قال أناتول ليفين مدير برنامج أوراسيا في معهد كوينسي “ريسبونسبل ستيت كرافت” (فن الحكم المسؤول) الأمريكي في مقال بعنوان “هل بوتين في طريقه للخروج من المشهد؟” إنه مع تصاعد الهزائم الروسية في أوكرانيا خلال الشهر الماضي، تزايدت التكهنات حول بقاء الرئيس فلاديمير بوتين في منصبه، وكذلك الأحاديث في واشنطن وبين المعارضين الروسيين عن الحاجة لأن تتبنى إدارة بايدن استراتيجية “تغيير النظام” كاستراتيجية أمريكية معلنة.
واعتبر أنه وفق هذا السياق، يجب أن تركز إدارة بايدن على العلاقة بين تغيير القيادة الروسية والبحث عن نهاية للحرب في أوكرانيا.
وأكد أنه سيكون من الجيد بالفعل إخراج بوتين من المشهد. وفي الواقع يجب أن يتنحى هو بنفسه. وربما يفعل ذلك ويسلم المنصب إلى خليفة يختاره بعناية، كما فعل الرئيس يلتسين عندما تنحى مبكرًا وعين بوتين ليخلفه.
مع تصاعد الهزائم الروسية في أوكرانيا، تزايدت التكهنات حول بقاء بوتين في منصبه، وكذلك الأحاديث في واشنطن وبين المعارضين الروسيين عن الحاجة لتتبنى إدارة بايدن “تغيير النظام” كاستراتيجية أمريكية معلنة
ويرى أنه في الواقع، سيتعين على بوتين أن يواجه الانتخابات في أوائل عام 2024، وقد يواجه هذه المرة معارضة خطيرة للغاية وقد يضطر إلى اللجوء إلى التزوير الضخم والعلني، أو القمع الشرس، أو كليهما للفوز.
وبحسبه فمع ذلك، من الأهمية بمكان ملاحظة أن هذه المعارضة لن تأتي من معارضي الحرب فقط، وإنما أيضًا من القوميين المتطرفين الذين يعتقدون أن الحرب يجب أن تكون أكثر قسوة، وهو ما يعد أخطر بالنسبة لبوتين.
وفي الأسابيع الأخيرة، كان هناك زيادة هائلة في انتقادات هذه الشريحة للسياسة الروسية، بما في ذلك من موالين سابقين لبوتين. وخلاصة القول إنه لا يوجد ضمان على الإطلاق أن خليفة بوتين سيكون أفضل، بل ربما يكون أسوأ.
وبعد قصف جسر شبه جزيرة القرم وإلقاء اللوم على “الإرهاب الأوكراني”، ردت روسيا من خلال شن هجمات صاروخية مكثفة ضد البنية التحتية المدنية في أوكرانيا.
وبرأيه فبصرف النظر عن القضايا الأخلاقية والقانونية التي ينطوي عليها غزو أوكرانيا، فقد كان “بوتين” مسؤولاً بشكل شخصي عن حرب أوقعت روسيا حتى الآن في مأزق شديد.
وفي بداية تلك الحرب، اجتهد بوتين وآلة الدعاية الخاصة به لتصوير الرئيس على أنه “صاحب القرار” وصورت حتى أفضل وزرائه على أنهم مجرد دمى.
لذا، يؤكد الكاتب، أنه لا يمكنه الآن التهرب من المسؤولية عن الهزائم التي حدثت. وبصرف النظر عن أي شيء آخر، تبدو صورة النظام الذي تأسس على جهاز الاستخبارات سيئة خاصة بعدم تبين القصور الكبير في أجهزة الاستخبارات المختلفة.
وبحسبه يمثل بقاء بوتين في السلطة عقبة حاسمة أمام مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو الشيء الذي يرى قادة العالم أن تحقيقه ضروري وبشكل عاجل.
ومن خلال ضم أقاليم أوكرانية إلى السيادة الروسية (والغريب أن بعض الأراضي المضمومة لا تحتلها روسيا)، فقد جعل بوتين التوصل لتسوية أمرا شديد الصعوبة سواء بقي في السلطة أو جاء خليفة له.
وأخيرًا، فحسب الكاتب، فبالنظر إلى مسؤولية “بوتين” عن هذه الحرب، فإن التفاوض على حل وسط معه قد ينطوي على فقدان ماء وجه لا يرغب في التفكير فيه كثير من القادة الغربيين، بالرغم أن هذا قد يتغير إذا زادت معاناة شعوبهم بشكل كبير نتيجة للحرب.
ويؤكد الكاتب أنه مع ذلك، سيكون من الخطأ الفادح أن يعلن بايدن أن تغيير النظام استراتيجية أمريكية، وكانت الإدارة الأمريكية محقة في تجنب ذلك.
فأولاً، هناك الحقيقة البسيطة التي لا يمكن إنكارها بأن تبني الولايات المتحدة لهذه الاستراتيجية فشل في الغالبية العظمى من الحالات، مثل حالة كوبا التي فشلت فيها هذه الاستراتيجية لمدة 60 عامًا.
وفي بعض الأحيان، عززت هذه الاستراتيجية بالفعل النظام، وصعبت من الحصول على تنازلات لصالح الولايات المتحدة.
وبرأي الكاتب ففي كل الحالات، سمحت للأنظمة الحاكمة بتشويه المعارضين الديمقراطيين من خلال وصفهم بأنهم “عملاء أمريكيون”.
