الحالي يحضر الغرب طبول النصر، وبشر نبي «نهاية التاريخ» فرانسيس فوكوياما بمقابلة مع «واشنطن بوست»(12/9/2022) بأن الجيش الأوكراني سيواصل دحره للقوات الروسية وحلم تحرير القرم لم يعد مستحيلا، وإلى متى ستظل المعركة، لم يجب.
“القدس العربي”