وفي حالة روسيا، من الضروري للغاية أن يُنظر للقيادة التي تخلف بوتين باعتبارها نابعة من الداخل. وإذا كانت هناك أي إشارة بأنها من عمل الولايات المتحدة جزئيًا، فإن ذلك سيشوهها تمامًا، وربما يجعلها أقل قدرة على السعي للسلام.
وفي اعتقاد الكاتب يجب أن يكون من المفهوم أنه بالرغم من زيادة المعارضة لبوتين نتيجة الخسائر الروسية، فإن قتل عشرات الآلاف من الجنود الروس بواسطة الأسلحة الأمريكية والمخابرات الأمريكية لم يزد من حب أمريكا، وبالتالي فإن مثل هذه الاستراتيجية الأمريكية ستكون بلا جدوى.
واعتبر أن الخلط بين استبدال “بوتين” وحاشيته المباشرة بـ “تغيير النظام” ينطوي أيضًا على خطأ تصنيفي مضلل وخطير.
وبالنسبة لبعض المعارضة الروسية، فإن تغيير النظام يعني: الإطاحة الكاملة بالنظام السياسي الذي أنشأه “بوتين”، مثلما تجلى في دعوة المعارض الروسي “أليكسي نافالني” في مقاله بصحيفة “الواشنطن بوست”، حين دعا الغرب إلى تشجيع تحول الدولة الروسية واستبدال نظامها الرئاسي الحالي بنظام برلماني.
ويعني ذلك دعم الغرب لعملية ثورية في روسيا، لكن لا توجد حاليا قوة متماسكة أو منظمة في المجتمع الروسي يمكن أن تقود مثل هذه الثورة.
ويمكن أن تتطور مثل هذه القوة على مدى فترة زمنية طويلة، ولكن بالنظر إلى المخاطر الحادة للحرب في أوكرانيا والمشاكل العالمية الناشئة عنها، فخيار الفترة الطويلة من الزمن غير متاح.
علاوة على ذلك، فليس هناك ما يضمن أن مثل هذه الثورة ستنتج نظامًا أكثر صداقة مع الغرب، أو أكثر ملاءمة لتسوية سلمية في أوكرانيا، أو أكثر احترامًا لحقوق الإنسان في روسيا.
بالنظر إلى المشاعر القومية الشديدة التي أثارتها الحرب، فمن الممكن أن تكون النتيجة نظامًا يمينيًا قوميًا إثنيًا متطرفًا، ولا ينبغي أن ننسى الحلالات الكثيرة التي أدت فيها الثورات التي دعمها الليبراليون في البداية إلى نتائج غير ليبرالية للغاية.
وبحسبه ف قد توافق حكومة روسية مستقبلية على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها موسكو، شريطة العثور على صيغة لحفظ ماء الوجه تسمح لموسكو بتنفيذ ذلك دون دون الظهور بمظهر المستسلم (على سبيل المثال، نزع السلاح ونشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في هذه الأراضي)، خاصة بالنظر إلى أن “بوتين” لم ينجح في الاستيلاء أو الاستمرار في السيطرة على جميع المناطق التي طالب بها.
ومع ذلك، ينبغي الانتباه إلى أن الغالبية العظمى من الروس تعتبر شبه جزيرة القرم وقاعدة سيفاستوبول البحرية أراض روسية لا يمكن التنازل عنها، وقد قارنها روسي من ذوي الميول الليبرالية، بهاواي وبيرل هاربور (وهي أراض تم ضمها بشكل غير قانوني كما أشار، وإن كان منذ وقت أطول).
قد تؤدي إخفاقات بوتين لاستبداله من داخل النظام، ولكن من المرجح أن يكون البديل متشددًا قوميًا، والذي سيلقي باللوم على بوتين في جميع الهزائم فيما يشن حربا أشد على أوكرانيا
وقال إن الأمريكيين مستعدون للتهديد بالأسلحة النووية أو حتى استخدامها للحفاظ على أمريكية حزيرة هاواي، لذلك يجب أن يتفهموا استعداد روسيا لفعل الشيء نفسه في شبه جزيرة القرم.
وبرأيه لو أراد بايدن استبدال بوتين برئيس روسي مستعد للتفاوض على حل وسط في أوكرانيا، فعليه أن يجد طريقة ترسل إشارة للمؤسسة الروسية بأن مثل هذا الحل الوسط معروض بالفعل.
لكن التصريحات الرسمية للحكومة الأوكرانية التي تتعهد باستعادة شبه جزيرة القرم تقضي فعليًا على أي حل وسط من هذا القبيل، وبالتالي تساعد في منع أي تحركات داخل المؤسسة الروسية للعثور على خليفة أكثر ليبرالية لـ”بوتين”، لأنها توحي بأن هذا الخليفة سيظل يواجه تهديدًا بالهزيمة الكاملة.
ويختم الكاتب بالقول لو استمر هذا الأمر، فقد تؤدي إخفاقات بوتين لاستبداله من داخل النظام، ولكن من المرجح أن يكون البديل متشددًا قوميًا، والذي سيلقي باللوم على بوتين في جميع الهزائم فيما يشن حربا أشد على أوكرانيا. وهذه نتيجة يجب على إدارة بايدن بذل كل ما في وسعها لمنعها.
“القدس العربي”